الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة سعيد بن جبير (1)؛ فقال بوقوع ربا الفضل عند وجود شيئين يتقارب الانتفاع بهما كالحنطة بالشعير والتمر بالزيت والذرة بالدهن (2). ولا يعول على خلافه -كما قال الموفق ابن قدامة- لمخالفته النص.
• أدلة هذا الرأي: لأنهما يتقارب نفعهما فجريا مجرى نوعي جنس واحد.
ذكر الموفق هذا الاستدلال لسعيد، ثم عقبه بقوله:"فلا يعول عليه، ثم يبطل بالذهب بالفضة؛ فإنه يجوز التفاضل فيهما مع تقاربهما"(3).
النتيجة:
تحقق الاتفاق على كون ربا الفضل لا يكون؛ إلا عند اتحاد الجنس.
[13/ 13] مسألة: الإجماع على أن بيع الربوي بجنسه متفاضلًا حرامٌ
.
بيع الأموال الربوية بجنسها متفاضلة يدًا بيد أو نسيئة أي إلى أجل؛ حرام، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا.
• من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال:"وأجمعوا على أن السّتّة الأصْنَاف، متفاضلاً يدًا بيد ونسيئة؛ لا يجوز أحدهما، وهو حرام"(4).
الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال:"واتفقوا على أنه لا يجوز بيع الحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح، والتمر بالتمر، إذا كان بمعيار إلا مثلًا بمثل، ويدًا بيد"(5).
الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، حيث قال: "أجمع العلماء على أن
(1) هو الإمام أبو عبد اللَّه سعيد بن جبير بن هشام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد الكوفي، كان أحسب الناس للمواريث وأجمعهم لعلم الفقه والحلال والحرام والتفسير وسواها. توفي سنة 95. انظر: طبقات الفقهاء: (ص 82) للإمام الشيرازي القلم، وسير أعلام النبلاء:(4/ 321).
(2)
المغني: (6/ 54).
(3)
السابق.
(4)
الإجماع: (ص 54، رقم: 487).
(5)
الإفصاح لابن هبيرة: (1/ 276)، واختلاف الأئمة العلماء له:(1/ 358).
التفاضل والنساء مما لا يجوز واحد منهما في المصنف الواحد من الأصناف التي نص عليها في حديث عبادة بن الصامت" (1).
الإمام الكاساني ت 587 هـ، فقال:"وأما بيع المكيل المطعوم بجنسه متفاضلًا، وبيع الموزون المطعوم بجنسه متفاضلًا؛ كبيع قفيز (2) أرز بقفيزي أرز، وبيع مَنٍّ (3) سكر بمَنَوَيْ سكرٍ؛ فلا يجوز بالإجماع"(4).
• الموافقون على الإجماع: وافق جمهور الصحابة، وجمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على حرمة بيع الربوي بجنسه متفاضلًا: الحنفية (5)، والمالكية (6)،
(1) بداية المجتهد: (2/ 129).
(2)
قفيز: "القَفِيز مِكْيال يَتَواضَع الناسُ عليه، وهو عند أهل العِراق ثمانية مَكاكِيك النهاية لابن الأثير:(4/ 90)، والمكُّوك: صاع ونصف، والصاع الشرعي أو البغدادي قدره (2176) جرام، وفي تقدير آخر للصاع وهو الشائع أنه (2751) جرام، ويساوي القفيز أيضًا (33) لترًا، أو (128) رطلًا بغداديًّا، والرطل البغدادي يساوي 408 جرامات. انظر: الفقه الإسلامي وأدلته: (1/ 119).
(3)
منّ: المَنُّ لغة في المَنَا، وهو رطلان، قيل أو وزن يكيلون به السمن وغيره. وتثنيته مَنَوانِ ومَنَّان ومَنَيانِ. وجمعه: أَمْناء، وأَمْنانٌ. انظر: لسان العرب: (13/ 419، 15/ 297).
(4)
بدائع الصنائع: (6/ 58).
(5)
الكتاب مع شرحه اللباب: (1/ 154)، وفيه:"إذا عدم الوصفان الجنس والمعنى المضموم إليه؛ حل التفاضل والنساء"، وإذا وجدا حرم التفاضل والنساء، وإذا وجد أحدهما وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء"، وبدائع الصنائع: (5/ 185)، وفيه: "أما بيع المكيل المطعوم بجنسه متفاضلا وبيع الموزون المطعوم بجنسه متفاضلا كبيع قفيز أرز بقفيزي أرز وبيع من سكر بمنوي سكر فلا يجوز بالإجماع".
(6)
موطأ مالك: (2/ 646)، وفيه:"ولا يباع شيء من الطعام والأدم إذا كان من صنف واحد اثنان بواحد، فلا يباع مد حنطة بمدي حنطة، ولا مد تمر بمدي تمر، ولا مد زبيب بمدي زبيب، ولا ما أشبه ذلك من الحبوب والأدم كلها إذا كان من صنف واحد؛ وإن كان يدا بيد؛ إنما ذلك بمنزلة الورق بالورق والذهب بالذهب؛ لا يحل في شيء من ذلك الفضل ولا يحل إلا مثلًا بمثل يدًا بيد"، والاستذكار:(6/ 394)، وشرح ميارة:(1/ 482)، والفواكه الدواني:(1/ 67)، والشرح الكبير للدردير:(3/ 60) - لأبي البركات أحمد العدوى المالكي الشهير بـ "الدردير".
والشافعية (1)، والحنابلة (2).
• مستند الإجماع:
1 -
حديث عبادة بن الصامت (3) أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، يدًا بيد، ولكن بيعوا الذهب بالورق، والورق بالذهب، والبر بالشعير، والشعير بالبر، والتمر بالملح، والملح بالتمر، يدًا بيد، كيف شئتم"(4).
2 -
حديث عثمان بن عفان (5)، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين"(6).
3 -
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري (7): "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، سواء بسواء، مثل بمثل، من زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء"(8).
(1) المهذب: (1/ 272)، فيه:"فأما ما يحرم فيه الربا فينظر فيه فإن باعه بجنسه حرم فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض"، والمجموع شرح المهذب:(9/ 404).
(2)
المغني: (6/ 53)، وفيه:"كل ما كيل أو وزن من سائر الأشياء فلا يجوز التفاضل فيه إذا كان جنسا واحدا"، وشرح الزركشي:(2/ 13).
(3)
انظر الاستدلال بهذا الحديث وبالثلاثة بعده: الحاوي للماوردي: (5/ 73، 76).
(4)
هذا أحد ألفاظ حديث عبادة، وقد أخرجه مسلم (كما سبق ص 28)، وهذا اللفظ رواه الشافعي في المسند:(ص 147).
(5)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: الحاوي للماوردي: (5/ 76).
(6)
م: (3/ 1209، رقم: 1585) كتاب المساقاة، باب الرباب عن عثمان. . . الحديث.
(7)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: الحاوي للماوردي: (5/ 76).
(8)
هذا أحد ألفاظ حديث أبي سعيد الخدري، وقد خرج عند مسلم (كما في ص 28). وهذا اللفظ رواه: أحمد في المسند: (3/ 66) عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا. .، وأبو يعلى في مسنده:(2/ 422، رقم: 1217).
4 -
حديث أبي هريرة (1)، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما"(2).
5 -
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة (3): "من زاد أو ازداد فقد أربى"(4).
قال الإمام السرخسي عقب استدلاله بهذا الحديث: "ففي الحديث حكمان: حرمة النساء في هذه الأموال عند المبايعة بجنسها، وهو متفق عليه، وحرمة التفاضل"(5).
6 -
حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة (6)، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري، واستعمله على خيبر، فقدم بتمر جَنِيْبٍ، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجَمْعَ. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لا تفعلوا، ولكن مثلًا بمثل، أو بيعوا هذا، واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان"(7).
قال الإمام الصنعاني عقب الاستدلال بهذا الحديث: "والحديث دليل على أن بيع الجنس بجنسه يجب فيه التساوي، سواء اتفقا في الجودة والرداءة أو اختلفا، وأن الكل جنس واحد. وقوله: وقال في الميزان مثل ذلك، أي قال فيما كان يوزن إذا بيع بجنسه مثل ما قال في المكيل، إنه لا يباع متفاضلًا، وإذا أريد مثل ذلك بيع بالدراهم، وشري ما يراد بها"(8).
• الخلاف في المسألة: لم يعرف مخالفٌ في هذه المسألة إلا ما اشتهر عن
(1) انظر الاستدلال بهذا الحديث: الحاوي للماوردي: (5/ 77).
(2)
مسلم (3/ 1212، رقم: 1588 (عن أبي هريرة. . .
(3)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: المبسوط: (12/ 196).
(4)
تخريج حديث عبادة بتمامه (ص 28).
(5)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: المبسوط: (12/ 196).
(6)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: سبل السلام: (3/ 38).
(7)
البخاري (6/ 2675، رقم: 6918)، ومسلم (3/ 1215، رقم: 1593).
(8)
سبل السلام: (3/ 38).
ابن عباس أنه يجوز التفاضل في هذه الأموال، وروي مثله أيضًا عن أسامة بن زيد، وزيد ابن أرقم، وابن الزبير، والبراء (1).
وقد أشار السبكي في تكملتِه (المجموعَ) شرح المهذب إلى هؤلاء مع جماعة آخرين هم: ابن عمر وابن مسعود ومعاوية من الصحابة، وعطاء بن أبي رباح، وفقهاء المكيين، وسعيد، وعروة من التابعين، وقد أسند عن أكثرهم ما يدل على قولهم بهذا الرأي، كما أسند عن بعضهم الرجوع عن هذا الرأي (2).
والمشهور كما سبق أنه قول ابن عباس، ثم إنه رجع إلى قول الجماعة، روى ذلك الأثرم بإسناده، وقاله الترمذي وابن المنذر وغيرهم (3).
وقد قال الإمام السرخسي عقب حكايته ذلك الرأي عن ابن عباس: "ولا معتبر بهذا القول؛ فإن الصحابة لم يسوغوا له هذا الاجتهاد"(4).
• أدلة هذا الرأي: حديثا أسامة بن زيد مرفوعًا (5): "لا ربا إلا في النسيئة"(6).
قال الإمام الماوردي ناقلًا وجه استدلال المخالفين بهذا الحديث: "فلما أثبت الربا في النسيئة؛ دل على انتفاء الربا في النقد"(7).
وقد رد عليهم الماوردي قائلًا: "وأما حديث أسامة، وقوله: (إنما الربا في
(1) سنن الترمذي: (3/ 542)، والمبسوط للسرخسي:(12/ 196)، والمغني:(6/ 52)، وبداية المجتهد:(2/ 128).
(2)
المجموع شرح المهذب: (10/ 26).
(3)
المغني: (52/ 6).
(4)
المبسوط: (12/ 196).
(5)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: الحاوي للماوردي: (5/ 76)، والمغني:(6/ 52)، وبداية المجتهد:(2/ 128).
(6)
تخريجه (ص 29).
(7)
الحاوي للماوردي: (5/ 76).