الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
أن ذلك هو إجماع الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، حيث ذكره الكاساني فقال:"ولا يصلى على البغاة وقطاع الطريق عندنا، وقال الشافعي: يصلى عليهم. . . ولنا: ما روي عن علي "أنه لم يغسل أهل نهروان ولم يصل عليهم، فقيل له: أكفار هم؟ فقال: لا، ولكن هم إخواننا بغوا علينا"، أشار إلى ترك الغسل والصلاة عليهم إهانة لهم ليكون زجرًا لغيرهم، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينكر عليه أحد، فيكون إجماعًا"(1).
النتيجة:
يظهر -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف بين مذاهب الأئمة الأربعة؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، ولعل مراد النووي نفي الخلاف المذهبي عند الشافعية.
[11/ 3] المسألة الحادية عشرة: إذا أخذ الخوارج والبغاة الزكاة أجزأت عن صاحبها
.
• المراد بالمسألة: لو أن قومًا من الخوارج، أو البغاة، ظهروا على بلاد فأخذوا الزكاة من الناس قهرًا، فإن مَن دَفع الزكاة إليهم من الأموال الظاهرة، أو الباطنة التي لا يستطيع إخفاءها، على أنها زكاة، أجزأه ذلك، فإذا ظهر أهل العدل مرة أخرى وطلب الإمام الزكاة فليس عليه أن يخرجها مرة أخرى.
ويتحصل مما سبق أنه لو دفع من المال الذي يستطيع إخفاءه، أو كان هو قد دفع المال للخوارج والبغاة من عنده، أو كان دفَع الزكاة إليهم ليس على أنها زكاة، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "إذا أخذ الخوارج والبغاة
= قلت: غريب، وذكر ابن سعد في "الطبقات" قصة أهل النهروان، وليس فيها ذكر الصلاة".
وقال ابن حجر في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية"(1/ 245): "روي أن عليًا لم يصل على البغاة: لم أجده".
(1)
بدائع الصنائع (1/ 313).
الزكاة، أجزأت عن صاحبها. . . وقال أبو عبيد في الخوارج يأخذون الزكاة: على من أخذوا منه الإعادة. . . ولنا: قول الصحابة رضي الله عنهم، من غير خلاف في عصرهم علمناه، فيكون إجماعًا" (1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ):"إذا أخذ الخوارج والبغاة الزكاة، أجزأت عن صاحبها. . . وقال أبو عبيد في الخوارج يأخذون الزكاة: على من أخذوا منه الإعادة. . . ولنا: قول الصحابة رضي الله عنهم، من غير خلاف في عصرهم علمناه، فيكون إجماعًا"(2).
• مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بما يلي:
1 -
أن هذا القول هو المروي عن جماعة من الصحابة كسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وجابر بن عبد اللَّه، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم (3).
2 -
من النظر:
أ - أن البغاة لا يؤاخذون بما أصابوا من دم أو مال، فكذلك لا يؤاخذون بما أخذوا من مال صدقة.
ب- أن التفريط حاصل من الإمام؛ لأن الواجب حمايتهم وبعث السعاة لأخذ الجباية، فإذا فرَّط في ذلك فليس له أخذها مرة أخرى وقد أُخذت (4).
• المخالفون للإجماع: ذهب الظاهرية إلى أن ما أخذه البغاة والخوارج من الزكاة التي يقبضها الإمام، فإنه لا يجزئ، وعليه دفعها مرة أخرى للإمام، أما إن لم يكن للقرية أو البلدة إمام فظهر عليهم أهل البغي فدفعوها إليهم أجزأت (5).
وذكر ابن قدامة عن أبي عبيد القول بأن من دفع الزكاة للخوارج فعليه الإعادة (6).
(1) المغني (2/ 268).
(2)
الشرح الكبير (2/ 676).
(3)
انظر: المغني (2/ 267 - 268).
(4)
المبسوط (2/ 180).
(5)
المحلى (11/ 351 - 354).
(6)
انظر: المغني (2/ 267 - 268).
وأما الحنفية فإنهم مع الجمهور في مسألة الباب وأنه لا يجب عليه إخراجها مرة أخرى للإمام لكن قالوا: يفتى فيما بينه وبين اللَّه تعالى بالأداء ثانية؛ لأن البغاة والخوارج لا ياخذون أموالنا على طريق الصدقة بل على طريق الاستحلال، ولا يصرفونها إلى مصارف الصدقة فينبغي لصاحب المال أن يؤدي ما وجب عليه للَّه تعالى (1).
• دليل المخالف: استدل ابن حزم بوجوب إخراج الزكاة مرة أخرى بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الإمام في العسر واليسر، وألا ينازع السلطان في سلطانه، كما في الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:"دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من اللَّه فيه برهان"(2).
بل أمر بقتل من نازع أمر السلطان كما في صحيح مسلم من حديث عرفجة قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه ستكون هنَات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان)(3).
• وجه الدلالة: دلت الأحاديث السابقة أنه لا يحل لأحد أن ينازع السلطان في سلطانه، وأن المنازعين له في الملك أو الرياسة مريدون تفريق جماعة هذه الأمة، فهم عصاة، وحينئذٍ فكل حكم حكموه مما هو إلى الإمام، وكل زكاة قبضوها مما قبْضها إلى الإمام فهو باطل لا يصح؛ لأنه على غير أمر اللَّه تعالى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو
(1) المبسوط (2/ 180).
(2)
صحيح البخاري (رقم: 6647)، وصحيح مسلم (رقم: 1709).
(3)
مسلم (رقم: 1852).