الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج- أن السرقة فعل توجب القطع، فاستوى فيها الواحد والجماعة (1).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم بالضوابط المذكورة في صورة المسألة.
[5/ 1] المسألة الخامسة: لو اشترك جماعة في سرقة ما يوجب القطع، وكان المال لو قسم على الشركاء لم ييلغ لكل واحد نصابًا، فإنه لا قطع حيننذٍ على أحد منهم
.
• المراد بالمسألة: قبل بيان المسألة لا بد من بيان المراد بالنصاب، ثم بيان صورة المسألة:
• أولًا: المراد بالنصاب لغة واصطلاحًا: النصاب لغة: قال ابن فارس: "النون والصاد والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على إقامةِ شيءٍ وإهدافٍ في استواء. . . وبَلغَ المالُ النِّصاب الذي تجِب فيه الزَّكاة، كأنَّه بلغَ ذلك المبلغَ وارتفعَ إليه"(2).
ونصاب الشيء: أصله الذي يرجع إليه (3).
واصطلاحًا: هو المقدار الذي يتعلق به الواجب، ويستعمله الفقهاء في نصاب الزكاة، ونصاب السرقة، وغيرهما (4).
والذي يتعلق بمسألة الباب هو نصاب السرقة، هو عند الفقهاء محل خلاف على أقوال:
القول الأول: ذهب الحنفية إلى أن النصاب عشرة دراهم؛ لما في بعض الروايات "أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته عشرة دراهم"(5).
(1) انظر: المغني (9/ 120).
(2)
انظر: مقاييس اللغة، مادة:(نصب)، (5/ 348).
(3)
انظر: الصحاح (2/ 246)، لسان العرب، مادة:(نصب)، (1/ 758)، تاج العروس، مادة:(نصب)، (4/ 276).
(4)
انظر: معجم لغة الفقهاء (480).
(5)
أخرجه أبو داود (رقم: 4387)، والنسائي، (رقم: 4950)، وأخرج نحوه أحمد (11/ 281)، من حديث عمرو بن شعيب.
ولأن اليد محترمة فلا تقطع إلا بما كان يقينًا، وأكثر ما ورد فيه هو عشرة دراهم، فيؤخذ به احتياطًا (1).
القول الثاني: ذهب المالكية إلى أن من سرق ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الورِق، أو ما يساوي الثلاثة دراهم من سائر المال قطعت يده (2).
= قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 792): "هذا حديث لا يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم". كما ضعفه النووي في شرح مسلم (11/ 183) فقال: "أما ما يحتج به بعض الحنفية وغيرهم من رواية جاءت قطع في مجن قيمته عشرة دراهم وفي رواية خمسة فهي رواية ضعيفة لا يعمل بها لو انفردت، فكيف وهي مخالفة لصريح الأحاديث الصحيحة الصريحة في التقدير بربع دينار".
كما ضعفه ابن حجر فقال في "فتح الباري"(12/ 103): "هذه الرواية -يعني رواية حجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب- لو ثبتت لكان نصًا في تحديد النصاب، إلا أن حجاج بن أرطاة ضعيف ومدلس، حتى ولو ثبتت روايته لم تكن مخالفة لرواية الزهري -يعني في حديث عائشة-، بل يُجمع بينهما بأنه كان أولًا: لا قطع فيما دون العشرة، ثم شرع القطع في الثلاثة فما فوقها، فزيد في تغليظ الحد، كما زيد في تغليظ حد الخمر". وأخرجه النسائي في سننه (رقم: 4947) من وجه آخر من طريق مجاهد عن أيمن، لكنه مرسل كما قاله ابن أبي حاتم والدارقطني، انظر: سنن الدارقطني (3/ 192)، نصب الراية (3/ 359).
وقال الترمذي في سننه (4/ 50): "روي عن ابن مسعود أنه قال: "لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم" وهو حديث مرسل، رواه القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود، والقاسم لم يسمع من ابن مسعود، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، قالوا: لا قطع في أقل من عشرة دراهم، وروي عن علي أنه قال: "لا قطع في أقل من عشرة دراهم" وليس إسناده بمتصل".
(1)
انظر: المبسوط للسرخسي (9/ 137)، بدائع الصنائع (7/ 77)، العناية شرح الهداية للبابرتي (5/ 355 - 356).
(2)
انظر: حاشية الدسوقي (4/ 333)، التاج والإكليل لمختصر خليل (8/ 414 - 415)، بلغة السالك لأقرب المسالك (4/ 472).
القول الثالث: ذهب الشافعية إلى ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها (1) فلا قطع إلا في ربع دينار، أو ما قيمته كذلك (2).
القول الرابع: ذهب الحنابلة إلى مذهب المالكية لكن قالوا: ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الورق، أو ما يساوي أحدهما (3)؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم"(4).
وفي الصحيحين أيضًا واللفظ لمسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا"(5).
القول الخامس: ذهب الظاهرية إلى أنه لا نصاب في السرقة فكل ما له قيمة يجب به القطع (6).
وقيل غير ذلك، حتى أوصلها العراقي إلى ستة عشرة قولًا (7)، وزادها ابن حجر إلى تسعة عشرة قولًا (8)، لكن ذكرتُ أقواها دليلًا، وأعرضتُ عن الباقي؛ إذ المقصود الإشارة لا تحقيق المسألة.
• ثانيًا: صورة المسألة: أن يشترك اثنان فأكثر في سرقة مال، ويشتركان في هتك الحرز وإخراج المال منه، وكان المال لو قسم على كل واحد من الشركاء
(1) البخاري (رقم: 647)، ومسلم (رقم: 1684).
(2)
انظر: الأم (6/ 140)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 124)، أسنى المطالب شرح روضة الطالب (4/ 173).
(3)
انظر: الفروع (6/ 126)، الإنصاف (10/ 262)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (6/ 231).
(4)
البخاري (رقم: 6411)، ومسلم (رقم: 1686).
(5)
البخاري (رقم: 647)، ومسلم (رقم: 1684).
(6)
انظر: المحلى (12/ 344 - 348).
(7)
انظر: طرح التثريب (8/ 24).
(8)
انظر: فتح الباري (12/ 106 - 107).
لم يبلغ نصابًا سقط حد القطع عنهم.
ويتبين مما سبق أنهما لو لم يشتركان في هتك الحرز وأخذ المال منه، بأن هتك الحرز وأخرج المال منه أحدهما، والآخر كان في مهمة المراقبة فقط، فهذه غير مرادة في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن حجر (852 هـ): "لو اشترك جماعة في سرقة ربع دينار لم يقطعوا اتفاقًا"(1).
• مستند الإجماع: استُدل لهذا القول من النظر بالآتي:
1 -
أن نصيب كل واحد منهم لم يبلغ نصابًا، فكما أنه لا قطع عليه لو انفرد بسرقة حصته من السرقة فكذا لا يقطع بما سرقه مع الجماعة.
2 -
لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وهنا شبهة في درأ الحد هي عدم بلوغ النصاب (2).
• المخالفون للإجماع: خالف المالكية، والحنابلة، وأبو ثور (3) في مسألة الباب، فالحنابلة يرون وجوب القطع على الجميع في مثل هذه الصورة، وكذا المالكية لكنهم يفصلون فقالوا: إن انفرد كل واحد منهما بإخراج جزء من المال فإنه لا قطع، وإن اشتركوا في إخراج المال جملة فعليهم القطع.
وعن المالكية رواية أخرى أن المسروق إن كان ثقيلًا وأخرجوه من الحرز جميعًا لعجزهم أن يحملها أحدهم، ولا يمكن حملها إلا إذا اجتمعوا، فهنا
(1) فتح الباري (12/ 215).
(2)
المغني (9/ 120).
(3)
هو أبو ثور، إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان، الكلبي، البغدادي، الفقيه، صاحب الإمام الشافعي، كان من أصحاب الرأي في بغداد حتى حضر الإمام الشافعي فاختلف إليه، وصار من أصحابه، ونقل عن الشافعي الأقوال القديمة، وهو أحد أعلام الدين، وكان الإمام أحمد يعتبره في صلاح سفيان الثوري، مات ببغداد شيخًا سنة (240) هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 74، وفيات الأعيان 1/ 26، تذكرة الحفاظ 2/ 87.