الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإصابة، ولا فعل له أصلًا بعد الرمي، فهو في حقيقة الأمر قاتل بالرمي لا بالإصابة، والمرمي كان مسلمًا متقومًا حال الرمي، فيجب ضمانه.
ومما يؤيد أن العبرة بالرمي لا بالإصابة أن المسلم لو رمى بسهمه لصيد وهو مسلم، ثم ارتد فأصاب السهم الصيد وهو مرتد، فجرح الصيد ومات، حل أكله.
وكان القياس في المسألة وجوب القصاص لا الدية، لكن لما وجدت فيه شبهة سقوط العصمة في حالة التلف وجبت الدية (1).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم، بل إن المخالفين في المسألة أكثر من الموافقين -كما سبق-، والظاهر أن مراد الشربيني وغيره ممن نقل الاتفاق من الشافعية على مسألة الباب، اتفاق الأصحاب من الشافعية على نفي الضمان في مسألة الباب، وهذا ظاهر في سياق النووي فإنه ذكره اختلاف الأصحاب في المسألة على وجهين، ثم قال:"لو طرأت -أي الردة- بعد الرمي وقبل الإصابة: فلا ضمان باتفاقهم"(2)، أي باتفاق الأصحاب، واللَّه تعالى أعلم.
[9/ 4] المسألة التاسعة: المرتد إن عاد إلى الإسلام وماله قائم فهو أحق به
.
• المراد بالمسألة: لو أن مسلمًا في دار الإسلام طرأ عليه طارئ نقله إلى الردة، فأصبح مرتدًا عن الإسلام، ثم بعد ذلك هداه اللَّه وعاد للإسلام من جديد، فإنه أحق بماله القائم من غيره، سواء من ورثته، أو بيت مال المسلمين.
وينبه إلى أن المرتد لو كان في جماعة لهم شوكة فما أُخذ من أموالهم، غير داخل في كل مسألة الباب، وكذا ما أخذه المرتد معه من مال إلى دار الحرب، أو كسبه في دار الحرب، ثم ظفر به المسلمون، أو كان المال قد تصرف به ورثته،
(1) انظر: تبيين الحقائق (6/ 124).
(2)
روضة الطالبين للنووي (7/ 46).
ببيع أو غيره، أو تصرف به ولي أمر المسلمين فلم يجد عين ماله، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب (1).
• من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "الإجماع على أنه -أي المرتد- إن عاد وماله قائم كان أحق به"(2).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما يلي:
1 -
عموم النصوص الشرعية المستقرة في تحريم أخذ مال الغير بغير حق، ومنها:
أ- قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} (3).
ب- وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} (4).
ج- عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)(5).
والنصوص في ذلك كثيرة.
• وجه الدلالة مما سبق: دلت النصوص السابقة على تحريم أخذ مال الغير،
(1) وقد اختلف أهل العلم في مال المرتد، كما سيأتي بيانه في المسألة الثالثة عشرة، والرابعة عشرة، والخامسة عشرة، وإنما أذكره هنا على سبيل الإجمال: فقيل: يكون موقوفًا، فإن أسلم رجع إليه، وإن مات على الردة فإما فيء للمسلمين، أو هو للورثة على قولين. وقيل: يزول ملكه بمجرد ردته. وقيل: لو لحق بدار الحرب فإن المال للورثة.
لكن مع هذا الخلاف فهم متفقون على أنه إن رجع للإسلام، فإنَّ ما كان موجودًا من ماله مما قد أخذه الورثة، فهو أحق به.
(2)
فتح القدير (6/ 75).
(3)
سورة النساء، آية (29).
(4)
سورة البقرة، آية (188).
(5)
البخاري (رقم: 67)، مسلم (رقم: 1679).