الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[87/ 4] المسألة السابعة والثمانون: تكفير القائلين بوحدة الأديان
.
• المراد بالمسألة: مما هو معلوم أن الدين السماوي (1) الذي أنزله اللَّه تعالى على أنبياءه كله حق يجب الإيمان به، سواء أنزل على موسى، أو عيسى، أو على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أو على غيره من الأنبياء، وشرائعهم كلها حق يجب الإيمان بها، فيؤمن كل قوم بشريعة من أنزل إليه، حتى بعث اللَّه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فصار دينه وشرعه ناسخًا لجميع تلك الشرائع، فلا يقبل غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن زعم أن الشرائع السماوية كلها سواء، فالإيمان بشريعة نبي من الأنبياء يكفي عن الإيمان بغيره، فقد كفر.
فإذا ادعى أحد إن اليهودي إذا آمن بدين موسى عليه السلام وشرعه، فهو على حق، ولا يلزمه الإيمان بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو أن النصراني إذا آمن بدين عيسى عليه السلام فهو على حق، ولا يلزمه الإيمان بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ اكتفاء بالشريعة السماوية التي معه، فكل ذلك كفر مخرج من الملة.
ومسألة الباب منهم من يسميها بـ "التقريب بين الأديان"، ويسميها آخرون بـ "التآخي بين الأديان"، وكلها مصطلحات لمعنى واحد، محصلها أن شرائع الأنبياء كلها من عند اللَّه تعالى، والإيمان بواحد منها يكفي عن غيرها، ويتحصل صاحبها على عصمة الدم والمال، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ليست ناسخة للشرائع السابقة.
(1) إنما عبَّرتُ بلفظ "الدين السماوي" دون لفظ. "الأديان السماوية"، لأن دين اللَّه عز وجل الذي أنزله دين واحد، محصله عبادته عز وجل وحده دون سواه، وإنما تنوعت الشرائع، وقد صرح بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد).
ولذا نبه جمع من أهل العلم كالشيخ محمود شاكر، والشيخ بكر أبو زيد -رحمهما اللَّه- على خطأ ما شاع بين الناس من التعبير بلفظ:"الأديان السماوية"، وأن الصواب قول:"الدين السماوي". انظر: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان للشيخ بكر أبو زيد (45).
ويتبين مما سبق أن مسألة اعتقاد أن الأنبياء جميعا دينهم واحد، ليست مرادة في مسألة الباب، فإن هذا معلوم في الشرع، ومستقر في نصوص الكتاب والسنة أن جميع الرسل بعثوا بدين واحد محصله عبادة اللَّه تعالى وحده لا شريك له، وقد أجمع أهل العلم على ذلك، بل أجمعوا على كفر من أنكره، كما بُين في أول مسائل هذا الفصل.
• من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين، وباتفاق جميع المسلمين، أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر"(1). وقال أيضًا: "وقول القائل: المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن: إما كون الشريعة النصرانية أو اليهودية المبدلين المنسوخين موصلة إلى اللَّه، وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين اللَّه أو التدين بذلك، أو غير ذلك مما هو كفر باللَّه ورسوله وبالقرآن وبالإسلام بلا خلاف بين الأمة"(2).
• مستند الإجماع: مما يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
قال اللَّه تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} (3).
• وجه الدلالة: بين اللَّه تعالى أن ثمة صراط مستقيم، ثم بين أن دين اليهود والنصارى خارج عن هذا الصراط، فهم إما مغضوب عليهم، أو ضالين.
2 -
• وجه الدلالة: الآية صريحة بكفر النصارى القائلين بأن اللَّه ثالث ثلاثة،
(1) الفتاوى الكبرى (3/ 534).
(2)
مجموع الفتاوى (25/ 323).
(3)
سورة الفاتحة (6 - 7).
(4)
سورة المائدة، آية (73).
والقول بوحدة الأديان أن فيه كف ألسنة المسلمين عن تكفير اليهود والنصارى، وهذا مخالف للنصوص الصريحة بتكفيرهم.
3 -
أن في هذا القول إبطال للجهاد، أو إبطال للجزية التي فرضها اللَّه تعالى على أهل الكتاب، وقد قال تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} (1).
4 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار)(2).
5 -
أن اليهود والنصارى قد ارتكبوا ما استقرت عليه نصوص الشريعة، وأجمع أهل العلم على أنه كفر، كقول اليهود بأن عزيرًا ابن اللَّه، وقول النصارى المسيح ابن اللَّه، وكتكذيب كلا الطائفتين بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتكذيبهم بالقرآن الكريم، إلى غير ذلك مما هو كفر صريح.
6 -
أن نصوص الشريعة صريحة في أن الإسلام ناسخ لجميع الشرائع السابقة، بل أجمع أهل العلم على كفر من أنكر ذلك، كما سبق بيانه (3).
والأدلة في هذه المسألة يطول استقصاؤها (4).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
(1) سورة التوبة، آية (29).
(2)
مسلم (رقم: 521).
(3)
انظر: المسألة الحادية والخمسون تحت عنوان: "الإسلام ناسخ لجميع الشرائع ولا ينسخه دين بعده ومن خالف ذلك كفر".
(4)
انظر: كتاب "الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان" للشيخ بكر أبو زيد، حيث ذكر الأدلة إجمالًا وتفصيلًا، وتوسع في الاستدلال بما يشفي صدور قوم مؤمنين، واللَّه أعلم.