الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحتها، وأنه لا يجبر على قبولها؛ لخلاف الحنابلة والظاهرية ومن ذكرنا.
[132/ 5] مسألة: إذا بأن المحال عليه مفلسًا
.
هذه المسألة ذات فرعين: حيث نفيُ فيها الخلاف في أن المحال عليه إذا كان مفلسًا لم يكن للمحتال أن يرجع على المحيل بشيء، ونُقِلَ إجماعٌ مضاد له على أن للمحتال الرجوع على المحيل إذا كان مفلسًا على النحو التالي:
أولًا: قد نفي الخلاف في أنه إذا بأن المحال عليه مفلسًا لم يكن للمحتال [رب الدين] أن يرجع على المحيل [المديون] بشيء.
• من نفى الخلاف: الإمام المارودي ت 450 هـ، فقال:"روي أنه كان لحزن جد سعيد بن المسيب على علي بن أبي طالب رضي الله عنه مال فأحاله به على إنسان فمات المحال عليه، فرجع حزن إلى علي، وقال: قد مات من أحلتني عليه، فقال: قد اخترت علينا غيرنا، أبعدك اللَّه (1)، ولم يعطه شيئًا، فلو كان له الرجوع لما استجاز على أن يمنعه منه، وهو فعل منتشر في الصحابة لا نعرف له مخالفًا"(2).
• الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في كون المحتال لا يرجع على المحيل إذا بأن المحال عليه مفلسًا جمهور الفقهاء من المالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5) وهو الصحيح عندهم، وهو قول
(1) التحقيق في أحاديث الخلاف: (2/ 204) -ولم يتعقبه ابن الجوزي.
(2)
الحاوي الكبير: (6/ 421).
(3)
التمهيد لابن عبد البر: (18/ 295)، وفيه:"جملة مذهب مالك وأصحابه فيها أن من احتال بدين له على رجل على آخر فقد برئ المحيل ولا يرجع إليه أبدا أفلس أو مات"، ومنح الجليل:(6/ 194)، وفيه:(إن كان) إفلاسه بعد الإحالة فلا كلام للمحال".
(4)
الحاوي: (6/ 421)، وفيه:"إن أفلس المحال عليه أو جحد لم يكن للمحتال أن يرجع على المحيل بشيء"، وأسنى المطالب:(2/ 232).
(5)
المغني: (7/ 60)، وفيه:"إذا ثبت أن الحق انتقل فمتى رضي بها المحتال ولم يشترط اليسار لم يعد الحق إلى المحيل أبدا سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو فلس أو موت أو غير ذلك"، والكافي له:(2/ 123)، والإنصاف:(5/ 170).
إسحاق أبي عبيد والليث وأبي ثور (1).
إلا أن المالكية يرون أنه إن كان المحيل قد غره فأحاله على عديم رجع المحال على المحيل. كما يرون والحنابلة كذلك أن المحتال إذا اشترط أن يرجع على المحيل إن أفلس المحال عليه أو جحد أو مات؛ فله شرطه (2).
أما إذا لم يرض المحتال بالحوالة ثم بأن المحال عليه مفلسًا أو ميتًا رجع على المحيل بلا خلاف، كما نقله الموفق ابن قدامة (3).
• مستند نفي الخلاف:
1 -
ما روي أنه كان لجد حزن -جد سعيد بن المسيب- على علي بن أبي طالب رضي الله عنه مال فأحاله به على إنسان فمات المحال عليه، فرجع حزن إلى علي، وقال: قد مات من أحلتني عليه، فقال: قد اخترت علينا غيرنا، أبعدك اللَّه، ولم يعطه شيئًا" (4).
قال الإمام الماوردي عقب الاستدلال بهذا الحديث: "فلو كان له الرجوع لما استجاز على أن يمنعه منه"(5).
2 -
قوله صلى الله عليه وسلم (6): "وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع"(7).
• وجه الدلالة: قال الإمام المارودي: "فكان الدليل فيه من وجهين: أحدهما -وهو دليل الشافعي رضي الله عنه أنه لو كان له الرجوع لما كان لاشتراط الملاءة فائدة؛ لأنه إن لم يصل إلى حقه رجع؛ فلما شرط الملاءة؛ علم أن الحق قد انتقل بها انتقالًا لا رجوع له به، فاشترط الملاءة حراسة لحقه"(8).
(1) المغني: (7/ 60)، وشرح السنة للبغوى:(8/ 210)، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري:(12/ 154) كتاب الحوالات، باب في الحوالة وهل يرجع في الحوالة.
(2)
بداية المجتهد: (2/ 300)، ومنح الجليل:(6/ 194).
(3)
المغني: (7/ 62).
(4)
انظر الكلام عليه (ص 296).
(5)
الحاوي الكبير: (6/ 421).
(6)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: الحاوي: (6/ 421).
(7)
تخريجه (ص 288).
(8)
الحاوي: (6/ 421).
وقال الإمام أبو الوليد الباجي: "شرط الملاءة معنى في الحوالة، وذلك يقتضي أنه لا رجوع على المحيل، ولو كان للمحال عليه رجوع لما كان لشرط الملاءة؛ لأنه لا يخاف تلف دينه بإفلاسه"(1).
ثانيًا: قد نُقل الإجماع -كما نفى الخلاف أيضًا- على أنه إذا مات المحال عليه مفلسًا كان للمحتال الرجوع على المحيل.
• من نقل الإجماع: الإمام الكاساني الحنفي ت 587 هـ، فقال:"روي عن سيدنا عثمان رضي الله عنه أنه قال في المحال عليه إذا مات مفلسًا عاد الدين إلى ذمة المحيل، وقال: لا توى على مال امرئ مسلم. وعن شريح ذلك ذكره محمد في الأصل، ولم ينقل عن أحد من الصحابة خلافه فكان إجماعًا"(2).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذه المسألة أبو حنيفة، وصاحباه أبو يوسف ومحمد وأتباعهم (3). وذهب شريح وعثمان البتي والشعبى والنخعى إلى أن المحتال يرجع إذا أفلس حيًّا (4)، وهو وجه ثالث عند أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة (5).
(1) المنتقى: (6/ 454).
(2)
بدائع الصنائع: (6/ 18).
(3)
الكتاب مع شرحه اللباب: (1/ 213)، وفيه:"وتصح برضا المحيل والمحتال له والمحال عليه وإذا تمت الحوالة برئ المحيل من الدين، ولم يرجع المحتال على المحيل إلا أن يتوى حقه، والتوى عند أبي حنيفة حد أمرين: إما أن يجحد الحوالة ويحلف ولا بينة عليه، أو يموت مفلسًا. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: هذان ووجهٌ ثالثٌ، وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه في حال حياتها" والمبسوط: (20/ 86)، والاختيار لتعليل المختار:(3/ 4)، وبدائع الصنائع:(6/ 18)، والبحر الرائق:(6/ 267، 273).
(4)
شرح صحيح البخارى لابن بطال: (6/ 416)، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري:(12/ 154) كتاب الحوالات، باب في الحوالة وهل يرجع في الحوالة.
(5)
الكتاب للقدوري وشرحه اللباب: (1/ 213) وقد سبق نصه قبل هامش، وبدائع الصنائع:(6/ 18).
• مستند الإجماع:
1 -
حديث عثمان رضي الله عنه موقوفًا عليه ومرفوعًا؛ في المحتال عليه يموت مفلسًا، قال:"يعود الدين إلى ذمة المحيل، لا توى (1) على مال امرئ مسلم"(2).
• وجه الدلالة: قال الإمام السرخسي عقب استدلاله بهذا الأثر: ". . . حق الطالب كان في ذمة المحيل، فنقله إلى ذمة المحتال عليه بالحق الذي له، كما له أن ينقله إلى العين بالشراء، ثم هناك إذا هلكت العين قبل القبض عاد حقه في الدين كما كان، فكذلك هنا. . . "(3).
2 -
لأن الدين ثابت في ذمة المحيل قبل الحوالة، والإفلاس ليس بأداء، فيبقى الحق على الحال الأولى (4).
3 -
أن الحوالة ليست بقضاء ولا إبراء، غاية ما في الحوالة هو انتقال المطالبة من المحيل إلى المحتال عليه، فإذ تعذر الاستيفاء من المحال عليه عاد المحال إلى المحيل (5).
(1) توى: ضياع وخسارة، وهو من التوى، أي الهلاك. انظر: النهاية لابن الأثير: (1/ 201).
(2)
البيهقي في السنن الكبرى وضعفه: (6/ 71) -من طريق شعبة أخبرني خليد ابن جعفر قال سمعت أبا إياس عن عثمان بن عفان قال: ليس على مال امرئ مسلم توى -يعني حوالة- قال الشافعي في رواية المزني في الجامع الكبير: احتج محمد بن الحسن بأن عثمان بن عفان قال في الحوالة أو الكفالة: يرجع صاحبها، لا توى على مال مسلم.
فسألته عن هذا الحديث؛ فزعم أنه عن رجل مجهول عن رجل معروف منقطع عن عثمان.
فهو في أصل قوله يبطل من وجهين. . . قال الشيخ: الرجل المجهول في هذه الحكاية خليد ابن جعفر، وخليد بصري لم يحتج به محمد بن إسماعيل البخاري في كتاب الصحيح. . . وكان شعبة بن الحجاج إذا روى عنه أثنى عليه، واللَّه أعلم.
والمراد بالرجل المعروف أبو إياس معاوية بن قرة المزني، وهو منقطع كما قال: فأبو إياس من الطبقة الثالثة من تابعي أهل البصرة؛ فهو لم يدرك عثمان بن عفان، ولا كان في زمانه.
(3)
المبسوط: (20/ 86).
(4)
انظر: بدائع الصنائع: (6/ 18).
(5)
المرجع السابق.