الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[105/ 4] المسألة الخامسة بعد المائة: النار دار عذاب أبدًا لا تفنى ولا يفنى أهلها أبدًا، ومن خالف في ذلك كفر
.
• المراد بالمسألة: يراد بمسألة الباب أن النار دار أعدها اللَّه تعالى للكافرين، وليس لهذه النار فناء، فمن حكم عليه بالخلود في النار فإنه معذب فيها أبد الآبدين، فلا تفنى النار، فيتخلص من العذاب، ولا هو يفنى أو يموت فينجو من النار.
ويتبين مما سبق أن أصحاب الكبائر الذين جاءت النصوص بأنهم يدخلون النار ثم يخرجون إلى الجنة لا يرادون بمسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال أبو زرعة (264)(1) وأبو حاتم (277 هـ)(2): "أدركنا العلماء في جميع الأمصار، حجازًا، وعراقًا، وشامًا، ويمنًا، فكان من مذهبهم. . . الجنة حق، والنار حق، وهما مخلوقتان، لا يفنيان أبدًا"(3).
وقال ابن حزم (465 هـ) في معرض كلامه على بعض الاعتقادات المجمع عليها والتي كفر بها المخالف بإجماع فقال: "اتفقوا أن النار حق، وأنها دار
(1) هو عبيد اللَّه بن عبد الكريم بن يزيد الرازي، سمع خلاد بن يحيى، وأبا نعيم، وأبا الوليد الطيالسي، ومسلم بن إبراهيم، والقعنبي، روى عنه: إبراهيم الحربي، وعبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، وجماعة، كان إمامًا، حافظًا، متقنًا، ثقةً، عالمًا، عارفًا بالحديث، والجرح والتعديل، ولد سنة (200 هـ)، وتوفي سنة (264 هـ). انظر: سير الأعلام 13/ 165، الجرح والتعديل 1/ 328، تهذيب التهذيب 7/ 30.
(2)
هو أبو حاتم، محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الرازي، الحافظ مولى تميم ابن حنظلة، وقيل: يعرف بالحنظلي؛ لأنه كان يسكن درب حنظلة بالري، من أقران البخاري ومسلم، أحد الأئمة الأعلام المشهورين بالحفظ والإتقان والفقه، من تصانيفه:"طبقات التابعين"، و"تفسير القرآن العظيم"، ولد سنة (195 هـ)، وتوفي سنة (277 هـ). انظر: الكاشف 3/ 18، سير أعلام النبلاء 13/ 247، تهذيب التهذيب 9/ 31.
(3)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (1/ 199).
عذاب أبدًا، لا تفنى، ولا يفنى أهلها أبدًا" (1). وقال ابن عبد البر (463 هـ):"الذي عليه جماعة أهل السنة والأثر أن الجنة والنار مخلوقتان لا تبيدان"(2).
وقال ابن تيمية (728 هـ): "اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة، والنار، والعرش، وغير ذلك"(3).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب، الكتاب، والسنة، والإجماع:
• أولًا: من الكتاب:
1 -
2 -
قال تعالى: {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)} (5).
3 -
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)} (6).
4 -
قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} (7).
5 -
قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا
(1) مراتب الإجماع (268).
(2)
التمهيد (5/ 11)، وانظر:(14/ 105)، (19/ 112).
(3)
مجموع الفتاوى (18/ 307)، وانظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 581)، درء تعارض العقل والنقل (1/ 403).
(4)
سورة النساء، آية (167 - 169).
(5)
سورة الجن، آية (23).
(6)
سورة الأحزاب، آية (64 - 65).
(7)
سورة المائدة، آية (37).
هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} (1).
6 -
قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)} (2).
7 -
8 -
قال تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)} (4).
قال ابن كثير: " {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} أي: ساعة واحدة، {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي: آيسون من كل خير"(5).
9 -
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)} (6)، قال ابن كثير:"غرامًا: أي: ملازمًا دائمًا"(7).
10 -
قال تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)} (8).
• وجه الدلالة من الآيات السابقة: هذه الآيات دالة على استمرارية عذاب الكافرين.
• ثانيًا: من السنة:
1 -
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون)(9).
(1) سورة التوبة، آية (68).
(2)
سورة البقرة، آية (86).
(3)
سورة فاطر، آية (36).
(4)
سورة الزخرف، آية (74 - 75).
(5)
تفسير ابن كثير (7/ 240).
(6)
سورة الفرقان، آية (65 - 66).
(7)
تفسير ابن كثير (6/ 123).
(8)
سورة النبأ، آية (30).
(9)
صحيح مسلم (رقم: 185).
2 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وصار أهل النار إلى النار، أتي بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ يا: أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، وبزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم)(1).
وأحاديث الشفاعة متواترة في خروج الموحدين من أهل الكبائر، دون الكافرين مما يدل على بقائهم في النار، وليس في النصوص ما يشير إلى خروجهم منها، أو فنائهم.
• ثالثًا: من الإجماع: نقل غير واحد من أهل العلم إجماع أهل السنة على ابقاء النار وأنها لا تفنى، فقال ابن حزم:"اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة، ولا لنعيمها، ولا للنار، ولا لعذابها"(2).
وقال القرطبي بعد ذكره لبعض الأحاديث الدالة على دوام النار: "هذه الأحاديث مع صحتها نص في خلود أهل النار فيها لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد، من غير موت ولا حياة، ولا راحة، ولا نجاة. . . فمن قال: إنهم يخرجون منها، وأن النار تبقى خالية، وبجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول، فهو خارج عن مقتضى المعقول، ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول"(3).
• المخالفون للإجماع: ذكر ابن القيم مسألة فناء النار في كتابه "حادي الأرواح" وذكر القول بفناء النار عن جملة من الصحابة والتابعين كعمر بن الخطاب، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وحماد بن سلمة وجماعة (4).
(1) صحيح البخاري (رقم: 6182)، وصحيح مسلم (رقم: 2850).
(2)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 69).
(3)
التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (2/ 69).
(4)
انظر: حادي الأرواح (1/ 249).
وقد انتصر ابن القيم في "حادي الأرواح" للقول بفناء النار، من جهة أنه ذكر أدلة القائلين بعدم فناء النار، وأجاب عن تلك الأدلة، وقوى أدلة القائلين بالفناء، حتى أن القارئ قد يلمح منه ترجيح القول به، وإن لم يكن مصرحًا بذلك.
لكن له كلام آخر في "الوابل الصيب" يتبيَّن منه أن مراده بفناء النار فناء طبقة الموحدين بعد خروجهم منها، لا فناء النار مطلقًا، حيث قال:"الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة؛ فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد؛ فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقى إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض"(1).
وذكر نحو هذا القول في "زاد المعاد"(2).
بل إنه نسب القول بفناء النار مطلقًا للجهمية كما في "النونية"(3).
فيتحصل من هذا أن ابن القيم مع جمهور أهل السنة والجماعة في الجملة بالقول بأن النار لا تفنى.
كما أن القول بفناء النار منسوب أيضًا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، وموجب هذه النسبة أن ثمة رسالة منسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية ملخصها أن شيخ الإسلام ابن تيمية سُئل عن مسألة فناء الجنة والنار، فأجاب ابن تيمية عن ذلك بذكر آراء أهل العلم في المسألة، فقال: "وقد تنازع الناس في ذلك على ثلاثة أقوال:
فقيل: ببقائهما، وقيل: بفنائهما، وقيل: ببقاء الجنة دون النار.
(1) الوابل الصيب (1/ 34).
(2)
انظر: زاد المعاد (1/ 55).
(3)
انظر: متن القصيدة النونية لابن القيم (245)، وانظر: شرح القصيدة النونية لابن عيسى (2/ 338).
أما القول بفنائهما: فما رأينا أحدًا حكاه عن أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وإنما حكوه عن الجهم بن صفوان (1) وأتباعه الجهمية" (2)، ثم بسط أدلة بقائهما، ثم قال: "وأما القول بفناء النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف، والنزاع في ذلك معروف عن التابعين، ومن بعدهم" (3).
ثم ذكر أدلة القائلين بفناء النار، وتعقَّب أدلة القائلين بأنها تبقى، ومن جملة ما تعقبه أن من الناس من ظن القول ببقاء النار محل إجماع بين أهل العلم، فتعقبه بقوله: "أما الإجماع فهو أولًا: غير معلوم، فإن هذه المسائل لا يقطع فيها بالإجماع، نعم: قد يُظن فيها الإجماع، وذلك قبل أن يعرف النزاع، وقد عرف النزاع قديمًا وحديثًا، بل إلى الساعة لم أعلم أحدًا من الصحابة قال: إنها تفنى،
(1) هو أبو محرز، جهم بن صفوان الترمذي، الراسبي، مولاهم، السمرقندي، رأس الضلالة، ورأس الجهمية، كان كاتبًا للأمير الحارث بن سريج التميمي، وكان صاحب ذكاء وجدال، وكان ينكر الصفات، قتله سلم بن أحوز المازني بمرور سنة (128 هـ) لإنكاره أن اللَّه كلَّم موسى. انظر: سير أعلام النبلاء 6/ 26، طبقات الشافعية 1/ 89، الأعلام 2/ 141.
(2)
الرد على من قال بفناء الجنة والنار وبيان الأقوال في ذلك لابن تيمية (42).
وقد اختلف النساخ في تسمية الرسالة على ثلاث تسميات:
1 -
فأطلق عليه بعضهم: "الرد على من قال بفناء الجنة والنار"، وهذه التسمية موافقة لتسمية ابن عبد الهادي، حيث ذكر في كتابه "العقود الدرية" (83) كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومنها:"قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار".
2 -
وأطلق عليها آخرون: "تصنيف في فناء النار"، وهذا الإطلاق صادر بحسب فهم بعضهم من الرسالة أنها تدل على رأي شيخ الإسلام في المسألة، وأول من نشر هذا القول هو السبكي -كما تقدم-.
3 -
وأطلق عليها آخرون: "فصل في فناء الجنة والنار، وقد تنازع الناس في ذلك على ثلاثة أقوال"، وهذا الإطلاق هو الموافق لنص الكتاب.
(3)
الرد على من قال بفناء الجنة والنار وبيان الأقوال في ذلك (52).
وإنما المنقول عنهم ضد ذلك، ولكن التابعون نقل عنهم هذا وهذا" (1).
ثم ذكر مسألة الفرق بين بقاء الجنة والنار، وختم بها الكتاب، دون التصريح باختيار أحد القولين.
وبسبب هذه الرسالة، اختلف أهل العلم في نسبة القول بفناء النار لابن تيمية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن شيخ الإسلام يقول بفناء النار. وبهذا قال السبكي وألَّف فيه رسالة بعنوان: "الاعتبار ببقاء الجنة والنار"؛ واحتج بالرسالة السابقة المنسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية.
القول الثاني: أن شيخ الإسلام لا يرى القول بفناء النار مطلقًا. والحجة في ذلك عدم الجزم بصحة نسبة الرسالة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، ولأنه ليس في الرسالة ترجيح للقول بفناء النار، ولأنه ليس في شيء من كتبه -غير هذه الرسالة- التصريح بهذا القول، بل المنقول في كتبه القول بأنها لا تفنى، ومن ذلك قوله:"اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، لم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم وهذا قول باطل يخالف كتاب اللَّه وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها"(2).
وصرح بنسبة القول بفناء النار للجمهية حيث قال: "هذا الذي يذكره كثير من أهل الكلام الجهمة ونحوهم في الابتداء (3) نظير ما يذكرونه في الانتهاء من
(1) الرد على من قال بفناء الجنة والنار وبيان الأقوال في ذلك (72).
(2)
مجموع الفتاوى (18/ 307)، وانظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 581)، درء تعارض العقل والنقل (1/ 403).
(3)
أي في كيفية ابتداء خلق السماوات والأرض.
أنه تفنى أجسام العالم حتى الجنة والنار" (1).
القول الثالث: أن شيخ الإسلام يميل إلى القول بفناء النار. وبهذا قال ابن حجر (2)، والسفاريني (3)، وصديق حسن خان (4)(5)، والألوسي (6)(7).
وذلك لما في الرسالة من تقوية القول بفناء النار، وتعقب أدلة القائلين بأنها لا تفنى.
والذي يظهر -واللَّه أعلم- أنه لا يصح الجزم بنسبة القول بفناء النار إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، لتصريحه بفناءها -كما سبق نقله-، ولأنه ليس في الرسالة المنسوبة إليه التصريح باختيار القول بفناء النار.
(1) بيان تلبيس الجهمية (1/ 152).
(2)
انظر: فتح الباري (11/ 422).
(3)
لوامع الأنوار البهية (2/ 235).
(4)
هو أبو الطيب، حمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف اللَّه الحسيني، البخاري، القنوجي، من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب، ولد ونشأ في قنوج -بالهند-، وتعلم في دهلي، ثم سافر إلى بهوبال طلبًا للمعيشة، ففاز بثروة وافرة، وتزوج بملكة بهويال، له مصنفات كثيرة بلغت نيف وستين مصنفًا بالعربية والفارسية والهندية، منها:"حسن الأسوة في ما ثبت عن اللَّه ورسوله في النسوة"، و"فتح البيان في مقاصد القرآن"، و"حصول المأمول من علم الأصول"، ولد سنة (1248 هـ)، مات سنة (1307 هـ). انظر: جلاء العينين في محاكمة الأحمدين 62، الأعلام 6/ 168، معجم المؤلفين 10/ 90.
(5)
انظر: يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار (42).
(6)
هو أبو البركات، عثمان بن محمود بن عبد اللَّه، الآلوسي، خير الدين، الواعظ، الفقيه، من أعلام الأسرة الآلوسية في العراق، ينته نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنه، ولد ونشأ ببغداد، وولي القضاء في بلاد متعددة، رحل إلى مصر فحمل علمًا، ثم عاد لبغداد فعكف على التدريس والتصنيف، قال الأثري في وصفه:"كان عقله أكبر من علمه، وعلمه أبلغ من إنشائه، وإنشاؤه أمتن من نظمه، وكان جوادًا، وفيًا، زاهدًا، حلو المفاكهة، سمح الخلق"، من تصانيفه:"جلاء العينين في محاكمة الأحمدين"، و"الآيات البينات"، و"غالية المواعظ"، ولد بغداد سنة (1252)، وتوفي بها سنة (1317 هـ). انظر: الأعلام 8/ 42، معجم المؤلفين 13/ 107.
(7)
جلاء العينين في محاكمة الأحمدين (488).
والذي يظهر واللَّه أعلم أحد أمرين:
الأول: إما أن شيخ الإسلام يميل إلى القول بفناء النار دون الجزم به.
الثاني: أن شيخ الإسلام لا يرى القول بفناء النار ولا يميل له أيضًا، وإنما أراد بذكر الخلاف في المسألة وتقوية أدلة القائلين بفناء النار أن يُبيِّن أن المسألة محل خلاف معتبر، وأن المخالف فيها لا يُضلل، ولا يُبدع؛ إذ الخلاف فيها مأثور عن السلف، لا سيما وأن سبب الرسالة أن تلميذه ابن القيم سأل شيخه ابن تيمية عن مسألة فناء النار، وأنها من المسائل المشكلة (1)، فبَين له شيخ الإسلام الجواب باستقصاء أدلة الفريقين، مع الموازنة في الأدلة، حتى ظن من ظن بأنه يقول بفناء النار أو يميل إليه.
وهذا الثاني هو الأظهر في نظر الباحث، واللَّه أعلم (2).
(1) وقد بيَّن ذلك ابن القيم حيث قال في كتابه "شفاء العليل"(1/ 264): "وكنت سألت عنها شيخ الإسلام قدس اللَّه روحه، فقال لي: هذه المسألة عظيمة كبيرة، ولم يجب فيها بشيء، فمضى على ذلك زمنًا، حتى رأيت في تفسير "عبد بن حميد الكثي" بعض تلك الآثار التي ذكرت، فأرسلت إليه الكتاب، وهو في مجلسه الأخير، وعلمت على ذلك الموضع، وقلت للرسول: قل له هذا الموضع يشكل علي، ولا يدري ما هم، فكتب فيها مصنفه المشهور رحمة اللَّه عليه".
(2)
ما ذَكرْته من الخلات المنسوب لبعض الصحابة والسلف ولشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم،
هو باعتبار ذِكر الخلاف المعتبر من أهل السنة والجماعة، وإلا فالمسألة فيها خلاف لطوائف أخرى كالجمهية وغيرهم، ومجمل هذه الأقوال ذكرها السفاريني في "لوامع الأنوار" (2/ 234 - 235) فقال: "أصل ذلك كله سبع أقوال:
أحدها: قول الخوارج والمعتزلة أن من دخل النار لا يخرج منها أبدًا، بل كل من دخلها يخلد فيها أبد الآباد.
والثاني: قول من يقول إن أهلها يعذبون مدة فيها ثم تنقلب عليهم، وتبقى طبائعهم نارية يتلذذون بالنار لموافقتها طبائعهم، وهذا قول ابن عربي الطائي في كتاب فصوص الحكم وغيره من كتبه.
الثالث: قول من يقول إن أهل النار يعذبون فيها إلى وقت محدود ثم يخرجون منها، ويخلفهم فيها قوم آخرون، وهذا القول حكاه اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم فأكذبهم فيه. . .
الرابع: قول من يقول: يخرجون منها وتبقى نارًا بحالها ليس فيها أحد يعذب، ذكره شيخ =
• دليل المخالف: من أدلة القول بفناء النار ما يلي:
1 -
قال تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (1).
2 -
• وجه الدلالة من الآيتين: أن الثه تعالى ذكر استثناء في خلود أهل النار فيها بقوله سبحانه: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} ، بخلاف أهل الجنة حيث صرَّح سبحانه بدوامها فقال:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} .
3 -
قال تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} (3).
• وجه الدلالة: أخبر تعالى بأن أهل النار يلبثون فيها أحقابًا، والحقب يطلق على مدة من الزمان ثم تنقضي، قال ابن كثير:" {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} أي: ماكثين فيها أحقابًا، وهي جمع "حقُب"، وهو: المدة من الزمان"(4).
= الإسلام ابن تيمية عن بعض أهل الفرق، قال: والقرآن والسنة يردان هذا القول.
الخامس: قول من يقول: تفنى النار بنفسها لأنها حادثة كانت بعد أن لم تكن، وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه وأبديته، وهذا قول جهم بن صفوان وشيعته، ولا فرق عنده بين الجنة والنار.
السادس: قول من يقول: تفنى حياتهم وحركاتهم ويصيرون جمادًا لا يتحركون ولا يحسون بألم، وهذا قول أبي الهذيل العلاف أحد أئمة المعتزلة؛ طردًا لامتناع حوادث لا نهاية لها، والجنة والنار عنده سواء في هذا الحكم.
السابع: قول من يقول إن اللَّه تعالى يفنيها لأنه ربها وخالقها لأنه تعالى -على زعم أرباب هذا القول- جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم تفنى ويزول عذابها، قال شيخ الإسلام: وقد نقل هذا عن طائفة من الصحابة، والتابعين". وانظر: فتح الباري (11/ 421 - 422).
(1)
سورة الأنعام، آية (128).
(2)
سورة هود، آية (106 - 108).
(3)
سورة النبأ، آية (21 - 22).
(4)
تفسير ابن كثير (8/ 305).
4 -
أنه مروي عن جماعة من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم، ومن ذلك:
عن الحسن بن البصري قال: قال عمر رضي الله عنه: "لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج (1)، لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه"(2).
كما أنه مروي عن ابن مسعود (3)، وأبي هريرة (4)، وأبي سعيد (5)،
(1) عالج: منطقة بين فيد والقريات، ينزلها بنو بحتر من طيء، وهي على طريق مكة. انظر: معجم البلدان (4/ 70).
(2)
أخرجه عبد بن حميد في تفسيره من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، وهو منقطع، ومراسيل الحسن البصري ضعيفة عند المحدثين كما قال ابن سيرين:(لا تأخذوا بمراسيل الحسن ولا أبي العالية فإنهما لا يباليان عن من أخذا" نقله الدارقطني في سننه (1/ 171). ولذا ضعف ابن حجر الحديث حيث قال في "فتح الباري"(11/ 422): "هو منقطع. . . وهذا الأثر عن عمر لو ثبت حمل على الموحدين"، وضعفه كذلك الصنعاني في كتابه:"رفع الأستار"(70)، كما ضعفه الألباني أيضًا في سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/ 73).
(3)
ذكره البغوي في تفسيره (2/ 467) عن أبي هريرة رضي الله عنه معلقًا بلفظ: (ليأتين على جهنَّم زمان ليس فيها أحد)، ثم قال البغوي:"معناه عند أهل السنة إن ثبت: أن لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان، وأمّا مواضع الكفار فممتلئة أبدًا".
(4)
ذكره البغوي في تفسيره معلقًا، وذكره ابن القيم مسندًا في "حادي الأرواح" (252) من طريق عبيد اللَّه بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال:"ما أنا بالذي لا أقول إنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد"، وقرأ قوله:{فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} الآية، قال عبيد اللَّه: كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين. اهـ وسند الحديث ظاهره الصحة، لكنه غير صريح في المسألة، ولا يدل على فناء النار.
(5)
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (15/ 483) فقال: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: حدثنا ابن التيمي، عن أبيه، عن أبي نضرة، عن جابر أو أبي سعيد -يعني الخدري- أو عن رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قوله:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107]، قال: هذه الآية تأتي على القرآن كلِّه، يقول: حيث كان في القرآن {خَالِدِينَ فِيهَا} [هود: 107]، تأتي عليه، قال: وسمعت أبا مجلز يقول: هو جزاؤه، فإن شاء اللَّه تجاوَزَ عن عذابه. اهـ وهذا الأثر ظاهره الصحة، لكنه كأثر أبي هريرة لا يدل على فناء النار صريحًا.
وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص (1) رضي اللَّه عن الجميع.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم.
لكن ينبه إلى أن هذه المسألة لا ينبغي أن تكون من المشكلات على طالب العلم؛ من جهة أن المخالف فيها لا يُعد خارجًا عن جملة أهل السنة والجماعة فضلًا عن خروجه عن الدين بالكلية؛ لِما ذكره ابن القيم من الآثار في ذلك عن بعض الصحابة رضوان اللَّه عليهم، وإن كانت هذه الآثار غير مسلَّمة من جهة السند، لكن فيها إشارة إلى أن المسألة ليست من الأصول التي يضلل فيها المخالف، ولذا لما ذكر السبكي المسألة وجعل القول بفناء النار من أقوال أهل البدع والضلال تعقبه ابن القيم حيث قال:"فقولكم إنه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم، وآرائهم، واختلافهم"(2).
وفي ذلك يقول الشيخ صالح الفوزان -حفظه اللَّه-: "وغاية ما يقال إنه قول خطأ، أو رأي غير صواب، ولا يقال: بدعة، وليس قصدي الدفاع عن هذا القول ولكن قصدي بيان أنه ليس بدعة ولا ينطبق عليه ضابط البدعة"(3).
وحاصل الكلام أن من قدح في شيخ الإسلام أو ابن القيم بسبب هذه المسألة فجوابه من وجهين:
(1) ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (4/ 385) من طريق بندار عن أبى داود عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن عبد اللَّه بن عمرو أنه قال: "ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد". ثم قال الذهبي: "وهذا منكر، قال ثابت البنانى: سألت الحسن عن هذا فأنكره".
ويتحصل مما سبق أن ما روي عن الصحابة في ذلك إما ضعيف لا يصح سنده، أو صحيح لكنه ليسى صريحًا في الدلالة على المسألة.
(2)
حادي الأرواح (256).
(3)
نقله عنه محمد رمضان في كتابه: نظرات وتعقيبات على ما في كتاب السلفية من الهفوات (50).