الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المدين) إذا أدى عنه بغير إذنه؛ لخلاف المالكية وغيرهم على التفصيل السابق. وكذا عدم رجوعه وإن أداه بإذنه؛ ؟ لخلاف ابن حزم وغيره.
[88/ 11] مسألة: للمكفول مطالبة الكفيل بالدين بالاتفاق
.
إذا صحت الكفالة لزم الكفيل أداء الدين، وكان للمكفول له مطالبته به، وقد نقل الاتفاق على ذلك، كما نفي الخلاف فيه.
• من نقل الاتفاقَ: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال:"واتفقوا على أن من كان له على آخر حيِّ حقٌّ واجب من مال محدود قد وجب بعد، فضمنه عنه ضامن واحد بأمر الذي عليه الحق ورضي المضمون له بذلك وكان الضامن له غنيًا؛ فإن ذلك جائز، وللمضمون له أن يطالب الضامن بما ضمن له"(1).
الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال:"الضمان إذا صح لزم الضامن أداء ما ضمنه، وكان للمضمون له مطالبته ولا نعلم في هذا خلافًا، وهو فائدة الضمان"(2).
• الموافقون على الاتفاق: وافق على مطالبة المكفول له الكفيلَ بالدين، إلا أنه رأى سقوطه عن المكفول عنه الظاهرية، ونقله ابن حزم عن ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وأبي ثور، وأبي سليمان، ورُوِّيه عن الحسن وابن سيرين (3).
• مستند الاتفاق: قول النبي صلى الله عليه وسلم (4): "الزعيم غارم"(5). وحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أتي [أي النبي صلى الله عليه وسلم] بالثالثة [أي بالجنازة الثالثة] فقالوا: صلِّ عليها. قال: "هل ترك شيئًا؟ " قالوا: لا. قال: "فهل عليه دين؟ " قالوا:
(1) مراتب الإجماع: (ص 62).
(2)
المغني: (7/ 74).
(3)
المحلى: (8/ 113)، وفيه:"وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو ثور وأبو سليمان وجميع أصحابنا كما قلنا من أن الحق قد سقط جملة عن المضمون عنه ولا سبيل للمضمون له إليه أبدًا، وإنما حقه عند الضامن أنصفه أو لم ينصفه".
(4)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: المغني: (7/ 74).
(5)
سبق تخريجه (ص 157).
ثلاثة دنانير. قال: "صلوا على صاحبكم". قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول اللَّه، وعلى دينه، فصلى عليه (1).
• الخلاف في المسألة: خالف في ذلك أكثر الفقهاء؛ فقالوا: للمكفول له (الدائن) مطالبة أي من الكفيل والمكفول عنه، وهم الحنفية (2)، ومالك في رواية اختارا ابن القاسم (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، وحكاه عن الثورى والأوزاعى وإسحاقَ، ابنُ بطال (6).
• أدلة هذا القول:
1 -
قوله عليه السلام (7): "نفس المؤمن معلقة بِدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عنه"(8).
2 -
قوله صلى الله عليه وسلم في خبر أبي قتادة: "الآن بردت جلدته"(9) حين أخبره
(1) تخريجه (ص 195).
(2)
المبسوط للسرخسي: (20/ 51). وفيه: "وإذا كفل الرجل عن رجل بمال فللطالب أن يأخذ به أيهما شاء وبمطالبة أحدهما لا يسقط حقه في مطالبة الآخر".
(3)
المدونة: (4/ 103) بلاغ، وبداية المجتهد:(2/ 296)، وحاشية الدسوقي:(3/ 337) وفيه: "الكفيل لا يطالب بالحق في ملاء المكفول عنه وحضوره، هو الذي رجع إليه مالك وأخذ به ابن القاسم ورواه ابن وهب ابن رشد وهو أظهر، والقول المرجوع عنه أن الطالب مخير بين طلب الغريم أو طلب الضامن، وشرح صحيح البخارى لابن بطال:(6/ 420).
(4)
الأم: (7/ 118). وفيه: " (قال الشافعي) رحمه اللَّه تعالى: وإذا كان للرجل على الرجل المال وكفل به آخر فلرب المال أن يأخذهما وكل واحد منهما، ولا يبرأ كل واحد منهما حتى يستوفي ماله إذا كانت الكفالة مطلقة فإن كانت الكفالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل على ما شرط له دون ما لم يشرط له". وفتح الوهاب: (1/ 367).
(5)
المغني للموفق ابن قدامة: (7/ 90).
أما نفيه الخلاف في المسألة؛ فقصد به نفى خلاف مطالبة الكفيل مع بقاء مطالبة المكفول عنه (المدين) بدليل قوله: "المضمون عنه لا يبرأ بنفس الضمان كما يبرأ بنفس الحوالة قبل القبض؛ بل يثبت الحق في ذمة الضامن مع بقائه في ذمة المضمون عنه، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما". ومنار السبيل: (1/ 359).
(6)
شرح صحيح البخارى لابن بطال: (6/ 420).
(7)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: المغني: (7/ 85).
(8)
تخريجه (ص 194).
(9)
تخريجه (ص 196).
أنه قضى دينه (1).
3 -
لأن الكفالة وثيقة للدين فلا تنقل الحق عن المدين كالشهادة، وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المضمون عنه؛ فلأنه بالكفالة صار له وفاء، كمن مات وعليه دين له وفاء لم يؤدى بعد، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع عن الصلاة إذا كان المدين لم يخلف وفاء. وأما قوله: لعلي: (فك اللَّه رهانك كما فككت رهان أخيك)(2)، لأن كان بحال لا يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وجد الكفيل فقد فك رهن أخيه. وقوله صلى الله عليه وسلم:(برئ الميت منهما) يعني أن الكفيل صار هو المطالب بالدين، وكان ذلك من باب التأكيد بدليل أنه لما أُخبر النبي بالوفاء قال:(الآن بردت عليه جلدته). ويفارق الضمان الحوالة بأن الضمان ضم بين الذمتين، أما الحوالة فهي تحول ونقل للحق من ذمة إلى ذمة، أما جواز تعلق الدين الواحد في محلين، إنما هو على سبيل التوثيق كالرهن فالدين متعلق بذمة الراهن ويجوز استيفاءه من المرهون (3).
(1) المغني: (7/ 85).
(2)
سنن الدارقطني: (3/ 46، رقم: 194) - من طريق عطاء بن عجلان (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أتى بالجنازة لم يسئل عن شيء من عمل الرجل، ويسأل عن دَينه، فإن قيل عليه دين كف عن الصلاة عليه، وإن قيل ليس عليه دين صلى عليه، فأتى بجنازة، فلما قام ليكبر سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه: "هل على صاحبكم دين؟ " قالوا: ديناران، فعدل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عنه، وقال: "صلوا على صاحبكم" فقال علي رضي الله عنه: هما علي يا رسول اللَّه برئ منهما، فتقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فصلى عليه، ثم قال لعلي بن أبي طالب: "جزاك اللَّه خيرًا، فك اللَّه رهانك كما فككت رهان أخيك، إنه ليس من ميت يموت وعليه دين إلا وهو مرتهن بدينه، ومن فك رهان ميت؛ فك اللَّه رهانه يوم القيامة" فقال بعضهم: هذا لعلي عليه السلام خاصة أم للمسلمين عامة؟ فقال: "بل للمسلمين عامة". والبيهقي في السنن الكبرى وضعفه: (6/ 73) من طريق عطاء بن عجلان به. وقال: عطاء بن عجلان ضعيف، والروايات في تحمل أبي قتادة دين الميت أصح واللَّه أعلم. وقد ضعفه ابن حزم أيضًا كما سبق. المحلى:(8/ 115). كما روى نحوه البيهقي أيضًا في الموضع السابق من حديث أبي سعيد وضعفه أيضًا.
(3)
المغني: (7/ 85 - 86).