الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهيتمي (1). وقال النووي (676 هـ): "إجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر إلا على فاسق"(2). وقال الشوكاني (1250 هـ): "إجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر إلا على فاسق"(3).
• مستند الإجماع: أن السحر المذكور محرم، بل هو من الكبائر كما نقل النووي الإجماع عليه، وقد يكون وسيلة إلى الكفر باللَّه تعالى، ومن ظهر منه ما هذا حكمه فلا ريب في فسقه.
• المخالفون للإجماع: لم أجد من نص على خلاف في مسألة الباب، لكن سبق في المسألة السابقة أن ثمة من يرى جواز تعلم السحر لقضايا معينة، ومن لازم قولهم أن من تعلم السحر لهذه الأغراض فإنه تعلم أمرًا مباحًا، ولا يكون بذلك فاسقًا.
لكن من المُقرر أن لازم القول لا يكون قولًا لصاحبه، وإنما يدل على قوة القول وضعفه، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية (4).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[27/ 4] المسألة السابعة والعشرون: السحر ثابت وله حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء
.
• المراد بالمسألة: المراد بمسألة الباب أن السحر له حقيقة ووجود، يؤثر به الساحر على المسحور.
أما مسألة كون الساحر يستطيع قلب الأعيان حقيقة، فهذه مسألة أخرى ليست مرادة في الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "أجمعوا على أن السحر له
(1) تحفة المحتاج (9/ 62).
(2)
شرح النووي (14/ 176).
(3)
نيل الأوطار (7/ 212).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (20/ 217).
حقيقة، إلا أبا حنيفة: فإنه قال لا حقيقة له" (1). وقال الشوكاني (1250 هـ): "وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيرًا في نفسه، وحقيقة ثابتة، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة، وأبو حنيفة" (2).
• مستند الإجماع: يدل على أن السحر له حقيقة ما يلي:
1 -
قول اللَّه تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (3).
والمراد بالنفاثات في العقد: السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن، وينفثن عليه، كما فسره بذلك مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والضحاك (4).
• ووجه الدلالة من الآية: أن اللَّه تعالى أمر بالاستعاذة من السحر، ولولا أن له حقيقة، لما أمر اللَّه تعالى بالاستعاذة منه (5).
2 -
• وجه الدلالة من الآية: أخبر تعالى أن السحر مما يُتعلم، ويُفرَّق به بين الرجل وزوجه، وهذا لا يكون فيما لا حقيقة له (7).
(1) الإفصاح (2/ 185).
(2)
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (1/ 242).
(3)
سورة الفلق.
(4)
انظر: تفسير ابن كثير (8/ 536).
(5)
انظر: المغني (9/ 34).
(6)
سورة البقرة، آية (102).
(7)
انظر: نيل الأوطار (7/ 211).
3 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سُحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، فقال: (يا عائشة أعلمت أن اللَّه قد أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه، قال: لبيد بن أعصم -رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقًا-، قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاقة، قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر، تحت راعوفة (1)، في بئر ذروان، قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه"(2).
• وجه الدلالة: الحديث صريح في أن السحر حصل بأشياء أُخذت ودُفنت، ثم أُخرجت وأُتلفت، مما يدل على أن له حقيقة ووجود.
4 -
من النظر: واقع الحال، فقد اشتهر بين الناس وجود عقد الرجل عن امرأته، فلا يقدر على إتيانها، وبعد حل عقده يتمكن من إتيانها، وفي ذلك من الأخبار والوقائع المشاهدة ما هو مشهورٌ لا يمكن جحده (3).
• المخالفون للإجماع: نقل بعض أهل العلم عن أبي حنيفة القول بأن السحر مجرد تخييل، وأنه لا حقيقة له، ولا تأثير على الأبدان (4). لكن ثمة تنبيهان:
الأول: ما نُقِل عن أبي حنفية من القول بأن السحر تخييل لا حقيقة له محل نظر، والأقرب عدم صحة ذلك عنه، ويؤيده أن أصحابه لم ينقلوا عنه ذلك، بل المنقول في كتب الحنفية هو القول بأن السحر له حقيقة، ومن ذلك:
قال ابن الهمام: "قال أصحابنا: للسحر حقيقة وتأثير في إيلام الأجسام،
(1) الراعوفة قيل: هي صخرة تترك في أسفل البئر يجلس عليها من أراد أن يُنقي البئر.
وقيل: هي حجر يكون على رأس البئر يقوم عليه المستقي. انظر: تهذيب اللغة (2/ 210)، غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 400)، فتح الباري (10/ 234).
(2)
صحيح البخاري (رقم: 5432)، وصحيح مسلم (رقم: 2189).
(3)
انظر: المغني (9/ 34).
(4)
انظر: الإفصاح (2/ 185).
خلافًا لمن منع ذلك وقال: إنما هو تخييل" (1).
وقال ابن عابدين: "في شرح الزعفراني: السحر حق عندنا، وجوده، وتصوره، وأثره"(2).
وكذا نقله غيرهم من أهل العلم، فقال ابن بطال:"قال ابن القصار: ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى أن السحر له حقيقة، وقد يمرض من يفعل ويموت ويتغير عن طبعه"(3).
الثاني: ذكر بعض أهل العلم كابن جرير (4)، وابن حزم (5)، والبغوي (6) أن الصواب في مسألة السحر أنه تخييل، لكنهم لا يريدون بذلك أن السحر لا حقيقة له ولا تأثير، وإنما أرادوا مسألة أخرى وهي قلب الأعيان، كأن يقلب الساحر الإنسان حمارًا، والصندوق دراهمًا، وما إلى ذلك، فهذا تخييل لا حقيقة له، أما نفس السحر فلم يريدوا أنه تخييل لا حقيقة له، بل نصوا على وجوده حقيقة، كما قال البغوي:"والسحر وجوده حقيقة عند أهل السنة، وعليه أكثر الأمم"(7).
ويمكن أن يحمل كلام أبي حنيفة إن صح النقل عنه بأن السحر لا حقيقة له، أنه أراد هذا المعنى من قلب الأعيان، وأنه في ذلك تخييل، لا أن السحر لا حقيقة له في ذاته، ولا تأثير، واللَّه أعلم.
• دليل المخالف: استدل المخالف بقول اللَّه تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)} (8).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، وإن كان المارزي لما ذكر المسألة نسبها
(1) فتح القدير (6/ 99).
(2)
رد المحتار على الدر المختار (1/ 44).
(3)
شرح ابن بطال (9/ 441 - 442).
(4)
انظر: تفسير ابن جرير (2/ 436 - 439).
(5)
انظر: المحلى (1/ 58).
(6)
انظر: معالم التنزيل (1/ 128).
(7)
معالم التنزيل (1/ 128).
(8)
سورة طه، آية (66).