الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلق، فإنه حمل آية المحاربة، وقد ورد فيها التقييد، على ما ورد فيه الأمر مطلقًا، وهو السرقة، وهو غريب" (1).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الشافعية في المسألة، ولذا ساق البغوي المسألة على أنها خلافية فقال:"أما من تاب بعد القدرة عليه فلا يسقط عنه شيء منها، وقيل: كل عقوبة تجب حقًا للَّه عز وجل من عقوبات قطع الطريق، وقطع السرقة، وحد الزنا، والشرب، تسقط بالتوبة بكل حال، والأكثرون على أنها لا تسقط"(2)، واللَّه تعالى أعلم.
[29/ 2] المسألة التاسعة والعشرون: وجوب دفع الصائل على العرض
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الصائل:
الصائل لغة: قال ابن فارس: "الصاد والواو واللام أصلٌ صحيحٌ، يدلُّ على قَهْرِ وعُلُوّ. يقال: صال عليه يَصُول صَولةً، إذا استطال"(3).
قال ابن منظور: "صالَ على قِرْنِه، صَوْلًا، وصِيالًا، وصُؤُولًا، وصَوَلانًا، وصَالًا، ومَصالةً: سَطا"(4).
وشرعًا: هو من سطا عاديًا على غيره يريد نفسه أو عرضه أو ماله (5).
• ثانيًا: تعريف العرض: العِرْض -بكسر العين- يطلق في اللغة على البدن، والنفس، وما يُمدح ويُذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو سلفه، أو من يلزمه أمره، كما يطلق على الحسب، وعلى الرائحة أيًا كانت طيِّبة أو سيِّئة،
(1) البحر المحيط (5/ 32).
(2)
معالم التنزيل (3/ 50).
(3)
مقاييس اللغة (2/ 322).
(4)
لسان العرب، مادة:(صول)، (11/ 387).
(5)
انظر: تحفة الخطيب على شرح الحبيب (4/ 238)، حاشية البجيرمي على المنهاج (4/ 219)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 208)، معجم لغة الفقهاء (269).
وعلى السحاب العظيم، وعلى الوادي فيه الشجر، ويُجمع على أعراض (1).
والمراد بالصول على العرض هنا: الاعتداء على الشخص بُغية فعل الفاحشة من زنى أو لواط، أو مقدِّماتها كالقبلة ونحوها.
• ثالثًا: صورة المسألة: لو أن المحارب صال على عرض الرجل، فأراده على نفسه، أو على حريمه، فيجب على المصول عليه دفع الصائل، ما لم يخف على نفسه.
ويتبين مما سبق أن المحارب لو أراد أخذ المال، أو قتل النفس، أو ما دون النفس، أو كان المصول عليه يخاف على نفسه، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعًا"(2). وقال أيضًا: "فإفساد المرأة على زوجها من أعظم الظلم لزوجها وهو عنده أعظم من أخذ ماله، ولهذا يجوز له قتله دفعا عنها باتفاق العلماء إذا لم يندفع إلا بالقتل بالاتفاق"(3).
وقال ابن حجر (852 هـ): "حكى بن المنذر عن الشافعي قال: من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله الاختيار أن يكلِّمه أو يستغيث، فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله، وإلا فله أن يدفعه عن ذلك، ولو أتى على نفسه، وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة، لكن ليس له عمد قتله، قال ابن المنذر: والذي عليه أهل
(1) انظر: تهذيب اللغة (1/ 290)، العين، باب:"العين والضاد والرَّاء معهما"(1/ 274)، غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 82)، لسان العرب، مادة:(عرض)، (7/ 165)، المعجم الوسيط (2/ 594).
(2)
الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 537)، وانظر: منهاج السنة (6/ 46).
(3)
مجموع الفتاوى (15/ 142)، وانظر: الاستقامة (2/ 327).
الحلم أن للرجل أن يدفع عما ذُكر إذا أُريد ظلمًا بغير تفصيل" (1).
ونقله أيضًا عن ابن المنذر: الشوكاني (2)، والصنعاني (3)، والمباركفوري (4)(5).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب الأثر والنظر:
1 -
فمن الأثر: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون أهله فهو شهيد"(6).
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)(7).
• وجه الدلالة من الحديث: لما جعل النبي صلى الله عليه وسلم من قاتل دون عرضه شهيدًا دل على أن له القتل والقتال، كما أن من قتله أهل الحرب لما كان شهيدًا كان له القتل والقتال (8).
(1) فتح الباري (5/ 124)، وقال في الموسوعة الكويتية (28/ 109):"أجمع الفقهاء على أنه يجب على الرجل دفع الصائل على بضع أهله أو غير أهله"، وما حكاه ابن المنذر عن الشافعي نص عليه الشافعي في "الأم"(6/ 33).
(2)
نيل الأوطار (5/ 390).
(3)
سبل السلام (2/ 379).
(4)
هو أبو علي، محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الحاج، المباركفوري، عالم مشارك في الفقه، والتاريخ، والتفسير، والعربية، والمنطق، والفلسفة، وغيرها، من مصنفاته:"تحفة الأحوذى في شرح سنن الترمذي"، و"تحقيق الكلام"، و"الرحيق المختوم"، ولد سنة (1283 هـ)، وتوفي سنة (1353 هـ). انظر: معجم المؤلفين 5/ 166.
(5)
تحفة الأحوذي (4/ 565).
(6)
البخاري (رقم: 2348)، مسلم (رقم: 142).
(7)
أخرجه أحمد (3/ 190)، وأبو داود (رقم: 4772)، والترمذي (رقم: 1421)، والنسائي (رقم: 4095).
(8)
انظر: المحلى (11/ 336)، أسنى المطالب (4/ 166)، تحفة المحتاج إلى شرح المنهاج (9/ 181).