الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني المسائل المجمع عليها في عقود المداينات والتوثيقات
التمهيد: التعريف بالمداينات وأدلة مشروعيتها
.
أولًا: تعريف بالمداينات وأدلة مشروعيتها:
أ - تعريف المداينات: جمع مفرده (مداينة).
وهي لغة: مصدر من الفعل (داين)(1)؛ ومعناه: تعامل بـ (الدَّين)(2).
والدَّين: القرضُ. والقرض في لغة أهل الحجاز يسمى السَّلَفُ (3).
قال الفيومي ت 770 هـ: "الرجل (يَدِينُ)(دَيْنًا) من المداينة. . . يقال (دِنْتُهُ) إذا أقرضته فهو (مَدِينٌ) و (مَدْيُونٌ) واسم الفاعل (دَائِنٌ). .
وقوله تعالى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] أي: إذا تعاملتم بدين من سلم وغيره فثبت بالآية وبما تقدم أن (الدَّيْنَ) لغة هو القرض" (4).
وقال المناوي ت 1029 هـ: "القرض لغة: المداينة، والإعطاء بالجزاء"(5).
وقال الزبيدي ت 1205 هـ: "ودنته، بالكسر دينًا، وأدنته إدانة أعطيته إلى أجل، فصار عليه دين"(6).
والمداينة شرعًا: دفعُ جائزِ التصرف من ماله قدرًا معلومًا يصح تسلمه لمثله بصيغة لينتفع به، ويرد بدَله (7).
وقال الطبري ت 310 هـ: "لو قال داينْه اليوم فما داينتَه به اليومَ من شيء فهو عليَّ، فأَقرضه في ذلك اليوم وباعه متاعًا بألف درهم وقبضه؛ لزم الكفيل
(1) معجم لغة الفقهاء: (7/ 2).
(2)
المعجم الوسيط: (1/ 307).
(3)
المجموع شرح المهذب: (13/ 170).
(4)
المصباح المنير: (1/ 205).
(5)
التوقيف على مهمات التعاريف: (ص 580).
(6)
تاج العروس من جواهر القاموس: (35/ 50).
(7)
قاله المناوي في تعريف القرض، في التعاريف:(ص 580).
المال؛ لأن القرض وثمن البيع يدخل في المداينة" (1).
ب - دليل مشروعية المداينات:
ذكر بعض المعاصرين: إن المداينة لم تكن مشروعة في أول الإسلام لأجل الضيق فلما فتحت الفتوحات شرعت للتمكن من الأداء حينئذ.
ومن قال ذلك يرى أن دليل عدم المشروعية في أول الأمر رفضُه صلى الله عليه وسلم الصلاةَ على الجنائز التى كان على أصحابها ديونٌ، حتى يضمن ضامن أداء هذا الدين؛ فيصلى عليه صلى الله عليه وسلم حينئذ.
وقد ساق القرافي ت 684 هـ، عدة أحاديث في ذلك الأمر (2)، منها حديث سلمة بن الأكوع (3)، ثم قال: "فائدة: امتناعه صلى الله عليه وسلم من الصلاة؛ يدل على أن الميت كان عاصيًا بسبب الدين، مع أن المداينة جائزة، ولا سيما وفي بعض الأحاديث:(الآن بردت جلدة صاحبك)(4). ويدل أيضًا على أن هذا الذنب كبيرة، فإن هذا الزجر العظيم إنما يكون بسبب كبيرة، وإلا فما من ميت إلا وله صغيرة بل صغائر.
وأجاب العلماء عنه بأربعة أجوبة:
أحدها: أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك إحسانًا لا زجرًا؛ ليبادر الناس إلى قضاء الدين عن المعسر.
(1) اختلاف الفقهاء: (1/ 240) - للإمام أبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري.
(2)
الذخيرة: (9/ 202).
(3)
البخاري (2/ 799، رقم: 2168) عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ضمن حديث طويل، وفيه: ثم أتي [أي النبي صلى الله عليه وسلم] بـ الثالثة [أي بالجنازة الثالثة] فقالوا: صلِّ عليها. قال: "هل ترك شيئًا؟ " قالوا: لا. قال: "فهل عليه دين؟ " قالوا: ثلاثة دنانير. قال: "صلوا على صاحبكم". قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول اللَّه، وعلى دينه فصلى عليه.
(4)
لم أجده بهذا اللفظ، وإنما بلفظ:"الآن برَّدْتَ عليه جلدَه"، كما في: مسند أحمد: (3/ 330). والمستدرك على الصحيحين: (2/ 66، رقم: 2346) - من طريق عبد اللَّه بن محمد ابن عقيل عن جابر كما عند أحمد. ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي فقال: "صحيح".
وثانيهما: ليكف المعسرون عن المداينة بحسب الإمكان.
وثالثهما: أن المداينة لم تكن مشروعة في أول الإسلام لأجل الضيق فلما فتحت الفتوحات شرعت للتمكن من الأداء حينئذ.
ورابعها: أن صلاته صلى الله عليه وسلم تقضي الرحمة والمغفرة وتكفير الذنوب، ومع الدين لا يحصل فكاك منه إلى يوم القيامة؛ لأن حق الآدمي لا يسقطه إلا صاحبه أو يأخذه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في حديث أنس:(هل عليه دين؟ ) قالوا: نعم. قال: (فما تنفعه صلاتي، وذمته مرتهنة بدينه، فلو قام أحدكم فضمنه، فصليت عليه، كانت صلاتي تنفعه)(1) ".
أما أدلة المشروعية: قوله تعالى (2): {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]. وعموم قوله تعالى (3): {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ} [المزمل: 20].
- قوله صلى الله عليه وسلم (4): "ومن فرَّج عن مسلم كربةً؛ فرج اللَّه عنه كربةً من كربات يوم القيامة"(5).
وقوله صلى الله عليه وسلم (6): "من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا؛ نفَّس اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر؛ يسر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة"(7).
(1) المعجم الأوسط للطبراني: (5/ 258، رقم: 5253) عن أنس بن مالك قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأتي برجل يصلي عليه، فقال:"هل على صاحبكم دين؟ " قالوا: نعم. قال: فما ينفعكم أن أصلي على رجل روحه مرتهن في قبره، لا تصعد روحه إلى السماء، لو ضمن رجل دينه، فصليت عليه؛ إن صلاتي تنفعه"، وسنن البيهقي الكبرى: (6/ 75)، وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الحميد بن أمية وهو ضعيف". مجمع الزوائد:(3/ 40).
(2)
انظر الاستدلال بهذه الآية: المحلى: (8/ 77).
(3)
انظر الاستدلال بهذه الآية: الروض المربع: (ص 237)، وحاشية الروض المربع:(5/ 36، ما بعدها).
(4)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: المجموع شرح المهذب: (13/ 162).
(5)
البخاري (2/ 862، رقم: 2310)، ومسلم (4/ 1996، رقم: 2580).
(6)
انظر الاستدلال بهذا الحديث: مغني المحتاج: (2/ 117)، وحاشية الروض المربع:(5/ 36).
(7)
أبو داود (4/ 287، رقم: 4946)، والترمذي (4/ 326، رقم: 1935) وقال: هذا حديث حسن. والنسائي في الكبرى: (4/ 309، رقم: 7288) عن أبي هريرة به.