الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرز هو قول الجمهور، كما فعله ابن حجر حيث قال:"والسرقة: الأخذ خفية، وعرفت في الشرع: بأخذ شيء خفية ليس للآخذ أخذه، ومن اشترط الحرز -وهم الجمهور- زاد فيه: من حرز مثله"(1).
وكذا سبقه ابن عبد البر في بعض المواضع حيث قال: "وجمهور أهل العلم على أن السارق لا قطع عليه إلا أن يسرق شيئًا محروزًا يخرجه من حرزه، وعلى ذلك جماعة الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار"(2)، واللَّه تعالى أعلم.
[42/ 1] المسألة الثانية والأربعون: من شرط إقامة حد السرقة ألا تكون السرقة من بيت المال
.
• أولا: المراد ببيت المال: هو المكان المعد لحفظ المال، خاصًا كان أو عامًا.
• وأما في الاصطلاح: فقد استعمل لفظ "بيت مال المسلمين"، أو "بيت مال اللَّه" في صدر الإسلام للدلالة على المبنى والمكان الذي تحفظ فيه الأموال العامة للدولة الإسلامية من المنقولات، كالفيء، وخمس الغنائم، ونحوها، إلى أن تصرف في وجوهها، ثم اكتفي بكلمة "بيت المال" للدلالة على ذلك، حتى أصبح عند الإطلاق ينصرف إليه.
وتطور لفظ "بيت المال" في العصور الإسلامية اللاحقة إلى أن أصبح يطلق على الجهة التي تملك المال العام للمسلمين، من النقود، والعروض، والأراضي الإسلامية، وغيرها.
والمال العام هنا: هو كل مال ثبتت عليه اليد في بلاد المسلمين، ولم يتعين مالكه، بل هو لهم جميعًا (3).
(1) فتح الباري (12/ 98).
(2)
الاستذكار (7/ 543).
(3)
انظر: الموسوعة الكويتية (8/ 242).
وقد جمع القاضي بدر الدين بن جماعة (1) الجهات السبع التي هي أصول بيت المال في بيتين فقال:
جهات أموال بيت المال سبعتها
…
في بيت شعر حواها فيه كاتبه
خمس وفيء خراج جزية عشر
…
وإرث فرد ومال ضل صاحبه (2).
• ثانيًا صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص حر مسلم بما يوجب الحد، وكان المال المسروق لبيت المال، فإن السارق لا يحد.
ويتبين مما سبق أن غير المسلم، كالذمي والحربي وغيرهما لو سرق من بيت المال، فإنه غير داخل في مسألة الباب، وكذا لو كان المسلم عبدًا، فإن مسألته محل خلاف، وليست هي مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) بعد نقله عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب أنه لا قطع على من سرق من بيت المال:"إنما احتج من لم ير القطع في ذلك بحجتين: أحداهما: أن له فيه نصيبًا مشاعًا. والثانية: أنه قول صاحبين لا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم"(3).
وقال ابن المرتضى (840 هـ) بعد ذكره الخلاف في قطع من سرق من بيت المال: "لنا: قول عمر ولم ينكر. . . ولا قطع في الخمس والغنيمة إجماعًا ولو من غير الغانمين"(4).
(1) هو أبو عبد اللَّه، محمد بن إبراهيم بن سعد اللَّه بن جماعة بن علي بن حازم بن صخر بن حجر، الكناني، الحموي، الشافعي، قاض، فقيه، أصولي، عالم، عابد، ولي الحكم والخطابة بالقدس، ثم القضاء بمصر، ثم ولي قضاء الشام، ثم عاد فتولى قضاء مصر مرة أخرى بعد ابن دقيق العيد، إلى أن شاخ وعمي، من تصانيفه:"المنهل الروي في الحديث النبوي"، و"كشف المعاني في المتشابه"، ولد بحماة سنة (639 هـ)، وتوفي بمصر سنة (749 هـ). انظر: البداية والنهاية 14/ 163، ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني 1/ 363، معجم المؤلفين 1/ 47.
(2)
انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (535).
(3)
المحلى (12/ 311 - 312).
(4)
البحر الزخار (6/ 174).
وقال المرداوي (858) فيمن لا يقام عليهم الحد: "ولا مسلم بالسرقة من بيت المال. . . لا خلاف في ذلك إذا كان حرًا"(1).
وقال الصنعاني (1182 هـ): "اتفقوا على أنه لا يقطع من سرق من الغنيمة، والخمس وإن لم يكن من أهلها"(2).
• مستند الإجماع: استدل الحنفية والحنابلة على أن المسلم إذا سرق من بيت المال فإنه لا يقطع، بأدلة منها:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عبدًا من رقيق الخمس سرق من الخمس، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه، وقال:(مال اللَّه عز وجل سرق بعضه بعضًا)(3).
2 -
أن هذا الرأي مروي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة (4).
3 -
من النظر: أن لكل مسلم حقًا في بيت المال، غنيًا كان أو فقيرًا، فيكون هذا الحق شبهة تدرأ عنه الحد (5).
• المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المسلم إذا سرق
(1) الإنصاف (10/ 279).
(2)
سبل السلام (2/ 439).
(3)
ابن ماجه، كتاب: الحدود، باب: العبد يَسرِق، (رقم: 2590)، والحديث فيه ضعف كما أشار إليه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 100)، حيث قال:"هذا إسناد فيه ضعف، وقد روي من وجه آخر عن ميمون بن مهران عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا"، وضعفه ابن القطان أيضًا كما نقله الزيلعي في نصب الراية (3/ 368)، كما ضعفه ابن الهمام في "فتح القدير"(5/ 384)، وكذا الحافظ ابن حجر في التلخيص (4/ 130) حيث قال:"إسناده ضعيف"، وكذا الألباني في الإرواء (8/ 78) حيث قال:"ضعيف. . . وعلته جبارة وحجاج، فإنهما ضعيفان كما في "التقريب".
(4)
انظر: المحلى (12/ 311 - 312).
(5)
انظر: المبسوط (9/ 188)، المغني (9/ 117)، مصنف ابن أبي شيبة (6/ 523 - 524).
من بيت المال فعليه القطع، وهو مذهب المالكية (1)، والشافعية في الأصح (2)، وبه قال حماد (3)، وابن المنذر، وابن حزم (4)، إلا أن الشافعية جعلوا السرقة من بيت المال على ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: إن كان المال محرزًا لطائفة، هو منها، أو أحد أصوله أو فروعه منها، فلا قطع؛ لوجود الشبهة.
الحال الثانية: إن كان المال محرزًا لطائفة ليس هو ولا أحد أصوله أو فروعه منها، فيجب القطع، لضعف الشبهة.
الحال الثالثة: إن كان المال غير محرز لطائفة بعينها، فالأصح أنه إن كان له حق في المسروق، كمال المصالح، ومال الصدقة وهو مستحق لها بالفقر أو الغرم أو نحو ذلك، فلا قطع؛ للشبهة، وإن لم يكن له فيه حق قطع؛ لضعف الشبهة (5).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع، لوجود الخلاف من المالكية، والشافعية، وحماد، وابن المنذر، وابن حزم، وقد نص ابن حزم على عدم الإجماع حيث قال:"ليست هذه القضية مما جاء به القرآن، ولا مما صح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا مما أجمعت عليه الأمة"(6).
(1) انظر: المدونة (4/ 549)، شرح مختصر خليل (8/ 96).
(2)
انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 131).
(3)
هو أبو إسماعيل، حماد بن أبي سليمان مسلم الأشعري، الكوفي، الفقيه، التابعي، كان صاحب سنة إلا قوله بالإرجاء في الإيمان، أخذ الحديث عن أنس بن مالك، والنخعي، وخلق، وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم:"صدوق لا يحتج به، مستقيم في الفقه"، مات سنة (120 هـ). انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 595، الجواهر المضية 1/ 87 - 88، تاج التراجم لابن قطلوبغا 7.
(4)
انظر: المحلى (12/ 311 - 312).
(5)
انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 131).
(6)
المحلى (12/ 312).