الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• القونوي (1)(978 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع العين الطاهرة صحيح](2).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: المالكية، وابن حزم من الظاهرية (3).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (4).
الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: "إن اللَّه ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" فقيل: يا رسول اللَّه! أرأيت شحوم الميتة، فإنها: يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال:"لا هو حرام"(5).
• وجه الدلالة من الدليلين: أن اللَّه جل جلاله جعل الأصل في البيوع الحل، ثم جاءت السنة باستثناء بعض أنواع البيوع المحرمة، كما في حديث جابر؛ وذلك لتحقق النجاسة في بعضها، فدل على أن ما كان طاهرا فإنه باق على الأصل وهو الإباحة.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
22] بطلان بيع الحُرِّ:
• المراد بالمسألة: معلوم أن الناس إما أحرار وإما عبيد، والعبيد يعتبرون أموالا
(1) قاسم بن عبد اللَّه ابن مولانا خير الدين أمير بن علي القونوي الرومي الحنفي، من آثاره:"أنيس الفقهاء في تعريف الألفاظ المتداولة بين الفقهاء". توفي عام (978 هـ). ولم أعثر على غير هذا في ترجمته، وذكر هذا محقق كتابه. "معجم المؤلفين"(8/ 105)، "هدية العارفين"(1/ 832)، مقدمة كتاب "أنيس الفقهاء"(ص 11).
(2)
"أنيس الفقهاء"(ص 200).
(3)
"مواهب الجليل"(4/ 258)، "شرح الخرشي على مختصر خليل"(5/ 15)، "كفاية الطالب الرباني"(2/ 138)، "المحلى"(7/ 515).
(4)
البقرة: الآية (275).
(5)
أخرجه البخاري (2236)، (ص 416)، ومسلم (1581)، (3/ 978).
يباعون ويشترون، بخلاف الأحرار فليسوا بأموال، ومن باع حرا من بني آدم، عالمًا متعمدًا، فالبيع باطل بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع الحر باطل](1).
• الطحاوي (322 هـ) يقول: [. . . وهذا -أي: بطلان بيع الحر - قول أهل العلم جميعا](2).
• ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع أحرار بني آدم، في غير التفليس، لا يجوز](3). نقله عنه ابن القطان (4).
• البيهقي (5)(458 هـ) لما روى حديث سُرَّق (6) في قصة بيع النبي صلى الله عليه وسلم له لما إدَّان من الناس وكثر دينه (7)، تكلم عن ضعفه وجعل من قرائن ضعفه الإجماع، فقال:[وفي إجماع العلماء على خلافه. . .](8).
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [من السنة المجتمع عليها: أن لا يباع
(1)"الإجماع"(ص 128)، "الإشراف"(6/ 9).
(2)
"شرح معاني الآثار"(4/ 157).
(3)
"مراتب الإجماع"(ص 154)، وقد ذكر أن في بيع الحر في التفليس خلافا في "المحلى"(7/ 504)، و"الإحكام"(5/ 729)، و"المراتب"(ص 98).
(4)
"الإقناع" لابن القطان (4/ 1775).
(5)
أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر البيهقي الخسروجردي ولد عام (384 هـ) سمع الكثير ورحل وجمع وصنف حتى قيل: إنه صنف ألف جزء، قال الجويني:[ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منّة إلا البيهقي فإنه له على الشافعي منَّة] لتصنيفه في نصرة المذهب، من آثاره:"السنن الكبرى" و"الصغرى"، "معرفة السنن والآثار"، "المبسوط في جمع نصوص الشافعي". توفي عام (458 هـ). "طبقات ابن شهبة"(1/ 221)، "طبقات السبكي"(4/ 8)، "طبقات ابن الصلاح"(1/ 332).
(6)
سُرَّق - بضم أوله وتشديد الراء، وقيل بتخفيفها - الجهني. ويقال: الأنصاري. ويقال: الديلي، كان اسمه الحباب فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، صحابي نزل مصر وشهد فتحها. مات في خلافة عثمان، "الاستيعاب"(2/ 684)، "أسد الغابة"(2/ 415)، "الإصابة"(3/ 45).
(7)
أخرجه البيهقي في "الكبرى"(11056)، (6/ 50). وضعفه لضعف رواته.
(8)
"السنن الكبرى"(6/ 50).
الحر] (1).
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع الحر، لا يجوز بيعه، ولا يصح](2).
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولا يجوز بيع الحر، ولا ما ليس بمملوك، ولا نعلم في ذلك خلافًا](3).
• النووي (676 هـ) يقول: [بيع الحر، باطل بالإجماع](4).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولا يجوز بيع الحر، ولا ما ليس بمملوك، كالمباحات قبل حيازتها وملكها، لا نعلم في ذلك خلافًا](5).
• ابن حجر (852 هـ) يقول: [استقر الإجماع على المنع](6) يقصد بيع الحر. نقله عنه الشوكاني (7).
• الصنعاني (1182 هـ) يقول: [. . وكذا بيع الحر، مجمع على تحريمه](8).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال اللَّه تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره"(9).
• وجه الدلالة: أن اللَّه توعد هؤلاء الثلاثة بالوعيد الشديد، ومنهم: الذي باع الحر وأكل ثمنه، وهذا يفيد تغليظ التحريم، بل عده بعض العلماء من كبائر
(1)"التمهيد"(22/ 180).
(2)
"الإفصاح"(1/ 271).
(3)
"المغني"(6/ 359).
(4)
"المجموع"(9/ 289).
(5)
"الشرح الكبير" لابن قدامة (11/ 48 - 49).
(6)
"فتح الباري"(4/ 488).
(7)
"نيل الأوطار"(5/ 353).
(8)
"سبل السلام"(2/ 116).
(9)
أخرجه البخاري (2227)، (ص 415).
الذنوب (1).
والسبب في التغليظ أن المسلمين أكفاء في الحرية، فمن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح اللَّه له، وألزمه الذل الذي أنقذه اللَّه منه، قال ابن الجوزي (2):[الحر عبدُ اللَّه، فمن جنى عليه، فخصمه سيده](3).
الثاني: ما جاء عن الزهري أنه قال: [كانت تكون على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ديون على رجال، ما علمنا حرًّا بيع في دين](4).
• المخالفون للإجماع:
قد حكي الخلاف في المسألة عن بعض الصحابة والتابعين، فممن حكي عنه الخلاف: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد جاء أن رجلا باع نفسه، فقضى عمر بأنه عبد، وجعل ثمنه في سبيل اللَّه (5).
وكذا جاء عن علي رضي الله عنه أنه قال: [إذا أقر على نفسه بالعبودية، فهو عبد](6).
وذكر ابن حزم عن زرارة بن أوفى (7) أنه باع حرا في دين.
(1) ينظر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر"(1/ 367).
(2)
عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي القرشي الحنبلي، شيخ وقته، وإمام عصره، نظر في جميع الفنون وألف فيها، كان من القائمين على أهل البدع، متعصب للمذهب، واعظ مؤثر، من آثاره:"زاد المسير في علم التفسير"، "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية"، "التحقيق في أحاديث التعليق". توفي عام (597 هـ)." ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 399)، "المقصد الأرشد"(2/ 93).
(3)
"فتح الباري"(4/ 488).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(8/ 286)، وأبو داود في "المراسيل"(ص 162).
(5)
أخرجه ابن حزم في "المحلى"(7/ 504)، من طريق قتادة عن عبد اللَّه بن بريدة وقد ذكره ابن حجر في "فتح الباري"(4/ 488)، من دون ذكر ابن بريدة وعزاه لابن أبي شيبة، وقد بحثت عن الأثر في "المصنف" فلم أجده في المطبوع، فقلت: لعلي أظفر به في النسخة الحديثه التي طبعت بتحقيق الجمعة واللحيدان فلم أوفق لذلك.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 529).
(7)
زرارة بن أوفى أبو حاجب الحرشي البصري القاضي، أسند عن جماعة من الصحابة، منهم: أبو هريرة وعمران بن حصين وابن عباس، قال القصار:[صلى بنا زرارة الفجر، فلما بلغ فإذا نقر في الناقور شهق شهقة فمات]. توفي عام (93 هـ). "صفة الصفوة" =
وأخرج ابن حزم عن إبراهيم النخعي فيمن ساق إلى امرأته رجلا حرا، فقال إبراهيم:[هو رهن بما جعل فيه، حتى يفتك نفسه].
وقال: [وقد روينا هذا القول عن الشافعي، وهي قولة غريبة، لا يعرفها من أصحابه إلا من تبحر في الحديث والآثار](1).
هذه الأدلة كلها استدل بها ابن حزم على نقض الإجماع في المسألة، وهو ممن وافق الإجماع ولم يخالفه.
ويمكن الإجابة عنها بما يلي:
فأما أثر عمر، فعنه عدة أجوبة:
1) الأثر فيه إقرار الرجل على نفسه بالبيع، ولأجل هذا حكم عمر عليه بالعبودية؛ لأن الحر لا يباع.
2) ثم إن الرجل هو الذي باع نفسه، ولم يكن أحد اعتدى عليه فباعه، وفرق بين الأمرين.
3) وقد جاء عن عمر ما يخالف ذلك، فقد أخرج مالك في الموطأ أن رجلا من جهينة (2) كان يسبق الحاج فيشتري الرواحل فيغلي بها، ثم يسرع السير فيسبق الحاج فأفلس، فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب، فقال:[أما بعد أيها الناس: فإن الأسيفع (3) -أسيفع جهينة- رضي من دينه وأمانته بأن يقال: سبق الحاج، ألا وإنه قد دان معرضا، فأصبح قد رِينَ به، فمن كان له عليه دين، فليأتنا بالغداة نقسم ماله بينهم، وإياكم والدين: فإن أوله هَمٌّ، وآخره حرب](4).
= (3/ 230)، "سير أعلام النبلاء"(4/ 515)، "مشاهير علماء الأمصار"(ص 95).
(1)
"المحلى"(7/ 504).
(2)
جهينة: هي قبيلة من قضاعة، واسمه: زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، نزلت الكوفة، وبها محلة نسبت إليهم، وبعضهم نزل البصرة. "الأنساب"(2/ 134).
(3)
الأسيفع الجهني، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يسبق الحاج. هكذا ورد في كتب التراجم التي بين يدي. "الإصابة"(1/ 200).
(4)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1460)، (2/ 770)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(4/ 536).
4) ومما يدل على ضعف ما جاء عن عمر، ما جاء عن الزهري -وقد مر في مستند الإجماع- وهو يحكي ما عليه الأمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فأنَّى لعمر أن يخالف ما كان عليه الأمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ما جاء عن علي رضي الله عنه، فعنه عدة أجوبة:
1) أن ظاهر الأثر إنما هو في مسألة الإقرار بالعبودية، وليس في مسألة بيع الحر.
2) ويدل لهذا أن ابن أبي شيبة (1) في المصنف بوب عليه بقوله: [الحر يقر على نفسه بالعبودية](2).
3) ثم على التسليم بأنه في بيع الحر، فإنه محمول على عدم العلم بالحرية، وهذا خارج محل النزاع (3).
4) وقد أورده ابن حجر بصيغة التمريض، فكأنه مال إلى ضعفه.
أما ما ذكر عن ابن أوفى: فلم أجد له إسنادا، وذكره ابن حزم بلا إسناد، ولم أجد من ذكره قبل ابن حزم، فمثل هذا لا يخرق الإجماع، خاصة وأنه نقل عن عالم مشهور، بل عن قاض في بلد من البلاد المعروفة، فَحقُّ مثل هذا أن يروى في الدواوين المشهورة.
أما ما جاء عن النخعي: فلا يُفْهم منه ما فهمه ابن حزم، وكأن النخعي حكم بذلك من باب العقوبة لهذا الرجل.
أما ما ذكر عن الشافعي: فقد ذكر علماء المذهب العارفين به، بأنها رواية لم يذكرها أكثر الأصحاب (4)، فرواية لم يذكرها الأكثر لا يعتبر بها، ولو ثبتت لعدت شاذة.
(1) عبد اللَّه بن أبي شيبة أبو بكر، إمام علم، سيد الحفاظ في زمانه، صاحب الكتب الكبار كـ "المصنف" و"المسند" و"التفسير"، قال أبو زرعة:[ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة]. توفي عام (235 هـ)"سير أعلام النبلاء"(11/ 122)، "تهذيب التهذيب"(6/ 2).
(2)
"المصنف"(7/ 197).
(3)
ينظر: "فتح الباري"(4/ 488).
(4)
"فتح الباري"(4/ 488).