الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر عن المنافقين أنهم إن تابوا فإن توبتهم مقبولة، وأنهم يكونوا مع المؤمنين حينئذٍ الذين يحصِّلون الأجر العظيم.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[6/ 4] المسألة السادسة: المرتد الذي أتلف مال غيره يضمن ما أتلفه
.
• المراد بالمسألة: لو ارتد شخص في بلاد الإسلام، ثم اعتدى على مال غيره فأتلفه، من غير حرابة، وهو في بلاد الإسلام، فإنه ضامن لما أتلف.
ويتحصل مما سبق أن المرتد لو لحق بدار الحرب، ثم اعتدى على مال غيره، فذلك غير مراد، وكذا لو كان المرتد من أهل الحرابة، أو كان المرتدون جماعة ممتنعة وأتلفوا مالًا على المسلمين، فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "المرتد الذي أتلف مال غيره وليس بمحارب، بل هو في الظاهر مسلم أو معاهد، فإن هؤلاء يضمنون ما أتلفوه بالإتفاق"(1).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (2).
• وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى أمرنا أن نعاقب بالمثل، ومن أتلف شيئًا فإن من عقابه بالمثل أن نلزمه بضمان ما أتلفه، فيرد مثله أو قيمته، قال ابن سيرين في قوله تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (3): "إن أخذ الرجل منك شيئًا فخذ منه مثله"(4).
(1) مجموع الفتاوى (15/ 172)، وانظر: الموسوعة الكويتية (22/ 189) حيث جاء فيها: "إذا اعتدى مرتد على مال غيره -في بلاد الإسلام- فهو ضامن بلا خلاف".
(2)
سورة النحل، آية (126).
(3)
سورة النحل، آية (126).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 361)، وابن جرير في تفسيره (17/ 324)، والسيوطي في الدر المنثور (9/ 137).
2 -
قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (1).
3 -
• وجه الدلالة من الآيتين: أن اللَّه تعالى أباح لمن اعتُدي عليه بشيء أن يأخذ حقه بمثلها، ويدخل في ذلك أن من أتلف شيئًا فله أن يأخذ حقه ممن أتلفه بمثله دون حيف (3).
4 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)(4).
(1) سورة الشورى، آية (40).
(2)
سورة البقرة، آية (194).
(3)
انظر: تفسير القرطبي (2/ 357).
(4)
أخرجه الترمذي، كتاب: البيوع، (رقم: 1264)، وقال:"حديث حسن غريب"، وأبو داود، كتاب: الإجارة، باب: في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، (رقم: 3535)، قال الحاكم في "المستدرك" (2/ 53):"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وتعقبهما تقي الدين ابن المطيع في "الإلمام بأحاديث الأحكام" (1/ 226) فقال:"وفيما قالاه -أي الحاكم والذهبي- نظر فيما يبدو؛ لأن في إسناده شريك بن عبد اللَّه القاضي، ولم يرو له مسلم احتجاجًا بل متابعة، وهو صدوق يخطئ كثيرًا كما في التقريب، ولكن روايته هنا مقرونة بقيس بن الربيع، وهو صدوق سيء الحفظ كما في التقريب، فرواية أحدهما تقوي الآخر".
والحديث له شواهد لا تخلو من مقال، بينَّها ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (2/ 77 - 78) وجعل الحديث محل احتجاج بالشواهد حيث قال: "روى أبو داود في سننه من حديث يوسف بن ماهك قال: كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليهم فغالطوه بألف درهم فاداها إليهم فأدركت له من أموالهم مثلها فقلت: اقبض الألف الذي ذهبوا به منك قال: لا حدثني أبي أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك).
وهذا وإن كان في حكم المنقطع فإن له شاهدًا من وجه آخر، وهو حديث طلق بن غنام: أخبرنا شريك وقيس عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)، وقيس وابن الربيع وشريك ثقة، وقد قوي حديثه بمتابعة قيس له، وإن كان فيه ضعف.
وله شاهد آخر من حديث أيوب بن سويد عن ابن شوذب عن أبي التياح عن أنس رضي الله عنه =
5 -
عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)(1).
• وجه الدلالة الحديثين: أن اللَّه تعالى أوجب رد ما أخذه الشخص بإذن مالكه كأن يكون على سبيل الأمانة أو العارية، فمن أخذ بلا إذن المالك فتلف في يده يكون ضمانه من باب أولى.
= عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وأيوب بن سويد وإن كان فيه ضعف فحديثه يصلح للاستشهاد به.
وله شاهد آخر وإن كان فيه ضعف فهو يقوى بانضمام هذه الأحاديث إليه، رواه يحيى بن أيوب عن إسحاق بن أسيد عن أبي حفص الدمشقي عن مكحول: أن رجلًا قال لأبي أمامة الباهلي: الرجلُ أستودِعه الوديعة أو يكون لي عليه دين فيجحدني ثم يستودعني أو يكون له عندي الشيء، أفاجحده؟ فقال: لا سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك).
وله شاهد آخر مرسل قال يحيى بن أيوب: عن ابن جريج عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك).
وله شاهد آخر وهو ما رواه الترمذي من حديث مالك بن نضلة قال: قلت يا رسول اللَّه الرجل أمرُّ به فلا يقريني ولا يضيفني فيمر بي أفأجزيه قال: (لا، أقره)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وله شاهد آخر وهو ما رواه أبو داود من حديث بشر بن الخصاصية قال: قلت: يا رسول اللَّه إن أهل الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا فقال: لا.
وله شاهد آخر من حديث بشر هذا أيضا قلت: يا رسول اللَّه إن لنا جيرانًا لا يدعون لنا شاذةً ولا فاذةً إلا أخذوها فإذا قدرنا لهم على شيء أنأخذه، فقال:(أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)، ذكره شيخنا في كتاب إبطال التحليل.
فهذه الآثار مع تعدد طرقها واختلاف مخارجها يشد بعضها بعضًا".
بينما ضعف الحديث جماعة من المحققين حيث استنكره أبو حاتم الرازي كما في علل الحديث (3/ 594)؛ لأنه من رواية طلْق بن غنام، وقال الشافعي:"هذا الحديث ليس بثابت"، وقال الإمام أحمد:"هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح"، نقله عنهما ابن حجر في تلخيص الحبير (3/ 97)، وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (3/ 592):"هذا الحديث من جميع طرقه لا يصح".
(1)
أخرجه أحمد (33/ 277)، وأبو داود (رقم: 318)، والترمذي (رقم: 1266)، وابن ماجه (رقم: 2400).