الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أنه ليس ثمة مانع من القطع، والشبهة منتفية في هذه الصورة، والأصل القطع عند توفر الشروط، حتى يرد المانع.
• المخالفون للإجماع: ثمة رواية عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، يرى فيها أن من سرق من أمه من الرضاع فإنه لا يقطع (1).
• دليل المخالف: استند أبو يوسف لعدم القطع في السرقة من الأم من الرضاع بأن السرقة من الأم من الرضاع فيه شبهة دارئة للحد، والحدود تدرأ بالشبهات (2).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع متحقق في الأم من الرضاع، أما في غيرها فالمسألة محل إجماع؛ فإن أبا يوسف خص الخلاف في الأم من الرضاع دون غيرها، واللَّه تعالى أعلم.
[36/ 1] المسألة السادسة والثلاثون: تلقين المقر بالسرقة ليرجع عن الإقرار لا بأس به
.
• المراد بالمسألة: لو أقر شخص على نفسه بسرقة ما يوجب الحد، فإن للإمام أن يلقنه الرجوع، على سبيل التعريض، كأن يقول له: ما أظنك سرقت، أو لعلك أخذت من غير حرز، أو نحو ذلك.
ويتبيَّن مما سبق أن السرقة لو ثبتت عليه بطريق بينة الشهود، أو كان التلقين على سبيل التصريح، فكل ذلك ليس من مسائل الباب، وكذا لو كان التلقين من غير القاضي، فهي مسألة أخرى، ليست مرادة في الباب، واللَّه تعالى أعلم.
• من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "قال أحمد: "لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره"، وهذا قول عامة الفقهاء"(3).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "قال أحمد: "لا بأس بتلقين
(1) انظر: المبسوط (9/ 190).
(2)
انظر: المبسوط (9/ 190).
(3)
المغني (10/ 288).
السارق ليرجع عن اقراره"، وهذا قول عامة الفقهاء"(1).
قال النووي (676 هـ): "قد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الخلفاء الراشدين، ومن بعدهم (2)، واتفق العلماء عليه"(3).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب:
1 -
عن أبي أمية المخزومي (4) أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتي بلص اعترف اعترافًا ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(ما إخالك سرقت) قال: بلى، قال:(اذهبوا به فاقطعوه)، ثم جيئوا به، فقطعوه، ثم جاءوا به، فقال له:(قل أستغفر اللَّه وأتوب إليه) فقال: أستغفر اللَّه وأتوب إليه، قال:(اللهم تب عليه)(5).
(1) الشرح الكبير (10/ 289).
(2)
وسيأتي ذِكر ما ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في مستند الإجماع.
(3)
شرح النووي (11/ 195)، وانظر: نهاية المحتاج (7/ 463) حيث قال الرملي: "من أقر بعقوبة للَّه تعالى -أي بموجبها، كزنى، وسرقة، وشرب مسكر، ولو بعد دعوى، فالصحيح أن للقاضي أن يعرض له، أي يجوز له كما في الروضة، لكن في شرح مسلم إشارة إلى نقل الإجماع على ندبه، وحكاه عن الأصحاب والمعتمد الأول" بتصرف يسير.
(4)
هو أبو أمية المخزومي اختلف في صحبته، ليس له إلا هذا الحديث، وعده وبعضهم في المجاهيل منهم ابن أبي حاتم. انظر: التاريخ الكبير 9/ 3، الثقات لابن حبان 5/ 580، تهذيب التهذيب 12/ 15.
(5)
أخرجه أحمد (37/ 184)، وأبو داود (رقم: 4380)، والنسائي (رقم: 4877)، وابن ماجه (رقم: 2597)، من طريق أبي المنذر مولى أبي ذر عن أبى أمية المخزومي، قال الزيلعي في "نصب الراية" (4/ 76):"فيه ضعف؛ فإن أبا المنذر هذا مجهول؛ لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة"، وكذا قال الألباني في "إرواء الغليل"(8/ 79)، وقال ابن حجر في "تلخيص التحبير" (4/ 124):"رجَّح ابن خزيمة وابن المديني وغير واحد إرساله".
ويتحصل مما سبق أن الحديث فيه علتان: الجهالة والإرسال، ولذا قال ابن حزم في المحلى (12/ 51):"وأما حديث حماد بن سلمة ففيه أبو المنذر لا يدري من هو، وأبو أمية المخزومي ولا يدرى من هو، وهو أيضًا مرسل".
2 -
عن عبد اللَّه بن بريدة (1) عن أبيه (2) أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، واني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال:(أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا)، فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم، قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال:(إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال:(اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (3).
(1) هو أبو سهل، عبد اللَّه بن بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي، نسبة إلى مرو -أحد أقاليم خراسان-، ثقة حافظ محدث، كان توأمًا مع أخيه سليمان، أحد رجال الحديث، روى عن جملة من الصحابة، أصله من الكوفة، سكن البصرة، وولاه يزيد بن المهلب القضاء بمرو حتى مات بها سنة (125) هـ. انظر: التعديل والتجريح 2/ 812، الثقات لابن حبان 5/ 16، تاريخ دمشق 27/ 125.
(2)
هو بريدة بن الحصيب بن عبد اللَّه بن الحارث بن الأعرج بن سعد الأسلمي، المروزي، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة، وكان غزا خراسان في زمن عثمان، ثم تحول إلى مرو فسكنها إلى أن مات في خلافة يزيد بن معاوية سنة (63) هـ. انظر: الإصابة 1/ 146، مشاهير علماء الأمصار 61، التعديل والتجريح 1/ 435.
(3)
صحيح مسلم (رقم: 1695)، وأخرج البخاري إقرار ماعز، انظر: صحيح البخارى، كتاب: الحدود، باب: هل يقول الإمام للمقر: لعلك غمزت أو قبلت، (رقم: 2502).
3 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت) قال: لا يا رسول اللَّه، قال:(أنكتها) لا يَكْني، قال: فعند ذلك أمر برجمه (1).
4 -
أن التلقين مروي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كأبي بكر، وعمر، وعلي، وابنه الحسن، وأبي هريرة، وأبي مسعود، وأبي الدرداء، وعمرو بن العاص، وأبو واقد الليثي رضي الله عنهم (2)، وهو ثابت عنهم كما قال ابن حجر:"ثبت عن جماعة من الصحابة تلقين المقر بالحد"(3).
• المخالفون للإجماع: هذا القول وإن كان عليه عامة أهل العلم، إلا أن ثمة قولًا للشافعية أنه لا يجوز للقاضي التعريض للمقر بالسرقة ليرجع عن إقراره (4).
وثمة أقوال أخرى لا تنافي نقل الاتفاق، لكنها تخصص الجواز بحالات وتمنعه في غيرها، فمن ذلك:
القول بجواز التعريض إن كان المقر لا يعلم أن له الرجوع، وإلا فلا، وهو قول للشافعية أيضًا (5).
وكذلك القول بتخصيص إباحة التلقين لمن كان يجهل الحكم، وبه قال أبو ثور (6).
وكذلك القول باستثناء تلقين المشتهر بانتهاك الحرمات، وجواز تلقين
(1) صحيح البخاري، كتاب: الحدود، باب: هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت، (رقم: 6438).
(2)
أخرج هذه الآثار ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 544)، وعبد الرزاق في مصنفه (10/ 224).
(3)
فتح الباري (12/ 126)، وانظر: شرح النووي (11/ 195).
(4)
انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 463 - 464).
(5)
انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 463 - 464).
(6)
انظر: فتح الباري (12/ 126).