الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما القول الرابع فيمكن أن يستدل له بأن الزنديق إن كان داعيًا لضلالته فإن شره أعظم من الذي لا يدعو للضلالة، فيقتل بدون استتابة، واللَّه أعلم.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف مشهور بين أهل العلم، وأكثر أهل العلم على خلاف مسألة الباب.
[46/ 4] المسألة السادسة والأربعون: دم من يشك في زندقته معصوم ما لم تثبت رندقته ببينة أو إقرار
.
• المراد بالمسألة: لو وجد شخص زنديق يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وشك الإمام في كونه زنديقًا، فإنه لا يجوز له ولا لغيره قتله، حتى يتحقق من أنه زنديق، إما ببينة شهود يشهدون على أنه زنديق، أو بإقرار الزنديق على نفسه بذلك.
وكذا لو وُجد مسلم تلفظ بكلمة تقتضي الكُفر، وشك الإمام هل قالها جهلًا، أو تأويلًا، أو نحو ذلك فإنه لا يجوز قتله إلا بعد التيقُّن بأن قوله يقتضي كفره، ويحل دمه.
• من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) في كلامه على من تلفظ بكلام كفري، ولم يُتيفن هل قاله حقيقة أم لا، وهل كان جاهلًا في تلك المقالة أم لا:"الحكم بعصمة دمه وماله واجب في مذهب الشافعي والجمهور، وإن لم يُقر، بل هو واجب بالإجماع مع عدم البينة والإقرار"(1).
• مستند الإجماع: يمكن أن يستدل لمسألة الباب بما يلي:
1 -
ما جاء في قصة قسم النبي صلى الله عليه وسلم للذهب الذي أتى به علي رضي الله عنه من اليمن: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا محمد اتق اللَّه.
قال صلى الله عليه وسلم: (ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه)، ثم ولَّى الرجل،
(1) انظر: الفتاوى الكبرى (3/ 519).
فقام خالد بن الوليد رضي الله عنه، -وفي بعض الرويات: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول اللَّه.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعله أن يكون يصلي) قال: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه، قال عليه الصلاة والسلام:(إني لم أُومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم).
ثم نظر إليه وهو مقفٍّ فقال: (إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد)(1).
• وجه الدلالة: في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن قتل ذي الخويصرة؛ لأنه لا يوجد منه ما يدل على كفره صراحةً، بل ظاهره الإسلام، أما أمر الباطن فما دام غير مجزوم بكفره فالأصل أنه مسلم.
2 -
أن الأصل في المسلم عصمة دمه، وهذا اليقين لا يزول إلا بيقين مثله، والقاعدة المقررة عند أهل الفقه والأصول أن اليقين لا يزول بالشك.
وكذا فإن الأصل في المسلم السلامة، أي سلامته مما نقله عن الإسلام من الزندقة أو الردة أو غيرها، فالأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل هنا أنه مسلم حتى يثبت نقيض ذلك.
3 -
الاستصحاب، وهو أنَّنا إذا لم نعرف باطن الشخص فإننا نستصحب حاله قبل الشك، وهو الإسلام.
وإذا كان الأصل الإسلام فإن خلاف ذلك دعوى، والدعاوى لا تثبت إلا ببينة، ولا تثبت بمجرد الدعوى كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم
(1) البخاري، (رقم: 6995)، مسلم، (رقم 1064).