الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواحدة الثلاث يستحيل، فلم يقع إلا واحدة (1).
فَصل
467 - إذا استثنى في الطلاق ونوى الاستثناء من أول إيقاع الطلاق إلى آخره، ووصله بآخر يمينه صح استثناؤه
(2).
ولو لم يخطر بباله الاستثناء، ولم يقصده حتى فرغ من الايقاع، ثم خطر بباله الاستثناء، فوصله في الكلام.
فقال السامري: لا أعرف فيها روايةً، وعندي: أنه لا ينفعه الاستثناء فيما بينه وبين الله عز وجل (3).
قال: والفرق: أنه إذا نوى الاستثناء من ابتداء إيقاع الطلاق، استحال الإيقاع بأول كلامه مع اقتران (4) قصد الاستثناء بأوله، ونفس الاستثناء بآخره.
بخلاف ما إذا تمَّ الإيقاع وانتهى عريًّا (5) عن قصد الاستثناء بآخره، ثم خطر بباله الاستثناء، فوصله به إلحاقا؛ لأن الإيقاع قد عمل عمله، ونفذ
(1) انظر: المغني، 7/ 239، الشرح الكبير، 4/ 444، كشاف القناع، 5/ 261.
وانظر الفصل في: فروق الجويني، ق، 236/ ب.
(2)
انظر: فروق السامري، ق، 105/ ب، (العباسية).
والصحيح في المذهب: أنه يشترط لصحة الاستثناء: الاتصال المعتاد لفظًا وحكمًا، وأن ينويه قبل تكميل المستثنى منه.
انظر: المحرر، 2/ 60، القواعد والفوائد الأصولية، ص 251 - 252، الإنصاف، 9/ 34 - 35، الإقناع، 4/ 21، منتهى الإرادات، 2/ 271.
(3)
انظر: فروق السامري، ق، 105/ ب، (العباسية).
وذكر القاضي وابن قدامة عن الإمام أحمد رواية: أنه يجوز الاستثناء إذا لم يطل الفصل بينهما، قال ابن قدامة:
(ويشترط على هذه الرواية: أن لا يطيل الفصل بينهما، ولا يتكلم بينهما بكلام أجنبي).
انظر: الروايتين والوجهين، 3/ 61، المغني، 8/ 715 - 716، الإنصاف، 11/ 26.
(4)
في الأصل (اقتراب) والتصويب من فروق السامري، ق، 105/ ب، (العباسية).
(5)
في الأصل (عزمًا) والتصويب من المصدر السابق.
حكمه بظاهر التنجيز السابق، فلا يفيد الاستثناء (1).
وحكى السامري عن بعض الشافعية (2) أنه قال: قد ادعى بعض مشايخنا الإجماع في هذه المسألة (3). قال: وذكرها في كتاب الإجماع (4).
قلت: أما حكاية الإجماع في هذه المسألة ففيها نظر من جهة: أن المسألة فيها آثارٌ وأحاديث تدل على خلاف ما حكي الإجماع عليه.
فقد روى مجاهد (5) عن ابن عباس: (أنه كان يرى صحة الاستثناء ولو بعد سنة) رواه سعيد بن منصور (6) في سننه (7) بإسناد صحيح.
(1) انظر الفرق في: المصدر السابق.
(2)
حكاه السامري في فروقه، ق، 106/ أ، (العباسية)، عن الإمام الجويني والد إمام الحرمين في كتابه الفروق.
(3)
وهي: أنه لا يصح الاستثناء حتى ينويه من أول الكلام.
وقد ادعى الإجماع على هذا: أبو بكر الفارسي الشافعي.
انظر: روضة الطالبين للنووي، 8/ 91.
(4)
انظر ما قاله الجويني في كتابه: الفروق، ق، 326/ ب، ولم يصرح باسم مدعي هذا الإجماع، مع الاشارة إلى أنه قد ذكر هذا الفصل كله بمسألتيه والفرق بينهما.
(5)
هو: أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي، المخزومي بالولاء، الإمام التابعي المشهور قال عنه النووي: اتفق العلماء على إمامته وجلالته وتوثيقه، وهو إمام في الفقه، والتفسير، والحديث.
توفي بمكة سنة 102 هـ، وله من العمر 83 سنة رحمه الله.
انظر: سير أعلام النبلاء، 4/ 449، تهذيب الأسماء واللغات، 2/ 83، تهذيب التهذيب، 10/ 42.
(6)
هو: أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني، الإمام، الحافظ، المحدث، المشهور صاحب السنن.
مات بمكة سنة 227 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء، 10/ 586، تهذيب التهذيب، 4/ 89، شذرات الذهب، 2/ 62.
(7)
رواه ابن جرير الطبري في تفسيره، 15/ 229، بسنده إلى سعيد بن منصور، وكذا رواه البيهقي في السنن الكبرى، 10/ 48، بسنده إلى سعيد بن منصور، والحاكم في المستدرك، 4/ 303، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وروى عكرمة (1) عن النبى صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "والله لأغزون قريشًا وسكت، ثم قال: إن شاء الله، قال ذلك ثلاًثا" رواه أبو داود (2) عن عكرمة هكذا مرسلًا، قال (3): وروي عن ابن عباس، ورواه الطبراني (4) وغيره من حديث ابن عباس مرفوعًا.
[وروي](5) عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه لما سألته اليهود عن لبث أهل الكهف قال: (غدًاِ أجيبِكم، فتأخر عنه الوحي بضعة عشر يومًا، ثم نزل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (6) الآية. فقال النبى صلى الله عليه وسلم استدراكًا للاستثناء: إن شاء الله) رواه الحافظ أبو بكر البيهقي (7)، فهذه الأحاديث والآثار تدل على صحة الاستثناء من غير نيةٍ، ثم لو أمكنهم تأويل قول ابن عباس، وحديث عكرمة: بأن تأخر الاستثناء كان مع وجود النية والعزم عليه، لم يمكنهم تأويل حديث سؤال اليهود على مثل ذلك؛ لأن
(1) هو أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله البربري، مولى ابن عباس، وأحد تلامذته المشهورين، من فقهاء مكة الأعلام، ومن أعلم الناس بالتفسير والمغازي.
مات بالمدينة، سنة 105 هـ، وله ثمانون سنة رحمه الله.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات، 1/ 340، طبقات المفسرين للداودي، 1/ 380، سير أعلام النبلاء، 5/ 12.
(2)
في سننه، 3/ 231، وعبد الرزاق في مصنفه، 8/ 518.
(3)
أي: أبو داود حيث قال في سننه بعد روايته للحديث المذكور عن عكرمة: وقد أسند هذا الحديث غير واحد عن
…
عن ابن عباس رضي الله عنه أسنده إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى، 10/ 47 - 48، عن ابن عباس مرفوعًا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(4)
قال في مجمع الزوائد، 4/ 182: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. ورواه أبو يعلى أيضًا.
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير، 4/ 166: قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه: الأشبه إرساله، وضعف ابن عدي فىِ الكامل، 2/ 743 - روايته عن ابن عباس مرفوعًا، وقال: والأصل في هذا الحديث مرسل.
(5)
زيادة يقتضيها السياق.
(6)
سورة الكهف، الآيتان (23، 24).
(7)
في دلائل النبوة، 2/ 270، وابن جرير الطبري في تفسيره، 15/ 191 - 192، لكن دون لفظ:(فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إن شاء الله) وهي محل الشاهد.
النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين وعدهم بالإخبار غدًا لم يكن يعلم مشروعية الاستثناء لينويه، بل تركه من غير نيةٍ، فلما أمر به الله قال: إن شاء الله، فدل على أن الاستثناء مع عدم النية يصح، ولولا ذلك لما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إن شاء الله.
ثم اشتراط السامري: النية مقارنة للنطق بالهمزة إلى حين الفراغ من قاف طالق لا دليل عليه، وإنما الذي ذكره متأخروا أصحابنا كأبي البركات (1)، وابن حمدان (2)، وغيرهما: وجود النية قبل الفراغ من المستثنى منه (3)، أما من حين ابتداء النطق فلا (4).
وأما المتقدمون وبعض المتأخرين كالشيخ أبي محمد، فإنهم لم يشترطوا وجود النية، بل اشترطوا الاتصال المعتاد بين المستثنى والمستثنى منه (5).
(1) في المحرر، 2/ 60.
(2)
انظر: الرعاية الكبرى مع شرحه الغاية القصوى، 3/ ق، 192/ ب.
وابن حمدان هو: أبو عبد الله أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان النميري، الحراني، الحنبلي، كان علامةً، فقيهًا، أصوليًا، أديبًا، صنف:"نهاية المبتدئين" في أصول الدين، و"الوافي" في أصول الفقه، و"الرعاية الصغرى"، و"الرعاية الكبرى"، وهما في الفقه، و"صفة الفتوى والمفتي والمستفتي" وغيرها.
ولد بحران سنة 603 هـ، وتوفي بالقاهرة سنة 695 هـ، رحمه الله.
انظر: ذيل طبقات الحنابلة، 2/ 331، المقصد الأرشد، 1/ 99، شذرات الذهب، 5/ 428.
(3)
وهو الصحيح في المذهب، كما تقدم بيانه أول هذا الفصل.
(4)
وقد ذهب إلى القول بهذا أبو عبد الله بن تيمية في كتابه الترغيب.
انظر: القواعد والفوائد الأصولية، ص 252، الإنصاف، 9/ 35، 11/ 27.
(5)
انظر: المغني، 7/ 164، 8/ 715 - 717.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية، ص 457: وللعلماء في الاستثناء النافع قولان:
أحدهما: لا ينفعه حتى ينويه قبل فراغه من المستثنى منه.
وهو قول الشافعي والقاضي أبي يعلى ومن تبعه.
الثاني: ينفعه وإن لم يرده إلا بعد الفراغ
…
وهذا هو مذهب أحمد الذي يدل عليه كلامه، وعليه متقدموا أصحابه، واختيار أبي محمد وغيره، وهو مذهب مالك وهو الصواب.
وقول المصنف: لأن الإيقاع عمل عمله ونفذ ممنوعٌ؛ لأنه إنما يعمل عمله لو تعرى (1) عن اتصاله بالاستثناء، أما مع إرادته الاستثناء فلا يعمل عمله؛ لأن الكلام لا يحكم به حتى يتم ويكمل، بدليل: ما لو قال: له عليَّ ألف مكسرةٌ، لم يحكم عليه بألفٍ مطلقةٍ، ولو قال: أنت طالق إن دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل، ولو لم يعتبر آخر الكلام للزمه ألفٌ (2) صحاحًا،
[55/أ] وطلقت/ قبل الدخول، فدل على أنه لا اعتبار للكلام حتى يتم، فإذا وصل المستثنى بالمستثنى منه كفى من غير احتياجٍ إلى نيةِ من أول الإيقاع إلى آخره.
فإن قيل: ما ذكرتم من الأحاديث تدل على عدم اشتراط الاتصال أيضًا، فلم اشترطتموه؟
فالجواب: أما حديث عكرمة فيحتمل أن سكوت النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان لعارضٍ منعه من الكلام، ومثل ذلك غير قاطع للاتصال، وأما سؤال اليهود فإن عدم العلم بمشروعية الاستثناء ينزل منزلة المانع من الكلام، ولهذا لما نزلت الآية بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاستثناء، ولم يؤخره، بل قال في الحال: إن شاء الله، وأما ما روي عن ابن عباس فهو من رأيه واجتهاده (3)، .............................
(1) في الأصل (تعدى) ولعل الصواب ما أثبته.
(2)
في الأصل (ألفا).
(3)
وقد ضعف كثير من أهل العلم الرواية عنه بذلك، وعلى تقدير صحتها فقد أوَّل العلماء ما رُوي عنه، فقال الفتوحي في شرح الكوكب المنير، 3/ 298:(حمل الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وجماعة من العلماء كلام ابن عباس رضي الله عنهما على نسيان قول: (إن شاء الله) منهم القرافي، قال ابن جرير: إن صح ذلك عن ابن عباس، فمحمول على أن السنة أن يقول الحالف (إن شاء الله) ولو بعد سنة، قال الحافظ أبو موسى المديني: إنه لا يثبت عن ابن عباس، ثم قال: إن صح هذا عن ابن عباس فيحتمل أن المعنى: إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت).
وقال الشوكاني في إرشاد الفحول، ص 148:(فالرواية عن ابن عباس قد صحت، ولكن الصحيح خلاف ما قاله).
* لطيفة: ذكر أن أبا بكر بن العربي رحمه الله قال: سمعت فتاة من بغداد تقول لجارتها: لو كان مذهب ابن عباس في الإستثناء صحيحًا، لما قال الله تعالى لأيوب عليه السلام:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} بل كان يقول: (استثن).
انظر: طبقات الشافعية الكبرى، 1/ 279.