الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمهور، وهو الأولى، ويعضده أن من حكى عنه موافقة الجمهور أكثر كما هو ظاهر كلام العراقي السابق.
[18/ 1] المسألة الثامنة عشرة: يقطع المسلم بسرقة مال المسلم والذمي، ويقطع الذمي بسرقة مالهما
.
• المراد بالمسألة: لو أن مسلمًا سرق مالًا محترمًا شرعًا من مسلم أو ذمي، وثبتت عليه السرقة بما يوجب القطع، فيجب إقامة الحد عليه، وكذا لو سرق الذمي من مسلمٍ، أو من ذمي مالًا محترمًا شرعًا، بما يوجب الحد، وجب القطع، إذا ترافع الذميون إلى شرعنا.
ويتبين من هذا أن المسلم أو الذمي لو سرق أحدهما من كافر غير ذمي، كالحربي، فهي غير مسألة الباب، ولو كان ذلك الحربي مستأمنًا، وكذا لو سرق المسلم أو الذمي مالًا غير محترم شرعًا، كما لو سرق صليبًا، أو خمرًا، أو خنزيرًا، أو نحوه، مما هو محترم عند الذمي، لكنه غير محترم شرعًا، فهذه مسألة خلاف وليست هي مسألة الباب، وكذا لو سرق ذمي من ذمي ولم يتحاكموا إلى شرعنا، فهذه غير مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: هذه المسألة على أربع صور:
الأولى: سرقة المسلم من مال المسلم.
الثانية: سرقة المسلم من مال الذمي.
الثالثة: سرقة الذمي من مال المسلم.
الرابعة: سرقة الذمي من مال الذمي.
• أما الصورة الأولى: وهي سرقة المسلم من مال المسلم، فأجمع أهل العلم على أن المسلم إذا سرق من مسلم، وثبتت السرقة بما يوجب الحد، فإن المسلم يقطع به:
قال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم فيه مخالفًا"(1)، وقال الخطيب الشربيني (977 هـ):"أما قطع المسلم بمال المسلم فبإجماع"(2)، وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ):"يقطع مسلم وذمي -ولو سكران- بمال مسلم وذمي، إجماعًا في مسلم بمسلم"(3).
• مستند الإجماع لهذه الصورة: مما يدل على قطع المسلم بما سرقه من مال المسلم:
1 -
عموم قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (4).
2 -
حديث عائشة رضي الله عنها في شأ المرأة المخزومية التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها وقال:(أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)(5).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد المخزومية، وهي مسلمة وسرقت من مسلم.
3 -
من النظر: أن مال المسلم محترم، فوجب القطع بأخذ ماله حفظًا لحرمته.
• أما الصورة الثانية: وهي سرقة المسلم من مال الذمي: حكى ابن حزم (456 هـ) عن الحنفية القول بأنه لا خلاف في قطع المسلم بسرقة مال الذمي، ولم يتعقبه (6) ونقل فيها ابن عبد البر (463 هـ) الإجماع عن الحنفية حيث قال:
(1) المغني (9/ 111).
(2)
مغني المحتاج (5/ 490)، وانظر: الإقناع في حل ألفاظ متن أبي شجاع (2/ 537).
(3)
المحتاج في شرح المنهاج (9/ 150).
(4)
سورة المائدة، آية (38).
(5)
صحيح البخاري (رقم: 3288)، وصحيح مسلم (رقم: 1688).
(6)
المحلى (10/ 226).
"وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى (1) وعثمان البتي (2):
"يُقتل المسلم بالذمي. . . واحتجوا بالإجماع على أن المسلم تقطع يده إذا سرق من مال ذمي، فنفسه أحرى أن تؤخذ بنفسه"(3) وقال فيه ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم فيه مخالفًا"(4) ونقله عنه ابن قاسم (5).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "أما قطع المسلم بالسرقة من مال الذمي فلا نعلم فيه خلافًا"(6) وكذا نقل العيني (855 هـ) عن بعض الحنفية الإجماع فقال: "قال بعض الحنفية: وقع الإجماع على أن المسلم تقطع يده إذا سرق من مال الذمي"(7).
وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "يقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي بغير خلاف نعلمه"(8).
• مستند الإجماع لهذه الصورة: ليس في هذه الصورة نص صريح من الكتاب أو السنة لكن يعلل له بأن الذمي ملتزم للأحكام كالمسلم، فمالُه محترم كمال المسلم.
• المخالف في هذه الصورة: الخلاف في هذه الصورة محكي عن جماعة من
(1) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بن بلال الأنصاري، الكوفي، فقيه، مقرئ، قاض، من أصحاب الرأي، ولي القضاء والحكم بالكوفة لبني أمية، ثم لبني العباس، وله أخبار مع الإمام أبي حنيفة، ولد سنة (74 هـ)، ومات بالكوفة سنة (184 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 4/ 264، تذكرة الحفاظ 1/ 171، شذرات الذهب 1/ 224.
(2)
هو أبو عمرو، عثمان البتي، فقيه، بصري، أصله من الكوفة، حدث عن أنس بن مالك، وثَّقه أحمد، والدارقطني، وابن سعد، وابن معين، وجماعة، توفي في حدود المائة والأربعين. انظر: سير أعلام النبلاء 6/ 149، تهذيب التهذيب 7/ 139.
(3)
الاستذكار (8/ 122).
(4)
المغني (9/ 111).
(5)
حاشية الروض المربع (7/ 353).
(6)
الشرح الكبير (10/ 280)، باختصار يسير.
(7)
عمدة القاري (2/ 162).
(8)
المبدع في شرح المقنع (9/ 120).
أهل العلم، وممن حكى الخلاف الخطيب الشربيني حيث قال:"وأما قطعه -أي المسلم- بمال الذمي فعلى المشهور؛ لأنه معصوم بذمته، وقيل: لا يقطع كما لا يقتل به"(1).
• دليل المخالف: استدل القائلون بعدم قطع المسلم بما سرقه من مال الذمي بالقياس على القتل، فكما أن المسلم لا يقتل بالذمي، فكذا السرقة.
• أما الصورة الثالثة: وهي سرقة الذمي من مال المسلم:
فقال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم فيه مخالفًا"(2) ونقله ابن قاسم (3) قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "قطع الذمي بالسرقة من مال مسلم فلا نعلم فيه خلافًا"(4).
• مستند الإجماع لهذه الصورة: علل الفقهاء لهذا الوجه أنه لما وجب قطع المسلم من مال المسلم، كان قطع الذمي من مال المسلم واجبًا من باب أولى، لأن الذمي ملتزم بالأحكام الإسلامية، فله حكم المسلم في إقامة الحدود (5).
• المخالف في هذه الصورة: قال الشيرازي (6): "لا يقطعان -أي الذمي والمستأمن- بسرقة مال مسلم"، نقله عنه المرداوي (7)، وابن مفلح المقدسي (8).
(1) مغني المحتاج (5/ 490).
(2)
المغني (9/ 111).
(3)
حاشية الروض المربع (7/ 353).
(4)
الشرح الكبير (10/ 280).
(5)
الشرح الكبير (10/ 280).
(6)
هو أبو الفرج، عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي، ثم المقدسي، ثم الدمشقي، الانصاري، السعدي، العبادي، الخزرجي، الحنبلي، شيخ الشام في وقته، أصله من شيراز، تفقه ببغداد، وسكن بيت المقدس واستقر في دمشق، فنشر مذهب الإمام ابن حنبل، من تصانيفه:"المنتخب"، و"المبهج"، و"الإيضاح"، و"التبصرة"، توفي بدمشق سنة (486 هـ). انظر: سير النبلاء 12/ 12، شذرات الذهب 3/ 378، معجم المؤلفين 6/ 212.
(7)
الإنصاف (10/ 281).
(8)
المبدع شرح المقنع (9/ 139).