الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} (1).
7 -
قال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)} (2).
والآيات في تقرير هذه الباب كثيرة، وفيما ذكر كفاية إن شاء اللَّه تعالى.
وإذا تقرر هذا من نصوص القرآن المتواترة فإن من أنكر ذلك وزعم أن للَّه ديناَ غير الإسلام فقد كذب القرآن وكفر باللَّه العظيم.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[50/ 4] المسألة الخمسون: من خالف الإجماع المتيقن بعد علمه بأنه إجماع كفر
.
• المراد بالمسألة: إذا أجمع أهل عصر على مسألة معينة، حتى انقرضوا، وكان الإجماع فيها قطعيًا متيقنًا (3)، ولم يكن فيها خلاف سابق، فإن من قال قولًا يخالف هذا الإجماع فإنه يكفر.
ويتحصل مما سبق أن الإجماع لو لم يكن متيقنًا، بل كان إجماعًا ظنيًا، بأن كان من الإجماع السكوتي مثلًا، الذي محصله أن ثمة من قال بهذا القول ولم ينكر عليه أحد، أو كان من الإجماع الاستقرائي بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافًا، أو يكون ظاهر نص الشارع على حكم معين ولا يعلم أحدًا قال بغير ظاهره، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب.
وكذا لو كان الإجماع إنما هو لطائفة من أهل العلم كإجماع الخلفاء الأربعة، أو أهل المدينة، أو كان الإجماع قد حصل بعد خلافٍ قبله، فمخالفة الإجماع حينئذٍ غير مرادة في مسألة الباب.
(1) سورة النساء، آية (125).
(2)
سورة لقمان، آية (22).
(3)
وقد سبق بيان الإجماع القطعي والظني، والفرق بينهما.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من خالف الإجماع المتيقن، بعد علمه بأنه إجماع، فإنه كافر"(1). وحكاه القاضي عياض (544 هـ) عن طائفة فقال: "ومن الفقهاء والنظار في هذا الباب قالوا بتكفير كل من خالف الإجماع الصحيح الجامع لشروط الإجماع المتفق عليه عمومًا. . . وحكوا الإجماع على تكفير من خالف الإجماع"(2).
وقال ابن الوزير (840 هـ)(3): "إجماع الأمة على تكفير من خالف الدين المعلوم بالضرورة، والحكم بردته إن كان قد دخل فيه قبل خروجه منه"(4).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
قال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} (5)(6).
• وجه الدلالة: في الآية أن من اتبع غير سبيل المؤمنين، وهو الطريق الذي سلكوه ورأوه، فإنه موعد بالنار، وجعل ذلك في منزلة من شاقق الرسول (7).
2 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (إن اللَّه لا يجمع أمتي -أو قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة)(8).
(1) مراتب الإجماع (209)، وانظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 138).
(2)
الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 291).
(3)
هو أبو عبد اللَّه، عز الدين محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي، من آل الوزير، مجتهد باحث، من أعيان اليمن، وهو أخو الهادي بن إبراهيم، ولد في اليمن، من تصانيفه:"إيثار الحق على الخلق"، و"العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم" ولد سنة (775 هـ)، وتوفي سنة (840 هـ). انظر: الأعلام 5/ 300، معجم المؤلفين 8/ 210، معجم المطبوعات 1/ 146.
(4)
إيثار الحق على الخلق (112).
(5)
سورة النساء، آية (115).
(6)
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 138).
(7)
انظر: أصول السرخسي (1/ 296)، الإبهاج في شرح المنهاج (2/ 353).
(8)
الترمذي (رقم: 2167)، المستدرك (1/ 200).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى اجتماع أمته على ضلالة، وهذا اللفظ هو نكرة في سياق النفي، وهو يفيد العموم، مما يدل على امتناع اجتماع أمته صلى الله عليه وسلم على أي ضلالة، وأن كل ما أجمعوا عليه فإنه حق، ومن خرج عن الإجماع فقد كذب بالحديث، وظن أن الأمة أجمعت على الضلال.
3 -
أن القول بأن إنكار الإجماع القطعي يتضمن إنكار نص مقطوع بصحته، مما يلزم منه تكذيب نص شرعي، وهذا موجب للكفر (1).
• المخالفون للإجماع: تعقب ابن تيمية في كتابه "نقد مراتب الإجماع" ما ذكره ابن حزم حيث قال: "في ذلك نزاع مشهور بين الفقهاء"(2). وقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن من أنكر إجماعًا قطعيًا فإنه يفسق، ولا يكفر.
وبه قال الرازي (3)، وأبو الخطاب، وجمع من الحنابلة (4)، ونسبه ابن تيمية والصنعاني للجمهور (5).
إلا أن هؤلاء يقولون بكفر من خالف الإجماع القطعي إن كان مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كما حرر ذلك غير واحد من أهل العلم، منهم الصنعاني حيث قال:"واعلم أن كون الإجماع حجة قطعية إن روي تواترًا مسألة خلاف وتفصيل، فإن كان مما علم ضرورة كالصلوات الخمس مثلًا وإن كان وجوبها علم من ضرورة الدين لا من باب الإجماع بخصوصه، فمخالف هذا لا خلاف في كفره، وليس من محل النزاع"(6).
إذا تقرر هذا فإنه لا بد أن يحرَّر مراد ابن حزم في الإجماع فيُقال:
(1) انظر: التقرير والتحبير (3/ 113)، شرح مختصر الروضة (3/ 136).
(2)
نقد مراتب الإجماع (299).
(3)
انظر: المحصول (3/ 566).
(4)
انظر: المدخل (284).
(5)
انظر: المسودة (308)، إجابة السائل شرح بغية الآمل (167).
(6)
إجابة السائل شرح بغية الآمل (167).
مذهب الظاهرية منهم ابن حزم في الإجماع أنه خاص بإجماع الصحابة فقط، أما من بعدهم فلا يعتبروه إجماعًا، وشرط تحقق الإجماع أن يكون متيقنًا عن الصحابة، وضابطه أن يتيقن أنهم علموا الحكم، وقالوا به، وعملوا به، قال ابن حزم:"أما نحن فليس الإجماع عندنا إلا الذي تيقن أنهم -أي الصحابة- أولهم عن آخرهم قالوا به، وعملوه، وصوَّبوه، دون سكوت من أحد منهم، ولا خلاف من أحد منهم، فهذا حقًا هو الإجماع"(1).
وقال: "الإجماع هو ما تيقن أن جميع أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عرفوه، وقالوا به، ولم يختلف منهم أحد، كتيقننا أنهم كلهم رضي الله عنهم صلوا معه عليه السلام الصلوات الخمس، أو علموا أنه صام مع الناس رمضان في الحضر، وكذلك سائر الشرائع التي تيقنت مثل هذا اليقين، والتي من لم يقر بها لم يكن من المؤمنين وهذا ما لا يختلف أحد في أنه إجماع.
وما صح فيه خلاف من واحد منهم، أو لم يتيقن أن كل واحد منهم رضي الله عنهم عرفه ودان به، فليس إجماعًا" (2).
وقد قسَّم ابن حزم الإجماع المتيقن إلى قسمين، فقال بعد أن قرر أن الإجماع هو ما كان في عصر الصحابة دون من بعدهم: "الإجماع الذي هو الإجماع المتيقن، ولا إجماع غبره، لا يصح تفسيره ولا ادعاؤه بالدعوى لكن ينقسم قسمين:
أحدهما: كل ما لا يشك فيه أحد من أهل الإسلام في أن من لم يقل به فليس مسلمًا، كشهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، وكوجوب الصلوات الخمس، وكصوم شهر رمضان، وكتحريم الميتة، والدم، والخنزير، والإقرار بالقرآن، وجملة الزكاة، فهذه أمور من بلغته فلم يقر بها فليس مسلمًا،
(1) المحلى (12/ 353).
(2)
المحلى (1/ 75 - 76).
فإذا ذلك كذلك فكل من قال بها فهو مسلم، فقد صح أنها إجماع من جميع أهل الإسلام.
والقسم الثاني: شيء شهده جميع الصحابة رضي الله عنهم من فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أو تيقن أنه عرفه كل من غاب عنه صلى الله عليه وسلم منهم، كفعله في خيبر إذ أعطاها يهود بنصف ما يخرج منها من زرع أو تمر، ويخرجهم المسلمون إذا شاءوا.
فهذا لا شك عند كل أحد في أنه لم يبق مسلم في المدينة إلا شهد الأمر، أو وصل إليه، يقع ذلك الجماعة من النساء والصبيان الضعفاء، ولم يبق بمكة والبلاد النائية مسلم إلا عرفه وسُر به.
على أن هذا القسم من الإجماع قد خالفه قوم بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم، وهْمًا منهم، وقصدًا إلى الخير، وخطأ باجتهادهم.
فهذان قسمان للإجماع ولا سبيل إلى أن يكون الإجماع خارجًا عنهما، ولا أن يعرف إجماع بغير نقل صحيح إليهما.
ولا يمكن أحدًا إنكارهما، وما عداهما فدعوى كاذبة، ومن ادعى أنه يعرف إجماعًا خارجًا من هذين النوعين فقد كذب على جميع أهل الإسلام ونعوذ باللَّه العظيم من مثل هذا" (1).
ويتحصل من كلام ابن حزم السابق أن الإجماع عنده على حالين:
الحال الأولى: إما أن يكون على ما عُلم بالضرورة من أمور الدين، واستقرت عليه نصوص الشريعة، كوجوب الصلاة:
فهذا القسم من أنكره بعد علمه بالإجماع فيكفر كما قال ابن حزم، لأنه تكذيب للقرآن، ولنصوص السنة الصريحة.
وليس موجب التكفير حينئذٍ مخالفة الإجماع، وإنما جحوده ما هو معلوم
(1) الإحكام (4/ 541 - 542).
من الدين بالضرورة، وإنكاره نصوص الشرع الصريحة، أما مخالفة الإجماع فقط فلا يكفر به، فإن قومًا أنكروا الإجماع جملة ولم ينقل تكفيرهم عن أحد من السلف بموجب إنكارهم الإجماع، كما قال القرافي:"قد جحد أصل الإجماع جماعة كبيرة من الروافض والخوارج كالنظَّام (1)، ولم أر أحدًا قال بكفرهم من حيث إنهم جحدوا أصل الإجماع"(2).
الحال الثانية: أن يكون على أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم واشتهر عند جميع الصحابة، فهذا وقع فيه خلاف مشهور بين أهل العلم، ولا يصح تكفير من خالف فيه.
وهذا التقسيم نص عليه ابن تيمية فقال: "فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع وبانتفاء المنازع من المؤمنين فإنها مما بين اللَّه فيه الهدى، ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر كما يكفر مخالف النص البيِّن.
وأما إذا كان يظن الإجماع ولا يقطع به، فهنا قد لا يقطع أيضًا بأنها مما تبين فيها الهدى من جهة الرسول ومخالف مثل هذا الإجماع قد لا يكفر بل قد يكون ظن الإجماع خطأ، وأن الصواب في خلاف هذا القول، وهذا هو فصل الخطاب فيما يكفر به من مخالفة الإجماع وما لا يكفر" (3).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن منكر الإجماع القطعي على قسمين:
الأول: أن تكون المسألة مما هي معلومة من الدين بالضرورة، كوجوب
(1) هو أبو إسحاق، إبراهيم بن سيار النظام، معتزلي المعتقد، كان أحد فرسان أهل النظر والكلام على مذهب المعتزلة، وله معرفة بالشعر، وانفرد بآراء عقدية خاصة تابعته فيها فرقة من المعتزلة سميت بالنظامية، نسبة إليه، وهو يُعد من أعظم شيوخ المعتزلة، توفي سنة (231 هـ). انظر: تاريخ بغداد 6/ 97، الفرق بين الفرق 79، الملل والنحل 1/ 77، سير أعلام النبلاء 10/ 541.
(2)
أنوار البروق في أنواع الفروق (4/ 115)، وانظر: البحر المحيط (3/ 568).
(3)
مجموع الفتاوى (7/ 39).