الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند أبي داود بلفظ: أتي النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز، ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو بسبعة دنانير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا. حتى يتميز بينه وبينه" فقال: إنما أردت الحجارة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا. حتى يتميز بينهما"(1).
قال الإمام ابن حزم عقب استدلاله بهذين اللفظين: "فهذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يلتفت نيته في أنه إنما كان غرضه الخرز، ويكون الذهب تبعًا، ولا راعى كثرة ثمن من قلته، وأوجب التمييز والموازنة ولا بد"(2).
2 -
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن لا يباع الذهب والفضة بشيء من نوعهما إلا عينًا بعين، فإذا خلط أو كان مضافا إليه شيء؛ فلا سبيل إلى تحقيق أمر النبي صلى الله عليه وسلم بيعه عينًا بعين (3).
النتيجة:
عدم تحقق نفي الخلاف على جواز بيع الربوي بغير جنسه، ومعه من جنسه؛ لخلاف من سبق من الفقهاء.
[20/ 20] مسألة: الإجماع على فسخ عقد البيع المتضمن للربا
.
إذا المرء باع بيعًا أربى فيه، كأن باع ذهبًا بذهب أو فضة بفضة أو برًّا ببر أو شعيرًا بشعير أو تمرًا بتمر أو ملحًا بملح متفاضلًا أو نسيئة. أو باع بشرط أن يسلفه أو يقرضه أو شرط المشتري ذلك عليه، فالبيع محرم وفاسد وباطل ومفسوخ، وقد نقل الإجماع على هذا كما قد نفي الخلاف فيه.
• من نقل الإجماع:
1 -
الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال كما نقله عنه السبكي: "أجمع عوام [كذا] الأمصار: مالك بن أنس، ومن تبعه من أهل المدينة، وسفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق، والأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام، والليث بن سعد ومن وافقه من أهل مصر، والشافعي وأصحابه، وأحمد،
(1) رواه أبو داود (3/ 249، رقم: 3351) عن فضالة بن عبيد. . .
(2)
المحلى: (8/ 496).
(3)
المرجع السابق: (8/ 495).
وإسحق، وأبو ثور، والنعمان [أبو حنيفة]، ويعقوب [أبو يوسف]، ومحمد بن الحسن (1)[الشيباني] على أنه لا يجوز بيع ذهب بذهب، ولا فضة بفضة، ولا بر ببر، ولا شعير بشعير، ولا تمر بتمر، ولا ملح بملح متفاضلًا يدًا بيد ولا نسيئة، وأن من فعل ذلك؛ فقد أربى، والبيع مفسوخ" (2).
2 -
الإمام أبو القاسم المهلب ابن أبي صفرة التميمي ت 433 هـ (3)، فقال:"لا خلاف بين العلماء أن كل من باع بيعًا فاسدًا أن بيعه مردود، وقول النبي عليه السلام: (أوَّهْ عين الربا) (4)؛ دليل على فسخ البيع؛ لأن اللَّه تعالى قد أمر بذلك في كتابه، وقضى برد رأس المال بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278] "(5).
3 -
الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال:"وفي اتفاق الفقهاء على أن البيع إذا وقع بالربا مفسوخ أبدًا؛ دليل واضح على أن بيع عامل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصاعين بالصاع في هذا الحديث (6)؛ كان قبل نزول آية الربا، وقبل أن يتقدم إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالنهي عن التفاضل في ذلك"(7).
4 -
الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "ولو باعه بشرط أن يسلفه أو يقرضه، أو شرط المشتري ذلك عليه؛ فهو محرم، والبيع باطل. . . ولا أعلم
(1) ساقطة من الأصل، والسياق يقتضيها.
(2)
المجموع شرح المهذب: (10/ 40).
(3)
هو الإمام أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أسيد التميمي الأسدي الأندلسي، من أهل العلم الراسخين المتفننين في الفقه والحديث، ولي قضاء مالقة، شرح صحيح البخاري، واختصره اختصارًا مشهورًا سماه:"النصيح في اختصار الصحيح"، توفي سنة (433 هـ). انظر ترجمته: الديباج المذهب: (ص 348) -للإمام برهان الدين فرحون المالكي المدني، وسير أعلام النبلاء:(17/ 579).
(4)
يقصد حديث بلال رضي الله عنه، وقد سبق تخريجه.
(5)
نقل نفيَ الخلاف عن المهلب ابنُ بطال في شرحه صحيح البخاري: (6/ 450).
(6)
يقصد حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، وقد خرج (ص 108).
(7)
التمهيد لابن عبد البر: (5/ 129)، والاستذكار له:(6/ 328).
فيه خلافًا" (1).
• الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (2) والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5) على أن عقد البيع المتضمن الربا فاسد مفسوخ، وهو قول من ذكر ابن المنذر في حكايته الإجماع السابق.
• مستند الاتفاق: قوله تعالى (6): {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
قال الإمام الكاساني في معرض الكلام عن هذه المسألة: "لو انتفت [أي المماثلة بين البدلين في أموال الربا] فالبيع فاسد؛ لأنه بيع ربا، والبيع الذي فيه ربا فاسد؛ لأن الربا حرام بنص الكتاب الكريم، قال اللَّه عز وجل: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] "(7).
2 -
حديث أبي سعيد الخدري (8) قال: جاء بلال بتمر برني فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من أين هذا"؟ فقال بلال: من تمر كان عندنا رديء، فبعت صاعين
(1) المغني: (6/ 334).
(2)
المبسوط: (12/ 193)، وفيه:"الفضل الخالي عن العوض إذا دخل في البيع كان ضد ما يقتضيه البيع؛ فكان حرامًا شرعًا، واشتراطه في البيع مفسد للبيع"، وفي:(14/ 10)، وفيه:"وإن العقد الفاسد يستحق فسخه ورده"، وبدائع الصنائع:(5/ 183)، وفيه:"والبيع الذي فيه ربا فاسد"، والبحر الرائق:(6/ 136).
(3)
الفواكه الدواني: (3/ 1087)، والتمهيد:(5/ 129)، وفيه:"والبيع إذا وقع محرمًا أو على ما لا يجوز فمفسوخ مردود وإن جهله فاعله"، والاستذكار له:(6/ 328).
(4)
حاشية قليوبي: (2/ 212)، وفيه:" (وتعتبر المماثلة) أي يقصد وجودها، أو لا بد منها، أو توجد وتتحقق، أو تتوقف صحة البيع عليها".
(5)
المغني: (6/ 334)، وفيه:"إذا اشترط القرض زاد في الثمن لأجله فتصير الزيادة في الثمن عوضًا عن القرض وربحا له وذلك ربا محرم ففسد كما لو صرح به؛ ولأنه بيع فاسد فلا يعود صحيحًا كما لو باع درهمًا بدرهمين ثم ترك أحدهما".
(6)
انظر الاستدلال بهذه الآية: بدائع الصنائع: (5/ 183).
(7)
بدائع الصنائع: (5/ 183).
(8)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: التمهيد لابن عبد البر: (5/ 129)، والاستذكار له:(6/ 327)، وتفسير القرطبي:(3/ 358).
منه بصاع ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند ذلك:"أوَّه! عين الربا، لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري التمر؛ فبعه ببيع آخر، ثم اشتر به"(1).
وفي رواية: أُتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتمر، فقال:"ما هذا التمر من تمرنا" فقال الرجل يا رسول اللَّه بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"هذا الربا، فردوه، ثم بيعوا تمرنا، واشتروا لنا من هذا"(2).
قال الإمام ابن عبد البر في معرض الاستدلال لهذا المسألة: "وقد روى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر برد هذا البيع، وذلك محفوظ من حديث بلال، ومن حديث أبي سعيد الخدري أيضًا"(3).
وقال الإمام القرطبي عقب استدلاله بهذين الحديث بلفظيه: "قال علماؤنا: قوله: (أوه عين الربا) أي هو الربا المحرم نفسه لا ما يشبهه. وقوله: (فردوه) يدل على وجوب فسخ صفقة الربا، وأنها لا تصح بوجه"(4).
3 -
قوله صلى الله عليه وسلم (5): "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد"(6).
قال الإمام ابن عبد البر في معرض الاستدلال لهذا المسألة: "والبيع إذا وقع محرمًا فهو مفسوخ مردود، وإن جهله فاعله. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) "(7).
(1) تخريجه (ص 68).
(2)
هذا اللفظ أحد ألفاظ حديث أبي سعيد الخدري، وقد رواه مسلم:(3/ 1216، رقم: 1594) بلفظ مثلا بمثل.
(3)
التمهيد لابن عبد البر: (5/ 129)، والاستذكار له:(6/ 327).
(4)
تفسير القرطبي: (3/ 358).
(5)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: الاستذكار: (6/ 327).
(6)
البخاري رقم (2550) عن عائشة بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد". ومسلم: رقم (1718) عن عائشة بلفظه كما بالمتن، وعنده أيضًا بلفظ البخاري.
(7)
الاستذكار: (6/ 327).
4 -
حديث يحيى بن سعيد (1)، أنه قال: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم السعدين (2) أن يبيعا آنية من المغانم من ذهب أو فضة، فباعا كل ثلاثة بأربعة عينًا، أو كل أربعة بثلاثة عينًا؛ فقال لهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أربيتما فَرُدَّا"(3).
قال الإمام ابن عبد البر في معرض استدلاله بهذا الخبر: "وفي قوله. . (أربيتما فردا) دليل على أن البيع الحرام مردود أبدًا؛ فإن فات رجع فيه إلى [القيمة عند] الفقهاء"(4).
وقال الإمام السرخسي أيضًا: "لأن مباشرته [أي العقد الفاسد] معصية، والإصرار على المعصية معصية؛ فلهذا قال صلى الله عليه وسلم: (أربيتما فردا) "(5).
• الخلاف في المسألة: ليس هناك خلاف في هذه المسألة؛ إلا أن الخفية يرون أن العقد وإن كان فاسدًا إلا أنه لا يفسخ إن كان العوض مقبوضًا.
فقال السرخسي مثلًا: "الفضل الخالي عن العوض إذا دخل في البيع كان ضد ما يقتضيه البيع؛ فكان حرامًا شرعًا، واشتراطه في البيع مفسد للبيع"(6).
ومؤدى كلامه أن العوض ما لم يكن مشروطًا لم يفسد البيع. وفصل ابن نجيم أكثر فقال: "من جملة صور البيع الفاسد جملة العقود الربوية، يملك العوض فيها بالقبض"(7).
• ودليلهم على هذا: أن الربا وسائر البيوع الفاسدة من قبيل ما كان مشروعًا بأصله دون وصفه (8).
(1) انظر الاستدلال بهذا الحديث: الاستذكار (6/ 351)، والمبسوط:(14/ 10).
(2)
السعدان هما: سعد بن مالك [أبي وقاص]، وسعد بن عبادة. انظر: التمهيد لابن عبد البر: (24/ 104 - 106)، والمجموع شرح المهذب:(10/ 67).
(3)
موطأ مالك: (2/ 632، رقم: 1297) به.
(4)
الاستذكار: (6/ 351).
(5)
المبسوط: (14/ 10).
(6)
المبسوط: (12/ 193).
(7)
البحر الرائق: (6/ 136).
(8)
المرجع السابق.