الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2) إلى أنه يضمنه إذا تعدى، وإلا فلا.
• أدلة هذا الرأي:
1 -
حديث أبي هريرة (3)، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَغْلَقُ الرهنُ من صاحبه الذي رهنه (4)، له غنمه وعليه كرمه (5) "(6).
2 -
لأن المرتهن لو ضمن الرهن دون تعد لامتنع الناس من التداين خوفًا من الضمان (7).
3 -
لأن الضمان في ضرر عظيم؛ لأنه وسيلة إلى تعطيل المداينات، والضمان منفي شرعًا؛ لأنه وثيقة بالدين والوثيقة لا تضمن، ولا يحصل به الوفاء بهلاكها (8).
النتيجة:
عدم تحقق الإجماع على ضمان المرتهن الرهن مطلقًا لخلاف من خالف.
[110/ 18] مسألة: إذا ضاق مال الراهن عن ديونه وطالب الغرماء الوفاء بها فيقدم من له أرش جناية ثم من له رهن
.
إذا حدث هذا للراهن أو حجر عليه لفلسه، فيقدم من له أَرْشُ جنايةٍ، ثم
(1) الشرح الكبير للرافعي: (10/ 138)، وفيه:"المرهون أمانة في يد المرتهن لا يسقط بتلفه شيء من الدين، ولا يلزمه ضمانه إلا إذا تعدى فيه"، وروضة الطالبين:(4/ 96).
(2)
كشاف القناع: (3/ 341)، وفيه:" (وإن تلف) الرهن (بغير تعد منه) أي المرتهن (أو تفريط فلا شيء عليه) أي المرتهن".
(3)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: السابق: (3/ 339).
(4)
لا يَغْلَقُ الرهنُ: لا يذهب ويتلف باطلًا. شرح الزرقاني: (4/ 7).
(5)
له غنمه وعليه غنمه: قال الشافعي: "غنمه سلامته، وزيادته وغرمه عطبه ونقصه". الأم: (3/ 186).
(6)
صحيح ابن حبان: (13/ 258، رقم: 5934)، وسنن الدارقطني:(3/ 32، رقم: 126) وقال: هذا إسناد حسن متصل. والمستدرك على الصحيحين: (2/ 58، رقم: 2315) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الحافظ ابن حجر: "صححه عبد الحق وقبله ابن عبد البرد". الدراية في تخريج أحاديث الهداية: (2/ 257).
(7)
انظر: كشاف القناع: (3/ 341).
(8)
المرجع السابق.
من له رهن من بين سائر الغرماء، وقد نفي الخلاف في هذا.
• من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال:"إذا ضاق مال الراهن عن ديونه، وطالب الغرماء بديونهم أو حجر عليه لفلسه، وأريد قسمة ماله بين غرمائه؛ فأول من يقدم من له أَرْشُ جنايةٍ يتعلق برقبة بعض عبيد المفلس لما ذكرنا من قبل، ثم من له رهن؛ فإنه يخص بثمنه عن سائر الغرماء. . . ولا نعلم في هذا خلافًا"(1).
• الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في هذه المسألة المالكية في المشهور عندهم (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
• مستند نفي الخلاف:
1 -
لأن المرتهن تعلق حقه بعين الرهن، وذمة الراهن، أما سائر الغرماء فقد تعلق حقهم بالذمة فقط، فكان حقه أقوى (5).
2 -
لأن من مقاصد الرهن صيانة حق المرتهن عن مزاحمة سائر الغرماء (6).
(1) المغني: (6/ 531).
(2)
الذخيرة: (8/ 128)، وفيه:"وعن مالك: إذا بيع بماله أخذت الجناية من جميع ما بيع به ثم ينظر بعد ذلك إلى قدر ما زاد ماله في ثمنه فإن كان الصف فنصف الباقي بعد الجناية للمرتهن من دينه والباقي الزائد من جهة المال الذي لم يكن رهنا معه للغريم مع بقية الغرماء وهو الصواب"، وتفسير القرطبي:(3/ 414)، وفيه:"ورهن من أحاط الديْن بماله جائز ما لم يفلس، ويكون المرتهن أحق بالرهن من الغرماء، قاله مالك وجماعة من الناس. وروي عن مالك خلاف هذا -وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة- أن الغرماء يدخلون معه في ذلك وليس بشيء، لأن من لم يحجر عليه فتصرفاته صحيحة في كل أحواله من بيع وشراء، والغرماء عاملوه على أنه يبيع ويشتري ويقضي".
(3)
روضة الطالبين: (4/ 88)، وفيه:"المرتهن يستحق بيع المرهون عند الحاجة ويتقدم بثمنه على سائر الغرماء"، وفتح الوهاب:(1/ 335)، ومغني المحتاج:(2/ 134).
(4)
المغني: (6/ 531) وقد سبق نصه في حكاية نفي الخلاف، وكشاف القناع:(31/ 428).
(5)
المغني: (6/ 531).
(6)
المبسوط للسرخسي: (21/ 123).
• الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الحنفية (1)، وما روي عن مالك، وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة؛ أن الغرماء يدخلون مع المرتهن في ذلك (2).
وأدلتهم: لأن تصرفه صحيح في كل أحواله بيعا وشراء، وقد عامله الدائنون على أنه يبيع ويشتري ويقضي فكانوا كغيرهم من الغرماء (3).
وخالف كذلك الظاهرية؛ حيث ذهبوا إلى بطلان الرهن بموت الراهن، ولا يكون المرتهن أولى بثمن الرهن من سائر الغرماء حينئذ (4).
وأدلتهم:
1 -
قول اللَّه تعالى (5): {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ} [الأنعام: 164]. . . فإذا مات الراهن فإنما كان عقد المرتهن معه لا مع ورثته، وقد سقط ملك الراهن عن الرهن بموته، وانتقل ملكه إلى ورثته أو إلى غرمائه، وهو [المرتهن] أحد غرمائه، أو إلى أهل وصيته، ولا عقد للمرتهن معهم، ولا يجوز عقد الميت على غيره فيكون كاسبًا عليهم، فالواجب رد متاعهم إليهم (6).
2 -
قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (7): "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام"(8).
النتيجة:
عدم انعقاد الإجماع على كون المرتهن أحق بثمن الرهن من بين سائر الغرماء؛ إذا ضاق مال الراهن عن ديونه وطالب الغرماء بديونهم؛ لخلاف الظاهرية في حالة موت الراهن، وما روي عن مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة.
(1) بدائع الصنائع: (6/ 153)، وفيه:"لو كان على الراهن دين آخر كان المرتهن فيه أسوة الغرماء، وليس له أن يستوفيه من ثمن الرهن؛ لأن ذلك الدين لا رهن به فيتضارب فيه الغرماء كلهم".
(2)
الذخيرة: (8/ 128)، وتفسير القرطبي:(3/ 414) وقد سبق نصهما في ذلك.
(3)
المرجع السابق.
(4)
المحلى: (8/ 100)، وفيه:"إن مات الراهن أو المرتهن بطل الرهن ووجب رد الرهن إلى الراهن أو إلى ورثته، وحل الدين المؤجل، ولا يكون المرتهن أولى بثمن الرهن من سائر الغرماء حينئذ".
(5)
انظر الاستدلال بهذه الآية: السابق.
(6)
المرجع السابق.
(7)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: المحلى: (8/ 100).
(8)
مسلم: (2/ 886، رقم: 1218).