الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشارع في أحوال، ومنعه في أحوال أخرى، فسرقته غير مرادة في مسألة الباب.
• المسألة الخامسة: لو كان المسروق يبلغ قيمته بعد كسره نصابًا، فذلك غير مراد في المسألة.
• من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "لا قطع في الأشربة المطربة. . . ولا في الطنبور ونحوه من آلات الملاهي بلا خلاف"(1).
• مستند الإجماع: علل الفقهاء عدم القطع بسرقة الملاهي وكل محرم، إما لأنها أشياء غير متقومة شرعًا، أو لأن للآخذ بها شبهة في سرقتها، والحدود تدرأ بالشبهات، ومن شبهة الآخذ أن يسرق الخمر لإراقته، أو يسرق المزمار لكسره من باب النهي عن المنكر، أو غير ذلك من الشبه الذي تُدرؤ بها الحدود (2).
• المخالفون للإجماع: لم أجد من خالف في المسألة، إلا كلامًا لأبي بكر الجصاص يؤخذ سنه خلاف أبي يوسف حيث قال:"لا قطع في شيء من الخمر، ولا في شيء من آلات الملاهي، وقال أبو يوسف: يقطع في كل شيء سرق من حرز"(3).
والذي ورد عن أبي يوسف القطع في مسألة من سرق الصليب من الحرز (4)، ولعل قياس هذا القول هو القطع في كل محرم إذا سرق من حرز، ولذا ذكره الجصاص على عمومه.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل، العلم، لخلاف أبي يوسف.
[73/ 1] المسألة الثالثة والسبعون: ليس على خائن قطع
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الخائن: الخائن: هو الذي يخون ما في يده
(1) فتح القدير (5/ 368).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 68)، المغني (9/ 115).
(3)
أحكام القرآن (2/ 596).
(4)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 216 - 217).
من الأمانات، يقال: خَانَ الرجل الأمانة، يَخُونُهَا، خوْنًا، وخِيَانَةً، ومَخَانَةً (1).
فالخائن في السرقة: هو الذي يؤتمن على شيء بطريق العارية أو الوديعة أو نحو ذلك، فيأخذه ويدعي ضياعه، أو ينكر أنه كان عنده وديعة أو عارية (2).
• ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص، بما يوجب الحد، وكان قد أخذ المال المسروق عن طريق الخيانة، فلا قطع حينئذ.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن لا قطع على الخائن"(3). وقال مكي القيرواني (437 هـ)(4): "لا قطع على مختلس أو خائن عند جماعة العلماء"(5).
قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع علماء المسلمين أنه ليس على خائن قطع"(6). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن المختلس والمنتهب والغاصب والخائن على عظم جنايتهم وآثامهم، فإنهم لا قطع على واحد منهم"(7)، ونقله عنه ابن قاسم (8).
(1) انظر: معجم الفروق اللغوية (228)، المصباح المنير، مادة:(خون)، (184).
(2)
انظر: الحاوي في فقه الشافعي للماوردي (13/ 281)، المصباح المنير، مادة:(خون)، (184)، حيث قال:"فرَّقوا بين الخائن والسارق والغاصب بأن الخَائِنَ: هو الذي خان ما جعل عليه أمينًا، والسارق من أخذ خفية من موضع كان ممنوعا من الوصول إليه، وربما قيل: كلّ سارق خائن دون عكس"
(3)
الإجماع (110).
(4)
هو مكي بن أبي طالب واسمه حموش بن محمد بن مختار القيسي المقرئ النحوي القيرواني، ثم المالكي الأصل، القرطبي الدار، شيخ الأندلس في زمانه، حج وسمع بمكة وغيرها، وكان إمامًا عالمًا محدثًا ورعًا، صنف الكثير في علوم القرآن، من تصانيفه:"المشكل في إعراب القرآن"، ولد سنة (355 هـ)، وتوفي سنة (437 هـ). انظر: البلغة في تراجم أئمة النحو 77، سير أعلام النبلاء 17/ 591، طبقات المفسرين 114.
(5)
الهداية إلى بلوغ النهاية (3/ 1702).
(6)
الاستذكار (7/ 568)، وانظر: التمهيد (11/ 221).
(7)
الإفصاح (2/ 214).
(8)
انظر: حاشية الروض المربع (7/ 355).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "فأما جاحد الوديعة وغيرها من الأمانات، فلا نعلم أحدًا يقول بوجوب القطع عليه"(1) ونقله عنه ابن قاسم (2). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "ولا يقطع جاحد الوديعة ولا غيرها من الأمانات، لا نعلم فيه خلافًا"(3): وقال ابن حجر (852 هـ): "حديث: "ليس على خائن ولا مختلس أولا منتهب قطع". . . وقد أجمعوا على العمل به إلا ما ذكر من قطع جاحد العارية، وأجمعوا على أن لا قطع على الخائن في غير ذلك"(4)، أي في غير جحد العارية.
وقال ابن الهمام (861 هـ): ""ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع". . . وقد حكي الإجماع على هذه الجملة"(5). وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ) في معرض كلامه على الخائن: "لا قطع فيه بإجماع العلماء وفقهاء الأمصار"(6).
• مستند الإجماع: استدل الفقهاء لمسألة الباب من الأثر والنظر:
1 -
عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس قطع)(7).
(1) المغني (9/ 94).
(2)
حاشية الروض المربع (7/ 355).
(3)
الشرح الكبير (10/ 240).
(4)
فتح الباري (12/ 91 - 92).
(5)
فتح القدير (5/ 373).
(6)
حاشيته على تبيبن الحقائق (3/ 217).
(7)
أخرجه أحمد (23/ 303)، وأبو داود (رقم: 4392)، والترمذي (رقم: 1448)، والنسائي (رقم: 4971)، وابن ماجه (رقم: 2591)، من طريق ابن جريج عن أبي الزبير، قال الترمذي:"حديث حسن صحيح". وقد جنح ابن حزم في "المحلى"(12/ 307 - 308) إلى تضعيف الحديث من جهة أن ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير، وأبو الزبير لم يسمعه عن جابر، وما قاله ابن حزم سبقه لذلك أبو داود، لكن زعم ابن حزم أن الحديث ليس له طريق غير هذا.
وتعقب العراقي وابن حجر ابن حزم في ذلك، من جهة أن الحديث له متابعات، فتابع ابن جريج المغيرة بن مسلم.
وأما أبو الزبير، فقد تابعه عمرو بن دينار فرواه عن جابر رضي الله عنه، وبهذا يكون الحديث قد ورد متصلا.
2 -
علله بعض الفقهاء بقصور الحرز؛ لأن المال المسروق كان في يد الخائن وحرزه.
3 -
أن السرقة مأخوذة من المسارقة وهي الاختفاء، فيخرج منها ما كان عن طريق المجاهرة أو الجحد (1).
• المخالفون للإجماع: المسألة خالف فيها جماعة من أهل العلم، فذهب الظاهرية إلى وجوب القطع على الخائن (2).
كما خالف الحنابلة إلى صورة من صور المسألة، وهي جحد العارية، حيث ذهب الإمام أحمد في رواية -وهي المذهب عند الحنابلة-، وبه قال إسحاق بن راهويه، إلى قطع جاحد العارية دون غيرها من الأمانات، فجاحد الوديعة وغيرها من الأمانات لا يقطع (3).
• دليل المخالف: استدل القائلون بوجوب القطع في جحد العارية بما رواه مسلم وأصله في الصحيحين عن عائشة قالت: "كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه، فكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها، فتلون وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:(أتشفع في حد من حدود اللَّه)؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي، قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت
= ولمجموع هذه المتابعات قوى الحديث جماعة من المحققين كابن حجر، والعراقي، وقال ابن الهمام في فتح القدير (5/ 373):"سكت عنه ابن القطان وعبد الحق في أحكامه وهو تصحيح منهما"، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (رقم: 4392). انظر: طرح التثريب (8/ 32 - 33)، فتح الباري (12/ 91 - 92).
(1)
انظر: الحاوي للماوردي (13/ 281).
(2)
انظر: المحلى (3/ 356 - 363).
(3)
المغني (9/ 93).