الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو لحق بدار الحرب. . . وهذا حكم القرآن، والسنن، وموجب الإجماع" (1).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "ولم يختلفوا فيما اكتسبه في دار الحرب أو أخرجه من ماله إلى دار الحرب أنه فيء"(2). وقال ابن نجيم (970 هـ): "وإن لحق المرتد بمالة فظهر عليه فهو فيء، أي ماله غنيمة يوضع في بيت المال، بالإجماع"(3). وقال ابن الهمام (861 هـ): "إذا لحق المرتد بمالة بدار الحرب ثم ظهر المسلمون على ذلك المال فهو فيء بإجماع الأئمة الأربعة"(4).
• مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن مال المرتد الذي لحق بمالة إلى دار الحرب أو اكتسبه في دار الحرب يعتبر أنه مال حربي حكمة كسائر أموال أهل الحرب، ولا حق للورثة فيه لتبايق الدارين (5).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[14/ 4] المسألة الرابعة عشرة: كل ما لم يظفر به المسلمون من مال المرتد حتى قتل أو مات مرتدًا فلورثته من الكفار
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتد المسلم ثم مات على ردته فماله الذي لم يظفر به المسلمون يكون لوريثه من الكفار، ولا يرثه المسلمون.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "وكل من لم يظفر به من ماله حتى قتل أو مات مرتدًا: فلورثته من الكفار. . . وهذا حكم القرآن، والسنن، وموجب الإجماع"(6).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
(1) المحلى (8/ 337 - 341).
(2)
المغني (6/ 251).
(3)
البحر الرائق (5/ 146).
(4)
فتح القدير (6/ 87).
(5)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 289).
(6)
المحلى (8/ 337 - 341).
1 -
ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك مالًا فلورثته)(1).
• وجه الدلالة: أن الحديث عام في كل ميت له مال فإن المال ينتقل إلى ورثته، وهذا يشمل المرتد وغيره، فيرثه أهله الكفار، وأما الوارث المسلم فيمنع من الإرث لما ثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)(2)(3).
• المخالفون للإجماع: في المسألة خلاف بين فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم:
فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المرتد إذا أبي أن يُسلم وقتل على الردة فإن ماله الذي اكتسبه حال إسلامه يكون فيئًا لبيت المال، وهو مذهب المالكية (4)، والشافعية (5)، ورواية عند الحنابلة (6) وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال زيد بن ثابت، وربيعة، وابن أبي ليلى، وأبو ثور، وابن المنذر (7).
وذهب الحنفية (8)، ورواية عن أحمد (9) إلى أن ماله يكون لورثته من المسلمين، وحكى الكاساني أن هذا القول عليه إجماع الصحابة (10)، وهو
(1) صحيح البخاري (رقم: 2176)، ومسلم (رقم: 1619).
(2)
صحيح البخاري (رقم: 6383)، ومسلم (رقم: 1614).
(3)
انظر: المحلى (8/ 341).
(4)
انظر: التمهيد (9/ 169).
(5)
انظر: الأم (1/ 294)، المجموع (16/ 59).
(6)
انظر: المغني (6/ 250).
(7)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (2/ 148)، المغني (6/ 250)، المجموع (16/ 59).
(8)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 138) باختصار يسير.
(9)
انظر: الفتاوى الكبرى (5/ 445).
(10)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 138)، وسيأتي ذكر النص في معرض الأدلة على هذا القول.
اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، بل قال:"وهو المعروف عن الصحابة"(1).
• دليل المخالف: استدل القائلون بأن مال المرتد يكون لورثته من المسلمين بأدلة منها:
1 -
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى علق حكم الإرث بوقت هلاك الموروث، والمرتد هالك بردته؛ لأنه ارتكب جريمة استحق بها نفسه فيكون هالكًا.
2 -
فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن عبد اللَّه بن أبي ابن سلول لما مات جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ماله لورثته المسلمين.
3 -
فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم؛ "فإن عليًا صلى الله عليه وسلم "قتل المستورد العجلي على الردة، وقسم ماله بين ورثته المسلمين" (3)، ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة، بل جاء عن بعض الصحابة كابن مسعود، ومعاذ بن جبل، ما يوافق هذا الفعل، فكان إجماعًا"(4).
4 -
أما من النظر: فبيَّنه السرخسي حيث قال: "المعنى فيه أنه كان مسلمًا مالكًا لماله، فإذا تم هلاكه يخلفه وارثه في ماله، كما لو مات المسلم.
وتحقيق هذا الكلام أن الردة هلاك، فإنه يصير به حربًا، وأهل الحرب في حق المسلمين كالموتى، إلا أن تمام هلاكه حقيقة بالقتل أو الموت، فإذا تم ذلك استند التوريث إلى أول الردة، وقد كان مسلمًا عند ذلك فيخلفه وارثه
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 445).
(2)
سورة النساء، آية (176).
(3)
أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (6/ 254)، وصححه ابن حزم في المحلى (8/ 338).
(4)
بدائع الصنائع (7/ 138) باختصار يسير.
المسلم في ماله، ويكون هذا توريث المسلم من المسلم، وهذا لأن الحكم عند تمام سببه يثبت من أول السبب، كالبيع بشرط الخيار إذا أجيز يثبت الملك من وقت العقد حتى يستحق المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة جميعًا، فعلى هذا الطريق يكون فيه توريث المسلم من المسلم" (1).
أما القائلون بأن ماله يكون فيئًا للمسلمين فعللوا ذلك بأن المرتد كافر فلا يرثه المسلم، للنهي الصريح في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)(2).
• وجه الدلالة: أن الحديث صريح في أن المسلم لا يرث الكافر، وهو عام سواء كان كافرًا أصليًا أو مرتدًا.
2 -
أن المرتد لا يرثه أهل ملته، كما هو قول عامة أهل العلم، بل حكي الإجماع عليه (3).
إذا تقرر هذا فإما أن يكون مال المرتد مال محارب لا أمان له فيكون فيئا للمسلمين، أو هو مال ضائع لا صاحب له فيكون لبيت المال كالذمي إذا مات.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست من الإجماع في شيء، بل الجمهور على خلافه، وعبارة ابن حزم أن هذا القول هو موجَب الإجماع، يحتمل أن يريد به أن هذا القول مما يوجِب القول به الإجماع (4).
ويحتمل مراده أن هذا القول له من الأدلة ما يوجِب أن يكون القول
(1) المبسوط (10/ 100 - 101).
(2)
البخاري (رقم: 6383)، مسلم (رقم: 1614).
(3)
وسيأتي تفصيل المسألة في المسألة السادسة عشرة تحت عنوان: "المرتد لا يرثه ورثته من الكفار".
(4)
وهذا الاحتمال هو الذي أخذ به سعدي أبو حبيب في موسوعته (2/ 473) في المسألة رقم (1615)، ولذا اعتمدته هنا في الرسالة.