الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه. . .) الحديث (1).
ب- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه)(2).
ج - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه)(3).
• وجه الدلالة: هذه الأحاديث وما شابهها تدل على عصمة الدم والمال بالإِسلام، وليس فيها ما يدل على اشتراط حكم الحاكم بصحة إسلامه.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[23/ 4] المسألة الثالثة والعشرون: لعن غير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يوجب القتل
.
• المراد بالمسألة: لو أن شخصًا سب أحدًا من أمة محمد صلى صلى الله عليه وسلم غير النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل ردَّة.
(1) البخاري (رقم: 1335)، مسلم (رقم: 20).
(2)
صحيح البخاري، كتاب: الصلاة، باب: فضل استقبال القبلة، (رقم: 385).
(3)
صحيح البخاري (رقم: 25).
ويتحصل مما سبق أن سب سائر الأنبياء غير النبي صلى الله عليه وسلم غير داخل في مسألة الباب، كما أنه لو قُتل من باب التعزيز، فغير مراد أيضًا (1).
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "لا أعلم أحدًا يوجب قتل من سب بعد النبي صلى الله عليه وسلم"(2)، نقله عنه ابن القطان (3)، وابن تيمية (4).
وقال ابن تيمية (728 هـ): "اتفق الأئمة على أن من سب نبيًا قُتل، ومن سب غير النبي لا يقتل بكل سب سبه"(5).
• مستند الإجماع: استدل من قال بأنه لا يقتل أحد سب غير النبي صلى الله عليه وسلم بأدلة منها:
1 -
قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} (6).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى ميز بين مؤذي اللَّه ورسوله ومؤذي المؤمنين، فجعل الأول ملعونًا في الدنيا والآخرة، وقال في الثاني:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} (7)، ومطلق البهتان والإثم ليس بموجب للقتل، وإنما هو موجب للعقوبة في الجملة، فيكون عليه عقوبة مطلقة ولا يلزم من العقوبة جواز القتل (8).
(1) وهذا السب هو في الجملة وثمة صور هي من جملة السب لكنها غير مرادة في مسألة الباب، كقذف عائشة رضي الله عنها، فإنه قد نقل الإجماع على كفر من قذفها، كما سيأتي بيانه في مسألة مستقلة برقم (68).
(2)
الإشراف (3/ 161).
(3)
انظر: الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 270).
(4)
انظر: الصارم المسلول (1/ 570).
(5)
مجموع الفتاوى (35/ 128)، وانظر:(35/ 198)، الفتاوى الكبرى (3/ 487).
(6)
سورة الأحزاب، آية (57).
(7)
سورة الأحزاب، آية (58).
(8)
انظر: الصارم المسلول (1/ 580).
2 -
عن أبي برزة رضي الله عنه (1) قال: "أتيت على أبي بكر وقد أغلظ الرجل، فرد عليه، فقلت: ألا أضرب عنقه؟ فانتهرني، فقال: إنها ليست لأحد بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم"(2).
• وجه الدلالة: أن أبا بكر أخبر أنه لا يجوز قتل الرجل الذي رد عليه، وأخبر أن هذا لا يكون إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وإذا لم يجز قتل سابِّ أبي بكر رضي الله عنه وهو خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، فعدم القتل بسب غيره من باب أولى.
• المخالفون للإجماع: وقع الخلاف في سب الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، إما أشخاصًا بعينهم، أو الصحابة عمومًا إلى أقوال ثلاثة حاصلها:
القول الأول: ذهب طائفة إلى أنهم لا يكفرون وفقًا على مسألة الباب (3).
القول الثاني: ذهب طائفة إلى كفر من سب الشيخين أو أحدهما فيقتلون ردة.
(1) هو أبو برزة الأسلمي، واختلف في اسمه فقيل: نضلة بن عبيد بن الحارث، وهو الذي صححه ابن عبد البر، وقيل: نضلة بن عبد اللَّه بن الحارث، وقيل: عبد اللَّه بن نضلة، وقيل: سلمة بن عبيد، مشهور بكنيته، صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، نزل البصرة، وغزا خراسان، فمات بمرو. انظر: سير أعلام النبلاء 3/ 40، الإصابة 6/ 433، تهذيب التهذيب 10/ 399.
(2)
أخرجه أحمد (1/ 222)، والنسائي، (رقم: 4071)، قال الحاكم في "المستدرك" (4/ 394):"صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح وضعيف النسائي (3/ 38).
(3)
والمراد أنه لا يجب قتله بسبه لأحد من الصحابة، أما عقوبته بالتعزير فغير مراد، كما قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (35/ 58):"من لعن أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ونحوهما، ومن هو أفضل من هؤلاء؛ كأبي موسى الأشعري وأبي هريرة ونحوهما، أو من هو أفضل من هؤلاء؛ كطلحة، والزبير، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، أو أبي بكر الصديق، وعمار، أو عائشة أم المؤمنين، وغير هؤلاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه مستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين، وتنازع العلماء: هل يعاقب بالقتل؟ أو ما دون القتل".
وهذا قول عند الحنفية (1)، ووجه عند الشافعية (2).
ونسب شيخ الإسلام ابن تيمية القول بقتل من سب الصحابة إلى طائفة من فقهاء أهل الكوفة، كمحمد بن يوسف الفريابي (3)، وأحمد بن يونس (4)، وأبو بكر الأثرم (5)، وعبد اللَّه بن إدريس (6).
(1) انظر: درر الحكام في شرح غرر الأحكام (1/ 301)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (5/ 136).
(2)
انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 89)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 146).
(3)
هو أبو عبد اللَّه، محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الفريابي، الضبي، مولاهم، إمام، حافظ، أخرج له البخاري، نزيل قيسارية الساحل من أرض فلسطين، كبان من أوثق الناس في الرواية عن ابن معين، قال البخاري:"كان من أفضل أهل زمانه"، ولد سنة (120 هـ)، ومات سنة (212 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 10/ 114، تهذيب التهذيب 9/ 535، رجال صحيح البخاري (2/ 685).
(4)
هو أبو عبد اللَّه، أحمد بن عبد اللَّه بن يونس التميمي اليربوعي، الكوفي، ينسب إلى جده تخفيفًا، حدث عنه: البخاري، ومسلم -وهو من كبراء شيوخه-، وعبد بن حميد، وأبو زرعة الرازي، وجماعة، قال الفضل بن زياد:"سمعت أحمد بن حنبل، وسأله رجل: عمن أكتب؟ قال: ارحل إلى أحمد بن يونس، فإنه شيخ الإسلام"، وقال أبو حاتم:"كان ثقة متقنًا"، ولد سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ) تقريبًا، ومات سنة (227 هـ). سير أعلام النبلاء 10/ 457، الجرح والتعديل 2/ 57، التاريخ الكبير 2/ 5.
(5)
هو أبو بكر، أحمد بن محمد بن هاني الطائي، الأثرم، البغدادي، الإسكافي، الفقيه، الحافظ، روى عن أحمد بن حنبل وتفقه عليه، وسأله وعن المسائل والعلل، قال إبراهيم بن أورمة:"الأثرم أحفظ من أبي زرعة وأتقن"، وقال الذهبي:"كان من أذكياء الأئمة"، من كتبه:"علل الحديث"، و"السنن"، و"تاريخ الحديث ومنسوخه"، قيل: مات سنة (261 هـ) تقريبًا، وهو تخمين، وقيل: مات سنة (283 هـ). انظر: الثقات لابن حبان 8/ 36، العبر في خبر من غير 2/ 28، تهذيب التهذيب 1/ 78 - 79.
(6)
هو أبو محمد، عبد اللَّه بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن، الأودي، الزعافري، الكوفي، الحافظ، المقرئ، القدوة، روى له أصحاب الكتب الستة، قال ابن حبان:"كان يصر السنة، ويذب على ورع شديد، وإتقان، وضبط"، ولد سنة (115 هـ)، ومات سنة (192)، وقيل:(193 هـ). انظر: التاريخ الكبير 5/ 47، مشاهير علماء الأمصار 173، سير أعلام النبلاء 9/ 42.
كما نسب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى بعض الحنابلة القول بكفر من سب جميع الصحابة (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولقد بالغ السلف في الاحتياط بجنابه صلى الله عليه وسلم، حتى أفتى بعضهم بأن من سب فاطمة وعائشة أن يقتل، وقال: على هذا مضت سيرة أهل العلم.
وأفتى بعض الشافعية: أن من سب أبا بكر أو عمر أو عثمان أو عليًا رضى اللَّه عنهم فهو كافر" (2).
ونسب النووي لبعض المالكية القول بقتل من سب أحدًا من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم (3).
والقول الثالث: التوقف (4).
والقولان الأخيران هما روايتان للإمام أحمد كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "فأما من سب أحدًا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، من أهل بيته وغيرهم، فقد أطلق الإمام أحمد أنه يضرب نكالًا وتوقف عن قتله وكفره.
قال أبو طالب: سألت أحمد عمن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القتل أجبن عنه، ولكن أضربه ضربًا نكالًا".
وقال عبد اللَّه: سألت أبي عمن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أرى أن يضرب"، قلت له: حد؟ ، فلم يقف على الحد إلا أنه قال:"يضرب"، وقال:"ما أراه على الإسلام ". . . قال أحمد في رواية أبي طالب في الرجل يشتم عثمان: "هذا زندقة".
وقال في رواية المروزي: "من شتم أبا بكر وعمر وعائشة: ما أراه على الإسلام".
(1) انظر: الصارم المسلول (1/ 570).
(2)
الصارم المسلول (2/ 694).
(3)
انظر: شرح النووي (16/ 93).
(4)
انظر: الصارم المسلول (1/ 570).
قال القاضي أبو يعلى: فقد أطلق القول فيه أنه يكفر بسبه لأحد من الصحابة، وتوقف في رواية عبد اللَّه، وأبي طالب عن قتله، وكمال الحد، وإيجاب التعزير يقتضي أنه لم يحكم بكفره.
قال: فيحتمل أن يحمل قوله: "ما أراه على الإسلام" إذا استحل سبهم بأنه يكفر بلا خلاف، ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحل ذلك بل فعله مع اعتقاده لتحريمه كمن يأتي المعاصي.
قال: ويحتمل قوله: "ما أراه على الإسلام" على سب يطعن في عالتهم، نحو قوله: ظلموا، وفسقوا، بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوا الأمر بغير حق.
ويحمل قوله في إسقاط القتل على يسب لا يطعن في دينهم، نحو قوله: كان فيهم قلة علم، وقلة معرفة بالسياسة والشجاعة، وكان فيهم شح، ومحبة للدنيا، ونحو ذلك.
قال: ويحتمل أن يحمل كلامه على ظاهره فتكون في سابهم روايتان: إحداهما: يكفر، والثانية: يفسق، وعلى هذا استقر قول القاضي وغيره، حكوا في تكفيرهم روايتان" (1).
• دليل المخالف: استدل القائلون بقتل سب الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم بأدلة منها:
(1) انظر: الصارم المسلول (1/ 570).
(2)
سورة الفتح، آية (29).
(3)
قال القرطبي في تفسيره (16/ 295): " {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29] اللام متعلقة بمحذوف، أي فعل اللَّه هذا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغيظ بهم الكفار".
ابن كثير: "من هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه: بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية"(1).
وقال ابن تيمية: "قوله تعالى: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} (2): تعليق للحكم بوصف مشتق مناسب؛ لأن الكفر مناسب لأن يغاظ صاحبه، فإذا كان هو الموجب لأن يغيظ اللَّه صاحبه بأصحاب محمد فمن غاظه اللَّه بأصحاب محمد فقد وُجد في حقه ذلك، وهو الكفر"(3).
2 -
أن اللَّه تعالى أثنى على الصحابة رضوان اللَّه عليهم في غير ما آية من كتابه فقال سبحانه: {لَقَدْ رضي اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} (4)، وقال تعالى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)} (5).
وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (6)، فمن سب الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم فقد كذب خبر اللَّه تعالى في القرآن.
3 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على أصحابه في أحاديث كثيرة منها:
أ- عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه قال: سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟
(1) تفسير ابن كثير (7/ 362).
(2)
سورة الفتح، آية (29).
(3)
الصارم المسلول (1/ 581).
(4)
سورة الفتح، آية (18).
(5)
سورة الأحزاب، آية (23).
(6)
سورة الحشر، آية (8 - 9).
قال: (قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)(1).
ب- عن أبي سعيد الخدري -رضى اللَّه عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)(2).
ج- عن البراء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه اللَّه ومن أبغضهم أبغضه اللَّه)(3).
د- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبغض الأنصار رجل يومن باللَّه واليوم الآخر)(4).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، فمن سبهم فقد زاد على بغضهم، ويكون كما قال صلى الله عليه وسلم منافقًا لا يؤمن باللَّه ولا باليوم الآخر.
4 -
كما استدلوا بأن هذا هو المأثور عن جملة من الصحابة رضوان اللَّه عليهم، كعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنهم (5)(6).
وقد أخرج اللالكائي: "أن عليًا رضي الله عنه لمّا بلغه أن ابن السود (7) ينتقص أبا بكر وعمر فدعا به، ودعا بالسيف، وهمَّ بقتله، فكُلم فيه فقال: "لا يساكني
(1) صحيح البخاري (رقم: 2509)، وصحيح مسلم (رقم: 2533).
(2)
البخاري، (رقم: 3470)، مسلم (رقم: 2540).
(3)
صحيح البخاري (رقم: 3572)، وصحيح مسلم (رقم: 75).
(4)
صحيح مسلم (رقم: 76).
(5)
هو عبد الرحمن بن أبْزَى الخزاعي، مولى نافع بن عبد الحارث الخزاعى، سكن الكوفة، واستعمله على بن أبي طالب على خراسان، مختلف في صحبته، وممن جزم بصحبته البخاري، والترمذي، والدارقطني، وغيرهم، وأكثر روايته عن عمر بن الخطاب وأُبَيّ بن كعب، ومات بالكوفة. انظر: سير الأعلام 3/ 201، تهذيب التهذيب 6/ 132، الإصابة 4/ 282.
(6)
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (3/ 729)، والخلال في السنة (1/ 255)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (7/ 1246).
(7)
لم أجد له ترجمة -بعد البحث-.
ببلد أنا فيه"، فنفاه إلى الشام (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا يظهر عن علي رضي الله عنه أنه يريد قتل رجل إلا وقتله حلال عنده، ويشبه -واللَّه أعلم- أن يكون إنما تركه خوف الفتنة بقتله، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يمسك عن قتل بعض المنافقين؛ فإن الناس تشتتت قلوبهم عقب فتنة عثمان رضي الله عنه وصار في عسكره من أهل الفتنة أقوام لهم عشائر لو أراد الانتصار منهم لغضبت لهم عشائرهم"(2).
النتيجة:
ظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيه عن بعض الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الشافعية، وغيرهم.
وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية مسألة سب الصحابة على ثلاثة أقسام فقال: "أما من سبهم سبًا لا يقدح في عدالتهم، ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك: فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم.
وأما من لعن وقبَّح مطلقًا: فهذا محل الخلاف فيهم، لتردد الأمر بين لعن الغيظ، ولعن الاعتقاد.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام إلا نفرًا قليلًا يبلغون بضعة عشر نفسًا، أو أنهم فسقوا عامتهم: فهذا لا ريب أيضًا في كفره؛ لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم، والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة: أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق" (3)، واللَّه تعالى أعلم.
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (7/ 1246).
(2)
الصارم المسلول (1/ 581).
(3)
الصارم المسلول (1/ 590).