الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[67/ 4] المسألة السابعة والستون: المتعمد للنطق بما يوجب الكفر يكفر وإن لم يعتقد
.
• المراد بالمسألة: لو تعمد الإنسان المكلف التلفظ بكلمة تحكم على قائلها بالكفر، لكنه لم يكن يعتقد ما قاله، كأن يكون تلفظ من باب الهزل أو إرادة إضحاك الغير، أو نحو ذلك، فإنه يكفر بمجرد التلفظ، إن توفرت الشروط وانتفت الموانع.
وينبه إلى أنه إن كان معذورًا في مقالته تلك كأن يكون قالها مكرهًا، أو تلفظ بها وهو لا يدري معناها، أو لم يتعمد التلفظ بها بل كانت من سبق لسانه، أو نحو ذلك من الأعذار فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب.
وكذا لو كانت الكلمة ليست كفرًا صريحًا، لكن يلزم منها القول بالكفر، أو كان الكفر من باب الأفعال لا الأقوال كالسجود مثلًا، أو كانت مقالته للكفر من باب الحكاية عن شخص آخر تلفظ بها، فكل ذلك غير مراد في الباب أيضًا.
• من نقل الإجماع: قال ابن العربي (543 هـ): "الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة"(1)، ونقله عنه القرطبي (2).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم، أنه يفسد صومه، وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإسلام، سواء أسلم في أثناء اليوم، أو بعد انقضائه، وسواء كانت ردته باعتقاده ما يكفر به، أو شكه فيما يكفر بالشك فيه، أو بالنطق بكلمة الكفر، مستهزئا أو غير مستهزئ"(3).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "ومن ارتد عن الإسلام أفطر بغير خلاف نعلمه، إذا ارتد في أثناء الصوم فعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإسلام سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه، وسواء كانت ردته باعتقاد
(1) أحكام القرآن (2/ 543).
(2)
تفسير القرطبي (8/ 197).
(3)
المغني (3/ 24).
ما يكفر به، أو شكه، أو النطق بكلمة الكفر مستهزئا أو غير مستهزئ" (1).
وقال ابن المرتضى (840 هـ): "يكفر المتعمد للنطق وإن لم يعتقد، إجماعًا"(2). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "من أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين كفر إجماعًا"(3).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب قول اللَّه تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} (4).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حكم عليهم بالكفر بمجرد تلفظهم بما قالوه؛ لأنه من باب الاستخفاف بالدين، قال ابن تيمية:"أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم، مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب، وبيَّن أن الاستهزاء بآيات اللَّه كفر"(5).
وقد ذكر البزدوي في أصوله كلامًا حاصله أنه ليس موجب تكفير من نطق هازلًا بكلمة كفر اعتقاده ما نطق به، بل يحكم بكفره باعتبار أن نفس الهزل بالكفر كفر؛ لأن الهازل -وإن لم يكن راضيًا بحكم ما هزل به لكونه هازلًا فيه- فهو جاد في نفس التكلم به، مختار للسبب، راضٍ به، فإذا سب النبي عليه السلام هازلًا، أو دعا للَّه تعالى شريكًا هازلًا، أو نحو ذلك، فهو راضٍ بالتكلم به، مختار لذلك.
والمقصود أنه إن لم يكن معتقدًا لما يدل عليه كلامه فإن التكلم بمثل هذه الكلمة هازلًا استخفاف بالدين الحق، وهو كفر كما قال سبحانه: {وَلَئِنْ
(1) الشرح الكبير (3/ 29).
(2)
البحر الزخار (6/ 206).
(3)
حاشية الروض المربع (7/ 404).
(4)
سورة التوبة، آية (65 - 66).
(5)
انظر: مجموع الفتاوى (7/ 220)، وانظر:(7/ 273).