الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني مسائل الإجماع في عقد المضاربة
[265/ 1] مسألة: جواز المضاربة
. المضاربة، والمقارضة، والقِراض كلها بمعنى واحد، وهي عقد شركة في الربح بمال رجل، وعمل من آخر (1)، وهي جائزة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه.
• من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن القِراض بالدنانير والدراهم جائز"(2).
الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن القِراض كما ذكرنا فى التجارة المطلقة جائز"(3)
(1) قاله الجرجاني في التعريفات: (ص 278). وفيه: "المضاربة: مفاعلة من الضرب، وهو السير في الأرض، وفي الشرع: عقد شركة. . . " الخ.
وقال ابن الأثير: "القِراض، المُضارَبة في لُغة أهل الحجاز، يقال: قَارَضَه يقارِضُه قِراضًا ومُقارَضة". النهاية في غريب الحديث: (4/ 41).
وقال الإمام الماوردي: "القراض معناه والمضاربة اسمان لمسمى واحد، فالقِراض لغة أهل الحجاز، والمضاربة لغة أهل العراق. وفي تسميته قراضا تأويلان: أحدهما. . أنه سمي بذلك؛ لأن رب المال قد قطعه من ماله، والقطع يسمى قراضًا. . . والتأويل الثاني. . أنه سمي قراضًا؛ لأن لكل واحد منهما صنعًا كصنع صاحبه في بذل المال من أحدهما، ووجود العمل من الآخر، مأخوذ من قولهم: قد تقارض الشاعران إذا تناشدا. وأما المضاربة ففي تسميتها بذلك تأويلان: أحدهما أنها سميت بذلك؛ لأن كل واحد منهما يضرب في الربح بسهم، والثاني أنها سميت بذلك؛ لأن العامل يتصرف فيها برأيه واجتهاده مأخوذ من قولهم فلان يصرف الأمور ظهرًا لبطن. .). الحاوي:(7/ 305).
وقال الإمام ابن مودود الحنفي: "سمي هذا النوع من التصرف مضاربة؛ لأن فائدته وهو الربح لا تحصل غالبًا إلا بالضرب في الأرض، وهي بلغة الحجاز مقارضة". الاختيار: (3/ 20). وقال الإمام ابن تيمية: "وسموا المضاربة فراضًا؛ لأنها في المقابلات نظير القرض في التبرعات". مجموع الفتاوى: (29/ 102).
(2)
الإجماع: (ص 58، رقم: 527).
(3)
مراتب الإجماع: (ص 93).
الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ؛ فقال: "والقِراض مأخوذ من الإجماع الذي لا خلاف فيه عند أحد من أهل العلم"(1). وقال أيضًا: "أصل هذا الباب إجماع العلماء على أن المضاربة سنة معمول بها مسنونة قائمة"(2).
الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ؛ فقال: "واتفقوا على جواز المضاربة"(3).
الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ فقال: "وأما الإجماع فإنه روي عن جماعة من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم أنهم دفعوا مال اليتيم مضاربة. . . ولم ينقل أنه أنكر عليهم من أقرانهم أحد ومثله يكون إجماعًا"(4).
الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "لا خلاف بين المسلمين في جواز القِراض"(5).
الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "أجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة"(6).
الإمام الأسيوطي المنهاجي ت 880 هـ؛ فقال: "اتفق الأئمة رحمهم اللَّه تعالى على جواز المضاربة"(7).
• الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: وافق على الإجماع على جواز المضاربة في الجملة جمهور أهل العلم: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11)،
(1) الاستذكار: (7/ 3).
(2)
السابق: (7/ 4).
(3)
الإفصاح: (2/ 6).
(4)
بدائع الصنائع: (6/ 79).
(5)
بداية المجتهد: (2/ 236).
(6)
المغني: (7/ 133).
(7)
جواهر العقود: (1/ 194).
(8)
المبسوط: (22/ 36)، والهداية:(3/ 202)، وبدائع الصنائع:(6/ 79).
(9)
الكافي لابن عبد البر: (ص 384)، وبداية المجتهد:(2/ 236)، وقد سبق نصه في حكاية نفي الخلاف، والذخيرة:(6/ 24)، والفواكه الدواني:(3/ 1189)، والاستذكار:(7/ 3).
(10)
الحاوي للماوردي: (7/ 307)، الشرح الكبير للرافعي:(12/ 2)، وجواهر العقود:(1/ 194).
(11)
المغني: (7/ 133)، وقد سبق نصه في حكاية الإجماع، وشرح الزركشي:(2/ 144).
والظاهرية (1)، وهو مروي عن عمر وعثمان وعلى وابن مسعود وعبد اللَّه بن عمر وعائشة وحكيم بن حزام وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم (2).
• مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف:
1 -
قوله تعالى (3): {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198].
قال الماوردي في استدلاله بالآية: "وفي القراض ابتغاء فضل وطلب نماء"(4).
2 -
قوله تعالى (5): {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275].
3 -
قوله تعالى (6): {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20].
4 -
قوله عليه السلام (7): "دعوا الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض"(8).
قال الإمام الماوردي في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "وفي القراض رزق بعضهم من بعض"(9).
5 -
حديث أسلم مولى عمر بن الخطاب (10) قال: خرج عبد اللَّه وعبيد اللَّه ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قفلا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل، ثم قال: لو أقدر لكما على
(1) المحلى (8/ 248)، وفيه:"القراض كان في الجاهلية وأقره الشرع".
(2)
انظر: الاستذكار: (7/ 4)، وبدائع الصنائع:(6/ 79)، والمغني:(7/ 134)، والشرح الكبير للرافعي:(4/ 12).
(3)
انظر الاستدلال بهذه الآية: الحاوي للماوردي: (7/ 305).
(4)
الحاوي للماوردي: (7/ 305).
(5)
انظر الاستدلال بهذه الآية: الذخيرة: (6/ 24).
(6)
انظر الاستدلال بهذه الآية: بدائع الصنائع: (6/ 79).
(7)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: الحاوي للماوردي: (7/ 305).
(8)
مسلم: (3/ 1157، رقم: 1522) عن جابر به مرفوعًا.
(9)
الحاوي للماوردي: (7/ 305).
(10)
الحاوي للماوردي: (7/ 306)، والمهذب:(1/ 384)، والذخيرة:(6/ 24).
أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال اللَّه أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه، فتبتاعان به متاعًا من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا ذلك، ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكلُّ الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا. فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه. فأما عبد اللَّه فسكت، وأما عبيد اللَّه؛ فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه، فقال عمر: أدياه. فسكت عبد اللَّه، وراجعه عبيد اللَّه. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضًا، فقال عمر: قد جعلته قراضًا، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد اللَّه وعبيد اللَّه ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال (1).
6 -
ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (2)، أنه قال: كان سيدنا العباس ابن عبد المطلب إذا دفع المال مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرًا، ولا ينزل به واديًا، ولا يشتري به دابة ذات كبد رطبة؛ فإن فعل ذلك ضمن، فبلغ شرطُه رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فأجاز شرطه (3).
7 -
خروج النبي عليه السلام في قراض بمال خديجة رضي الله عنها (4).
8 -
لقيام الحاجة إليها؛ فالناس بين غني بالمال غني عن التصرف فيه،
(1) موطأ مالك: (2/ 687، رقم: 1372) كتاب القراض، باب ما جاء في القراض -عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال. . . الحديث.
قلت: الأثر صحيح، إسناده متصل، ورجاله ثقات، رجال الصحيحين.
(2)
بدائع الصنائع: (6/ 79).
(3)
رواه الدارقطني في السنن وضعفه: (3/ 78، رقم: 290) -من طريق أبي الجارود عن حبيب بن يسار عن ابن عباس به. وقال: أبو الجارود ضعيف، والبيهقي في الكبرى وضعفه أيضًا:(6/ 111).
(4)
الحاوي للماوردي: (7/ 305)، والمحلى:(8/ 247).