الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نهى عن كل ما كان فيه إثم أو عدوان، والتستر على المحارب الذي لم يتب من حرابته فيه ضرر على المسلمين، وإعانة للمحارب على الإفساد في الأرض، وهو من باب التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه، فكان في ترك التستر عنه دفع لشره وهو من باب التعاون على البر والتقوى، ولذا ذهب الفقهاء إلى أن للشهود أن يشهدوا على صاحب الحد دون أن يدعى للشهادة فقال ابن قدامة:"تجوز الشهادة بالحد من غير مدع، لا نعلم فيه اختلافًا"(2).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[19/ 2] المسألة التاسعة عشرة: السلطان ولي من حارب
.
• المراد بالمسألة: إذا أقدم المحارب بقتلِ نفس، فإن عقوبة المحارب من القتل، أو القتل والصلب، أو القطع من خلاف، أو النفي للإمام، وليس لولي الدم أن يتولى أمره.
وينبه إلى أن المراد بالمسألة هو فيما إذا تم الحكم بحده حرابة، فالإمام هو الذي يتولى أمر العقوبة، من القتل، أو القتل والصلب، أو القطع من خلاف، أو النفي، أما مسألة: هل للولي حق العفو أو لا؟ ومسألة هل لغير الإمام قتله إذا قدر عليه؟ فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن أمر المحارب إلى السلطان، وإن قتل المحارب أخا امرئ أو أباه في حالة المحاربة أن عفو
(1) سورة المائدة، آية (2).
(2)
المغني (9/ 70).
طالب الدم لا يجوز في حالة المحاربة" (1).
وقال القرطبي (671 هـ): "أجمع أهل العلم على أن السلطان ولي من حارب، فإن قتل محاربٌ أخا امرئ أو أباه في حال المحاربة، فليس إلى طالب الدم من أمر المحارب شيء، ولا يجوز عفو ولي الدم، والقائم بذلك الإمام"(2) ونقله عنه الشوكاني (3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "فمن كان من المحاربين قد قَتَل، فإنه يقتله الإمام حدًا لا يجوز العفو عنه بحال بإجماع العلماء. . . ولا يكون أمره إلى ورثة المقتول، بخلاف ما لو قتل رجل رجلًا؛ لعداوة بينهما، أو خصومة، أو نحو ذلك من الأسباب الخاصة، فإن هذا دمه لأولياء المقتول. . . لأنه قتله لغرض خاص، وأما المحاربون فإنما يقتلون لأخذ أموال الناس، فضررهم عام بمنزلة السراق، فكان قتْلهم حد للَّه، وهذا متفق عليه بين الفقهاء"(4).
• مستند الإجماع: استدل الفقهاء لمسألة الباب من الأثر والنظر:
فمن الأثر:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دين اللَّه أحق أن يقضى)(5).
2 -
عن عائشة رضي الله عنها -في قصة عتق بريرة رضي الله عنها (6) - أن
(1) الإجماع (111).
(2)
تفسير القرطبي (6/ 156).
(3)
انظر: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (2/ 52 - 53).
(4)
مجموع الفتاوى (28/ 311).
(5)
صحيح البخاري (رقم: 1852)، وصحيح مسلم (رقم: 1148).
(6)
هي بريرة، مولاة عائشة بنت أبي بكر الصديق، كانت مولاة لقوم من الأنصار، وقيل: لآل عتبة بن أبي إسرائيل، وقيل: لبني هلال، وقيل: لآل أبي أحمد بن جحش، فكاتبوها ثم باعوها من عائشة، وكانت تخدم عائشة قبل أنت تشتريها، وجاء الحديث في شأنها بأن "الولاء لمن أعتق".
انظر: سير أعلام النبلاء 2/ 298، الإصابة 4/ 251، تهذيب التهذيب 12/ 403.
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (قضاء اللَّه أحق وشرط اللَّه أوثق)(1).
• وجه الدلالة من الحديثين: قال ابن حزم: "فلما اجتمع حقان، أحدهما: للَّه، والثاني: لولي المقتول، كان حق اللَّه تعالى أحق بالقضاء، ودينه أولى بالأداء"(2).
3 -
من النظر: أن الحرابة حد للَّه عز وجل، والحدود إنما يقوم بها الإمام.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
(1) صحيح البخاري (رقم: 2060)، وصحيح مسلم (رقم: 1503).
ونص الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني، فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس، فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق)، ففعلت عائشة، ثم قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال:(أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب اللَّه، ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء اللَّه أحق وشرط اللَّه أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق).
(2)
المحلى (12/ 289).