الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أحمده سبحانه حمدًا كثيرًا، كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، الذي أنزل عليه الكتاب المبين، الفارق بين الهدى والضلال، والغي والرشاد، والشك واليقين، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. وبعد:
فإن الفقه من أشرف العلوم قدرًا، وأسماها فخرًا، وأعظمها أجرًا، وأعمها فائدة؛ لأن به يعرف الحلال من الحرام، ويميز بين الجائز والممنوع من الأحكام، ويطلع على أسرار الشريعة ومقاصدها.
وقد احتوى هذا العلم على فروع متعددة، وأنواع متنوعة، وإن من أعظمها نفعًا، وأجلها قدرًا، وأدقها استنباطًا: علم الفروق.
إذ به يطلع على حقائق الفقه ومداركه، وأسراره ومآخذه، وحكمه ومقاصده، ويتمهر في فهمه واستحضاره، ويدرك ما بين فروعه ومسائله من وجوه الاتفاق والاختلاف، فيلحق كل فرع بأصله، ويعطى النظير حكم نظيره، فيجمع بين مؤتلفها، ويفرق بين مختلفها.
لذا، فقد أشاد عدد من العلماء رحمهم الله بأهمية هذا الفن، وبينوا عظيم فائدته، وأوضحوا حاجة الفقيه الماسة إلى معرفته وإدراكه.
فقال العلامة الطوفي الحنبلي: (إن الفرق من عمد الفقه وغيره من العلوم، وقواعدها الكلية، حتى قال قوم: إنما الفقه معرفة الفرق والجمع).
وقال العلامة الإسنوي الشافعي: (إن المطارحة بالمسائل ذوات المآخذ المؤتلفة المتفقة، والأجوبة المختلفة المفترقة، مما يثير أفكار الحاضرين في المسالك، ويبعثها على اقتناص أبكار المدارك، ويميز مواقع أقدار الفضلاء، ومواضع مجال العلماء)(1).
فلما لهذا الفن من أهمية جليلة، وفوائد عظيمة في مجال الدراسات الفقهية الشرعية، حرصت على أن أسهم بعمل علمي في هذا الفن من خلال هذه الأطروحة، فأطلعت في هذا الفن على مصنفات مخطوطة قيمة مفيدة، في المذاهب الأربعة، جديرة بأن تنال اهتمام الباحثين بالنشر والتحقيق، وكان من أميزها في نظري، وعليه وقع اختياري كتاب (إيضاح الدلائل في الفرق بين
المسائل) فرأيت أنه جدير بالعناية والتحقيق، وإبرازه للباحثين والدارسين، وكان من أهم ما دفعني إلى اختياره ما يأتي:
1 -
مادة الكتاب العلمية، وأهميتها في مجال الدراسات الفقهية الشرعية.
2 -
حسن عرض المصنف لمادة كتابه، وإيضاحه لها بأسلوب علمي رصين، مع غوص على معان دقيقة جليلة، واعتناء بالأدلة النقلية، واهتمام بها، وأمانة علمية متميزة، تضفي على الكتاب مزيدًا من العناية به، والإجلال لمؤلفه.
3 -
اشتمال الكتاب على أبواب الفقه كلها تقريبًا.
4 -
أنه من أوسع كتب الفروق الفقهية، إذ بلغت فروقه (825) فرقٍ.
5 -
قلة المؤلفات في هذا الفن، وقلة المطبوع منها على وجه الخصوص، حيث لا أعرف منها سوى ثلاثة: فروق القرافي المالكي، وفروق
(1) انظر توثقة هذين النقلين مع غيرها من أقوال العلماء في الإشادة بهذا الفن في مبحث: أهمية علم الفروق الفقهية.
الكرابيسي الحنفي، وعدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق للونشريسي المالكي.
6 -
عدم وجود كتاب مطبوع في هذا الفن في مذهب الحنابلة، بل ولا مخطوط مكتمل، سوى هذا الكتاب على حد علمي.
هذا، ولما بدأت في تحقيق الكتاب واجهتني بعض الصعوبات التي كادت أن تثنيني عن المضي في إتمامه، ومواصلة العمل على تحقيقه، إلا أن الله تعالى أعانني على ذلك ويسر، ومنحني العزم على الاستمرار فيه، حتى تم تحقيق الكتاب بفضل الله وتوفيقه، وكان من أبرز تلك الصعوبات ما يأتي:
1 -
عدم تمكني من الحصول إلا على نسخة واحدة، والعمل على نسخة واحدة فيه من المشقة والعناء ما لا يخفى على من مارس التحقيق واشتغل به، وبخاصة إذا لم تخل النسخة من تصحيف، وتحريف، وسقط، كما هو الحال في هذه النسخة - وقل أن تخلو نسخة مخطوطة من ذلك - مما جعلني أعاني في بعض الكلمات والمواضع التي حصل فيها شيء من ذلك معاناة شديدة في سبيل الوصول إلى معرفة صحة الكلمة، أو إتمام السقط الحاصل، وقد يستوقفني البحث عن ذلك في مصنفات الفقه الحنبلي، وغيرها من كتب فروق المذاهب الأخرى ساعات كثيرة، أو ربما أيامًا، حتى أصل إلى قرار تطمئن النفس إلى أنه هو المراد من كلام المصنف فأثبته.
ثم إنه بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات من العمل في تحقيق الكتاب استطعت - بفضل الله وتوفيقه - أن أحصل على نسخ من فروق السامري (أصل الكتاب المحقق) فزال بذلك كثير من مواضع الإشكال، واطمئننت إلى صحة ما أثبته، مما حصل عندي فيه تردد في تلك المواضع المشكلة.
2 -
أن من منهجي في تحقيق الكتاب توثيق مسائله وفروقه قدر الإمكان، وقد لاقيت في سبيل ذلك عناء ومشقة، وأخذ مني وقتًا طويلًا، وذلك لأن المصنف رحمه الله يورد مسائل دقيقة خفية لم أجدها عند غيره، إلا في أصل الكتاب (فروق السامري)، وليس من الممكن معرفة عدم وجودها في غيره إلا
بعد بحثها في كل ما توفر من كتب المذهب، كما أن بعض ما يورده من مسائل، مظنة لأن تذكر في عدة أبواب، وهذا يتطلب البحث عنها في عدد من الأبواب التي هي مظنة لذكرها فيها، ويكون ذلك بالبحث عنها في كل ما توفر من كتب المذهب المطبوعة - وهي كثيرة بحمد الله - ومن كتب مخطوطة أحيانًا، ثم بعد البحث الطويل قد أجد المسألة في عدد من المصادر، أو في مصدر واحد فأوثقها منه، أو ربما علقت عليها تعليقًا يسيرًا عند الحاجة إلى ذلك، وتارة أخرى وبعد البحث الطويل والجهد المضني لا أجد المسألة في أي كتاب من كتب المذهب، سوى أصل الكتاب (فروق السامري)، فالغالب أن مسائل الكتاب مذكورة فيه، فأوثقها منه، ولكن بعد أن لا أجدها في غيره، والقارئ ربما لا يدرك مدى ما بذل في سبيل ذلك من جهد وعناء، ووقت طويل، فيجد المسألة أمامه موثقة من كتاب أو كتب مشهورة، فيظن أن الاهتداء إليها أمر ميسور.
هذا، وقد اقتضى وضع الرسالة تقسيمها إلى قسمين، يسبقهما مقدمة:
* القسم الأول: الدراسة، ويشتمل على أربعة فصول.
* الفصل الأول: علم الفروق الفقهية.
* الفصل الثاني: عصر المؤلف.
* الفصل الثالث: حياة المصنف، وترجمة صاحب الأصل.
* الفصل الرابع: التعريف بكتاب إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل.
* القسم الثاني: التحقيق.
وقد أوضحت في مقدمة هذا القسم منهجي في تحقيق الكتاب، والخطوات التي سلكتها في ذلك.
فهذا عملي في الكتاب - بين يديك أيها القارئ الكريم - فما كان فيه من صواب فهو من فضل الله وتوفيقه، وما كان فيه من خطأ فهو مني، وجزى الله خيرًا من أبدى لي خطأً، أو أوضح لي عيبًا، وحسبي أني لم أدخر وسعًا في سبيل إظهار هذا العمل على أفضل صورة في مقدوري.
هذا واعترافًا بالفضل لأهله أسجل هنا جزيل شكري، ووافر تقديري لكل من أفادني في عملي في هذه الرسالة.
وأحق هؤلاء بالشكر والاعتراف له بالفضل بعد الله سبحانه وتعالى والدي الجليل الذي حرص على تربيتي وتوجيهي إلى تحصيل العلم الشرعي، وأفادني من علمه وتوجيهه الشيء الكثير، وفي هذه الرسالة على وجه الخصوص، فجزاه الله عني أحسن الجزاء، ومتعه بالصحة والعافية، وبارك في علمه وعمله.
ولشيخي الجليل الأستاذ الدكتور أحمد علي طه ريان شكري الجزيل، حيث أشرف على هذا الرسالة، ومنحني من وقته وتوجيهه شيئًا كثيرًا، فجزاه الله عني خير الجزاء.
كما أشكر كل من أفادني في هذه الرسالة من أساتذة وزملاء، وأخص بالذكر الدكتور سعود الثبيتي على تعاونه الكريم أثناء تحقيق الكتاب، ثم على تفضله بقراءة الكتاب قبيل طبعه، وإفادتي بملحوظات قيمة، كانت محل شكري وتقديري، وأخص أيضًا الأستاذ الدكتور حسين الجبوري، وشقيقي الدكتور عبد العزيز على ما لقيت منهم من إفادة وتعاون، ولجامعة أم القرى المباركة
ثنائي الكثير، وشكري الجزيل على ما تبذله من جهود مشكورة في سبيل العلم وطلابه، وأخص بالشكر المسؤولين في كلية الشريعة وقسم الدراسات العليا، ومركز إحياء التراث الإسلامي على ما يسروا من خدمات جليلة للعلم وطلابه.
وختامًا أسأل الله عز وجل أن يتقبل عملي هذا، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القسم الأول
الدراسة
ويشتمل على أربعة فصول:
الفصل الأول: علم الفروق الفقهية.
الفصل الثاني: عصر المؤلف.
الفصل الثالث: حياة المؤلف، وترجمة صاحب الأصل.
الفصل الرابع: التعريف بكتاب إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل.