الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا تأخذ إلا مثله (1).
قال الإمام أبو الوليد الباجي في معرض الاستدلال بهذا الأثر: "ونهيه عن أن لا يأخذ إلا مثله؛ دليل على تحريم التفاضل فيه عندهم؛ لأنه لا خلاف أن الحنطة أفضل من الشعير، وأنه لو جاز ذلك لوجدوا بالحنطة من الشعير أفضل من مكيلتها فلم يذكروا ذلك؛ لأنه ممنوع عندهم، وهذا يقتضي أن الحنطة والشعير جنس واحد؛ لا يجوز التفاضل بينهما، وكذلك السلت عند مالك هو من جنسهما. . . وإذا ثبت أنها جنس واحد حرم فيها التفاضل"(2).
ولأنهما [أي الحنطة والشعير] أصبحا كالجنس الواحد لتقارب نفعهما فجرا فيهما الربا كجريانه في نوعي جنس واحد (3).
ذكر الموفق هذا الاستدلال لسعيد، ثم عقبه بقوله:"فلا يعول عليه، ثم يبطل بالذهب بالفضة؛ فإنه يجوز التفاضل فيهما مع تقاربهما"(4).
النتيجة:
عدم تحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في جواز بيع الربوي بغير جنسه متفاضلًا لخلاف مالك في حرمة بيع الحنطة بالشعير، وخلاف سعيد في حرمة بيع الذهب بالفضة.
[15/ 15] مسألة: الإجماع على شمول الجنس عدة أصناف
(5).
التمر جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافه كالأسود، وغير الأسود (6)،
(1) رواه مالك في الموطأ بلاغًا: (2/ 645، رقم: 1321) كتاب، باب بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما -أنه بلغه أن سليمان بن يسار. . . الحديث.
(2)
المنتقى شرح الموطأ: (6/ 320).
(3)
المغني: (6/ 54)، المنتقى شرح الموطأ:(6/ 320). .
(4)
المغني: (6/ 54).
(5)
ضابط ذلك: "كل شيئين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة؛ فهما جنس". الكافي للموفق ابن قدامة: (2/ 31).
(6)
شرح مشكل الآثار: (11/ 380) - للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ت 321 هـ، طبعة 1408 هـ، 1987 م - مؤسسة الرسالة - لبنان. تحقيق/ شعيب الأرنؤوط.
والعجوة، والبرني، والصيحاني (1)، ورفيعه، ووضيعه (2)، والمَعْقِلي، والإبراهيمي، والخاستوي وغيرها (3). والبر [أو القمح أو الحنطة] جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافه كالصيني والسمرة (4)، والأعلى، والأدنى، والوسط (5)، والجيد، والرديء، والجديد، والعتيق، والمقلو، وغير المقلو (6)، والريوز، والثمرة والسمراء، والحمولة وما أشبه ذلك (7)، والصعيدي، والبحيري (8)، والشعير جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافه كالأعلى، والأدنى، والوسط (9)، والجيد، والرديء، والجديد، والعتيق (10). والملح جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافه كالمعدني والمائي (11).
والذهب جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافه كالمصري والمغربي (12). والفضة جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافها من تبر أو عين (13).
وهكذا شمل كل جنس منها أو منوع منها أصنافًا متعددة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه.
• من نقل الإجماع: الإمام الطحاوي ت 321 هـ، فقال:"لم نجد بين أهل العلم اختلافًا أن الأسود من التمر وغير الأسود منه؛ جنس واحد"(14).
الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن أصناف القمح كلها نوع
(1) المحلى: (5/ 253).
(2)
التمهيد لابن عبد البر: (5/ 128).
(3)
المغني: (6/ 76).
(4)
مراتب الإجماع: (ص 36).
(5)
المحلى: (8/ 489).
(6)
بدائع الصنائع: (5/ 187).
(7)
الكافي لابن عبد البر: (ص 311).
(8)
المجموع شرح المهذب: (10/ 180).
(9)
المحلى: (8/ 489).
(10)
بدائع الصنائع: (5/ 187).
(11)
المحلى: (8/ 489).
(12)
المجموع شرح المهذب: (10/ 180).
(13)
التمهيد لابن عبد البر: (6/ 286).
(14)
شرح مشكل الآثار: (11/ 385)، ومغني المحتاج:(2/ 23)، وفيه أن أنواع تمر المدينة بلغ الأسود منه ستين نوعًا.
واحد. واتفقوا أن أصناف الشعير كلها صنف واحد. واتفقوا أن أصناف الملح كلها نوع واحد. واتفقوا أن أصناف التمر كلها نوع واحد" (1).
الإمام ابن عبد البر المالكي ت 463 هـ، فقال:"البر كله صنف واحد بإجماع، وإن اختلفت ألوانه وبعض صفاته وخاص أسمائه كالريوز والثمرة والمراء والحمولة وما أشبه ذلك، وكذلك الشعير كله صنف واحد، والتمر كله على اختلاف ألوانه وأسمائه الخاصة صنف واحد"(2).
الحافظ ابن حجر ت 852 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن الوتمر بالتمر لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلًا بمثل، وسواء فيه الطيب والدون، وأنه كله على اختلاف أنواعه جنس واحد"(3).
• الموافقون: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على أن كل نوع من الأعيان الربوية الستة يشمل عدة أصناف: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)،
(1) مراتب الإجماع: (1/ 85).
(2)
الكافي لابن عبد البر: (ص 311).
(3)
فتح الباري: (4/ 400).
(4)
بدائع الصنائع: (5/ 187)، وفيه: (الحنطة كلها على اختلاف أنواعها وأوصافها وبلدانها جنس واحد، وكذلك الشعير، وكذلك دقيقهما، وكذا سويقهما، وكذلك التمر، وكذلك الملح، وكذلك العنب، وكذلك الزبيب، وكذلك الذهب والفضة".
(5)
الكافي لابن عبد البر: (ص 311) ولفظه في حكايته الإجماع، والفواكه الدواني:(1/ 67)، شرح على مختصر سيدي خليل:(5/ 7)، وفيه: (وتمر. . وأصنافه كلها جنس واحد بلا خلاف" - للشيخ محمد عليش المالكي الديار.
(6)
الحاوي للماوردى: (5/ 120)، فيه:"التمر كله جنس، وليس اختلاف أنواعه دليلًا على اختلاف أجناسه"، والشرح الكبير:(5/ 569) للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الشافعي، والمجموع للنووي:(10/ 180)، وفيه:"أنواع التمر كلها كالمعقلي والبرنى وغير ذلك جنس واحد، وأنواع الحنطة كالصعيدي والبحيري وغيرهما جنس واحد، وأنواع الذهب كالمصري والمغربي وغيرهما جنس واحد".
والحنابلة (1) والظاهرية (2).
• مستند الإجماع:
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم (3): "التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح مثلًا بمثل يدًا بيد؛ فمن زاد أو استزاد؛ فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه"(4).
قال الإمام الطحاوي عقب إيراده هذا الحديث: "فتأملنا هذا الحديث، فوجدنا الألوان المذكورة فيه هي الأنواع من الأجناس المختلفات من هذه الأشياء التي يدخلها الربا لا ما سواها؛ لأنا لم نجد بين أهل العلم اختلافا أن الأسود من التمر وغير الأسود منه جنس واحد لا يباع باللون الآخر إلا مثلًا بمثل"(5).
2 -
حديث أبي سعيد الخدري (6) قال: جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"من أين هذا يا بلال؟ " قال: كان عندنا تمر رديء فبعت صاعين بصاع ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أوَّه! عين الربا، عين الربا. لا تفعل، ولكن إن أردت أن تشتري؛ فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتر به"(7).
(1) المغني: (6/ 76)، وفيه:"كل نوعين اجتمعا في اسم خاص فهما جنس كأنواع التمر وأنواع الحنطة، فالتمور كلها جنس واحد؛ لأن الاسم الخاص يجمعها وهو التمر وإن كثرت".
(2)
المحلى: (5/ 253) وفيه: "اسم بر يجمع أصناف البر، واسم تمر يجمع أصناف التمر، واسم شعير يجمع أصناف الشعير"، والمحلى:(8/ 489)، وفيه:"ولا يحل أن يباع قمح بقمح إلا مثلًا بمثل كيلًا بكيل يدًا بيد، عينًا بعين. . . ولا يحل أن يباع ملح بملح إلا كذلك، وسواء معدنيه أو ما ينعقد منه من الماء، كل ذلك لا يباع بعضه ببعض إلا كما ذكرنا. . وكذلك أصناف القمح فهي كلها قمح الأعلى، والأدنى، والوسط سواء فيما قلنا، وكذلك أقسام الشعير، وكذلك أقسام التمر".
(3)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: شرح مشكل الآثار: (11/ 379).
(4)
سبق تخريجه (ص 28).
(5)
شرح مشكل الآثار: (11/ 380).
(6)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: المجموع شرح المهذب: (10/ 180).
(7)
سبق تخريجه (ص 28).
قال الإمام السبكي في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "فأنواع التمر كلها كالمعقلي والبرنى وغير ذلك جنس واحد، وأنواع الحنطة كالصعيدي والبحيري وغيرهما جنس واحد وأنواع الذهب كالمصري والمغربي وغيرهما جنس واحد، وأنواع الزبيب كالأسود والأحمر وسائر أصنافه جنس واحد، والمعتمد فيه حديث بلال المتقدم، وإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: (التمر بالتمر والذهب بالذهب والحنطة بالحنطة) "(1).
3 -
قوله صلى الله عليه وسلم (2): "التمر بالتمر مثلًا بمثل"، فقيل له: إن عاملك على خيبر يأخذ الصالح بالصاعين؛ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ادعوه لي، فدعي له؛ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أتأخذ الصاع بالصاعين؟ " فقال: يا رسول اللَّه، لا يبيعونني الجَنِيْبَ بالجَمْعِ صاعًا بصاع، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"بع الجَمْعَ بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا"(3).
قال ابن عبد البر بعد هذا الحديث: "وفيه من الفقه أن التمر كله جنس واحد؛ رديئه وطيبه، ورفيعه ووضيعه"(4).
4 -
قوله عليه السلام (5) عن الأصناف الستة: "جيدها ورديئها سواء"(6).
• الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة.
النتيجة:
تحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف على أن كل جنس من الأعيان الربوية الستة يشمل جميع أصنافه.
(1) المجموع شرح المهذب: (10/ 180).
(2)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: التمهيد لابن عبد البر: (5/ 126 - 128).
(3)
الحديث أصله عند البخاري ومسلم وسبق تخريجه، لكن هذا اللفظ رواه مالك في الموطأ مرسلًا:(2/ 623، رقم: 1291) -عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار.
(4)
التمهيد: (5/ 128).
(5)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: المبسوط للسرخسي: (12/ 337).
(6)
لم أعثر على هذا الحديث ولكن قال الحافظ ابن حجر: "حديث: (جيدها ورديئها سواء) لم أجده، ومعناه يؤخذ من إطلاق حديث أبي سعيد"، الدراية في تخريج أحاديث الهداية:(2/ 156).