الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكن ينبه إلى أن كفر المقالة لا يلزم منها تكفير القائل، كما قرره جماعة من أهل العلم، فإن مذهب المعتزلة مما هو مقرر في مذهبهم نفي صفة القدرة عن اللَّه تعالى فيقولون عنه سبحانه: قادر بلا قدرة، لكن مع ذلك فإن جمهور أهل السنة لم يكفروا أعيان المعتزلة بهذه المقالة، وإن كانت المقالة في ذاتها قد تكون كفرًا، ولذا قال النووي:"مذهب الشافعي جماهير أصحابه العلماء أن الخوارج لا يكفرون، وكذلك القدرية، وجماهير المعتزلة، وسائر أهل الأهواء"(1).
[59/ 4] المسألة التاسعة والخمسون: من استحل وطء المحارم كفر
.
• المراد بالمسألة: من المستقر في نصوص الكتاب والسنة أن الإنسان محرم عليه أن ينكح محارمه إما بسبب نسب أو رضاع أو صهر، فمن استحل وطء من تحرم عليه كأمه من النسب أو الرضاع، أو أخته، أو ابنته، أو غيرهم ممن نص القرآن على تحريمهم، وأجمع عليه أهل العلم، سواء استحل ذلك بزنى، أو بنكاح، أو بملك يمين فقد كفر، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع.
وينبه إلى أن هذا فيمن ثبت فيه النسب شرعًا، أما لم يثبت فيه النسب شرعًا كبنت الزاني، فغير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: ذكر ابن حزم (456 هـ) أن من استحل نكاح عمته أو خالته أو ذوات محارمه فإنه يكفر بلا خلاف (2). قال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل، أو شرب الخمر، أو الزنا، مما حرم اللَّه بعد علمه بتحريمه"(3). وقال ابن تيمية (728 هـ): "من فعل المحارم مستحلًا لها فهو كافر بالاتفاق"(4).
(1) شرح النووي (7/ 160).
(2)
المحلى (12/ 204).
(3)
الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 287).
(4)
الصارم المسلول (1/ 519) وانظر: مجموع الفتاوى (12/ 496).
وقال القاري (1014 هـ): "إنكار وجوب المجمع عليه إذا كان معلومًا من الدين بالضرورة كفر اتفاقًا"(1). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "من جحد الزنا، أو جحد شيئًا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها -أي على تحريمها-، أو جحد حل خبز، ونحوه، مما لا خلاف فيه، أو جحد وجوب عبادة من الخمس، أو حكمًا ظاهرًا مجمعًا عليه إجماعًا قطعيًا، بجهل، عُرِّف ذلك، وإن أصر أو كان مثله لا يجهل كفر، ولا نزاع في كفره"(2).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب:
1 -
• وجه الدلالة: الآية صريحة في تحريم نكاح المحارم، قال ابن كثير في تفسير الآية:"أجمع المسلمون على أن معنى قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ. . .} إلى آخر الآية، أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء"(4).
2 -
إجماع أهل العلم على تحريم نكاح المحارم كما نقله ابن قدامة وغيره (5).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
(1) انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 247).
(2)
حاشية الروض المربع (7/ 403)، باختصار يسير.
(3)
سورة النساء، آية (23).
(4)
تفسير ابن كثير (2/ 256).
(5)
انظر: المغني (7/ 84)، تفسير ابن كثير (2/ 256).