الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دفع المال إليه، ولو لم يؤنس منه الرشد (1).
• أدلة هذا الرأي:
1 -
قوله تعالى (2): {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6].
قال الإمام السرخسي عقب ذكره هذه الآية دليلًا لأبي حنيفة: "معناه: أن يكبروا يلزمكم دفع المال إليهم"(3).
هذا على أن السرخسي رد هذا القول، فقال:"ألا ترى أن عند البلوغ إذا لم يؤنس منه الرشد لا يدفع المال إليه بهذه الآية؛ فكذلك إذا بلغ خمسًا وعشرين؛ لأن السفه يستحكم بمطاولة المدة؛ ولأن السفه في حكم منع المال منه بمنزلة الجنون والعته، وذلك يمنع دفع المال إليه بعد خمس وعشرين سنة كما قبله فكذلك السفه"(4).
النتيجة:
عدم تحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في وجوب دفع المال للصبي إذا بلغ بشرط الرشد؛ لخلاف لأبي حنيفة السابق.
[213/ 22] مسألة: لا يبرأ الوصي إذا دفع المال للموصى عليه إلا إذا أشهد عدولًا
.
لا يبرأ الوصي إذا دفع مال الموصى عليه إليه؛ إلا بإشهاد العدول على هذا الدفع، وقد نقل الاتفاق على هذا.
• من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال:"واتفقوا على أن من دفع من الأوصياء المذكورين إلى من نظره بعد بلوغ اليتيم ورشده ما له عنده، وأشهد على دفعه بينة عدل؛ أنه قد برئ، ولا ضمان عليه"(5).
• الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على ضرورة الإشهاد عند دفع المال للموصى عليه، وأن الوصي لا يبرأ إلا بهذا:
(1) المبسوط: (24/ 299)، وفيه:"فإن بلغ خمسًا وعشرين سنة ولم يؤنس منه الرشد دفع المال إليه في قول أبي حنيفة رحمه الله".
(2)
المبسوط للسرخسي: (24/ 300).
(3)
المرجع السابق.
(4)
المرجع السابق.
(5)
مراتب الإجماع: (ص 111).
المالكية في المشهور عندهم (1)، والشافعية في ظاهر مذهبهم والصحيح عندهم (2)، وهو احتمال عند الحنابلة قواه المرداوي (3)، والظاهرية (4).
(1) المدونة: (4/ 339)، والذخيرة:(7/ 180، 8/ 17)، وتفسير القرطبي:(5/ 45)، وفيه:"إن كل مال قبض على وجه الأمانة بإشهاد لا يبرأ منه إلا بالإشهاد على دفعه، لقوله تعالى: {فَأَشْهِدُوا} [النساء: 6] فإذا دفع لمن دفع إليه بغير إشهاد فلا يحتاج في دفعها لإشهاد إن كان قبضها بغير إشهاد. واللَّه أعلم". والشرح الكبير للدردير: (4/ 456)، وفيه:" (والقول له) أي للوصي وكذا وصيه ومقدم القاصي والكافل (في قدر النفقة، لا في تاريخ الموته و) لا في (دفع ماله) إليه (بعد بلوغه) رشيدًا، فلا يقبل قول الوصي ومن في حكمه ممن تقدم على المشهور"، ومنح الجليل:(9/ 591)، وفيه:"ولا يصدق الوصي في دعوى دفع ماله أي المحجور إليه بعد البلوغ والرشد على المشهور وقال عبد الملك يصدق فيه ".
(2)
الأم: (7/ 82)، وفيه:"قال اللَّه عز وجل: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} الآية. ففي هذه الآية معنيان: أحدهما الأمر بالإشهاد وهو في مثل معنى الآية قبله -واللَّه تعالى أعلم- من أن يكون الأمر بالإشهاد دلالة لا حتمًا. . . والمعنى الثاني أن يكون ولي اليتيم المأمور بالدفع إليه ماله والإشهاد به عليه يبرأ بالإشهاد عليه إن جحده اليتيم ولا يبرأ بغيره، أو يكون مأمورًا بالإشهاد عليه على الدلالة"، وفيه:"إذا ادعى قيم اليتيم أو الوصي دفع المال إليه بعد البلوغ لم يقبل إلا ببينة على الصحيح "، والشرح الكبير:(11/ 83)، وفيه:"إذا قيم اليتيم أو الوصي دفع المال إليه بعد البلوغ فظاهر المذهب أنه لا يقبل قوله بل يحتاج إلى البينة. . . ". الحاوي للماوردي: (6/ 526)، والوسيط:(4/ 492، وروضة الطالبين: (6/ 321)، وجواهر العقود:(1/ 359).
(3)
الشرح الكبير لابن قدامة: (4/ 532)، وفيه:" (ومتى زال الحجر عنه فادعى على الولي تعديًا أو ما يوجب ضمانًا، فالقول قول الولي، وكذلك القول قوله في دفع المال إليه بعد رشده) لأنه أمين فأشبه المودع، ويحتمل أن القول قول الصبي لأن أصله معه، ولأن اللَّه سبحانه قال: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] فمن ترك الإشهاد؛ فقد فرط فلزمه الضمان، والأول المذهب"، والإنصاف:(5/ 253)، وفيه بعد حكاية القول الأول:"ويحتمل أن لا يقبل قوله إلا ببينه. قلت: وهو قوى".
(4)
المحلى: (10/ 251)، وفيه:"لم نجز دعواه للدفع إلا حتى يأتي بالبينة وقضينا باليمين على اليتيم إن لم يأت المولى بالبينة على أنه قد دفع إليه ماله ".
• مستند الاتفاق:
1 -
قوله تعالى (1): {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6]. قال الإمام شمس الدين ابن قدامة في معرض الاستدلال بهذه الآية: "يحتمل أن القول قول الصبي؛ لأن أصله معه، ولأن اللَّه سبحانه قال: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} فمن ترك الإشهاد فقد فرط؛ فلزمه الضمان"(2). وقال الإمام الرافعي أيضًا: "واحتج له أيضًا بأن اللَّه تعالى قال: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ} أَمَرَ بالإشهاد، ولو كان قوله [أي بأنه دفع المال إليه دون بينة] مقبولًا لما أَمَرَ"(3).
2 -
لأن اللَّه تعالى إنما جعل الوصي أمينًا على الحفظ، ؛ أما الدفع فليس وصيًّا عليه (4).
3 -
لأن الأصل عدم الدفع، فاحتاج إلى إشهاد (5).
4 -
لأن البينة على الدفع لا تعسر، فمن قصر في ذلك غرم (6).
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية (7)، والمالكية في
(1) انظر الاستدلال بهذه الآية: الحاوي للماوردي: (6/ 526)، والشرح الكبير لابن قدامة:(4/ 532)، والذخيرة:(7/ 180، 8/ 17)، والشرح الكبير للرافعي:(11/ 83).
(2)
الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة: (4/ 532).
(3)
الشرح الكبير للرافعي: (11/ 83).
(4)
الذخيرة: (7/ 180).
(5)
الشرح الكبير للرافعي: (11/ 83).
(6)
انظر: مغني المحتاج: (3/ 78).
(7)
تبيين الحقائق: (2/ 252)، وفيه:" (والإشهاد مندوب إليها) أي الإشهاد على الرجعة. . . وقال مالك والشافعي رحمهما اللَّه لا تصح لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} أمر به وهو للوجوب، ولنا النصوص المطلقة كقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ}، {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}، وكقوله صلى الله عليه وسلم: "مر ابنك فليراجعها"، من غير قيد بالإشهاد واشتراطها زيادة. . . والأمر في الآية محمول على الندب، يدل عليه أنه قرنها بالمفارقة، وهي ليست شرطًا فيه، فكذا في الرجعة لاستحالة إرادة معنيين مختلفين بلفظ واحد، وهو يحتمل الندب كقوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} ، وكقوله تعالى:{فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} . وعمدة القاري: (14/ 82) كتاب الوصايا، باب قول اللَّه تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى. . .} ، وسيأتي نصه أثناء الاستدلال في المتن.