الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذي يظهر أن ما ذكره عن ظاهر كلام المصنف غير مراد؛ إذ كيف يكون ظاهر كلامه، وهو قد حكى الإجماع في المسألة على خلاف ذلك كما سبق في حكاية الإجماع، ولا يلتفت إلى الظاهر مع وجود النص.
أما ما حكاه عن صاحب المحرر فإليك كلامه بنصه، إذ يقول:[ولا يجوز بيع الرطب، ولا الزرع قبل اشتداده، ولا الثمر قبل بدو صلاحه إلا بشرط القطع في الحال، إلا أن يبيعه بأصله. فإن باعه من مالك الأصل فعلى وجهين](1).
ومثل هذا الكلام لا يفهم منه أن في المسألة قولان، فلعله سبق نظر وقع له في المسألة بعدها. واللَّه أعلم.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم ثبوت المخالفة فيها.
14] جواز بيع السنبل إذا ابيضَّ:
• المراد بالمسألة: السنبل في اللغة: أصل هذه الكلمة، يدل على إرسال شيء من علو إلى سفل، وعلى امتداد شيء، وسمي السنبل بهذا؛ لامتداده، وهي: الزرعة المائلة (2).
وفي الاصطلاح هو: مجتمع الحب في أكمامه (3)، فيدخل فيه أنواع الحبوب: كالقمح، والشعير، والعدس، والسلت، والحنطة، ونحوها (4).
والمقصود بالسنبل إذا ابيض: الحبة إذا لم ينفعها الماء، وقُطِع عنها، بعد ذلك تشتد وتصبح صلبة (5).
والمقصود هنا: إذا باع الحب مع سنبله إذا اشتد، فإنه جائز بإجماع العلماء.
(1)"المحرر في الفقه"(1/ 316).
(2)
"معجم مقاييس اللغة"(3/ 129 - 130)، "لسان العرب"(11/ 319)، "القاموس المحيط"(ص 1308).
(3)
"التوقيف على مهمات التعاريف"(ص 416).
(4)
"المحلى"(7/ 309).
(5)
"المدونة"(3/ 61)، "المنتقى"(5/ 13)، "شرح صحيح مسلم"(10/ 179)، "تكملة المجموع"(11/ 117).
• من نقل الإجماع:
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري، وانفرد الشافعي، ثم بلغه حديث ابن عمر، فرجع عنه]. ويقول أيضًا لما ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض"(1). . .: [لا أعلم أحدًا يعدل عن القول به](2). نقل عبارته الثانية ابن قدامة، والبهوتي، والرحيباني (3).
• العيني (855 هـ) لما تكلم عن أدلة جواز بيع الحب في سنبله قال: [(ولأنه حب منتفع به، فيجوز بيعه في سنبله كالشعير) في سنبله، فإنه يجوز بالاتفاق](4).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: المالكية، وابن حزم من الظاهرية (5).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري"(6).
الثاني: عن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسودّ، وعن بيع الحب حتى يشتدّ"(7).
(1) سبق تخريجه.
(2)
"الإجماع"(ص 135)، "الإشراف"(6/ 26).
(3)
"المغني"(6/ 151)، "دقائق أولي النهى"(2/ 84)، "مطالب أولي النهي"(3/ 198، 199)
(4)
"البناية"(8/ 43).
(5)
"التمهيد"(13/ 300)، "الاستذكار"(6/ 402 - 403)، "المنتقى"(4/ 220) و (5/ 13)، "بداية المجتهد"(2/ 114)، و"المحلى"(7/ 308 - 309).
(6)
سبق تخريجه.
(7)
أخرجه بهذا اللفظ: أبو داود (3364)، (4/ 130)، والترمذي (1228)، (3/ 530)، وابن ماجه (2217)، (3/ 560)، والبيهقي في "الكبرى"(10378)، (5/ 301). قال الترمذي:[هذا حديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث حماد بن سلمة]. قال =
• وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل النهي إلى غاية، فدل على جواز ما بعدها.
• المخالفون للإجماع:
خالف في هذه المسألة: الشافعية، وعندهم في هذه المسألة تفصيل، وهو: إن كان السنبل شعيرا أو ذرة أو ما في معناهما مما ترى حباته جاز بيعه، وإن كان حنطة ونحوها مما تستتر حباته بالقشور التي تزال بالدياس، ففيه قولان للشافعي رحمه الله: الجديد: أنه لا يصح، وهو أصح قوليه الذي نص عليه علماء مذهبه، والقديم: أنه يصح (1).
وممن نقلت عنه المخالفة أيضًا: ابن شهاب الزهري (2).
واستدلوا بعدة أدلة، منها:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر"(3).
• وجه الدلالة: أن المشتري لا يدري ما قدر الحنطة الكائنة في السنابل، والمبيع ما أريد به إلا الحب لا السنابل، فكان قدر المبيع مجهولًا، والجهالة غرر.
الثاني: القياس على بيع الحنطة في تبنها بعد الدياس (4): فكما أنه محرم، فكذلك الحب في سنبله، بجامع أن كلا منهما مستتر بما ليس من صلاحه (5).
= البيهقي: [وذكر الحب حتى يشتد والعنب حتى يسود مما تفرد به حماد عن حميد من بين أصحاب حميد]. "السنن الكبرى"(5/ 303).
(1)
"الأم"(3/ 51 - 53) و (3/ 68)، "المهذب مع المجموع"(9/ 369)، "شرح صحيح مسلم"(10/ 182)، "أسنى المطالب"(2/ 105 - 106)، "مغني المحتاج"(2/ 498 - 500)، وقد ذكر بعض المالكية أن الشافعي رجع إلى قول الجمهور: كابن عبد البر وابن رشد وابن الشاط، ولكني لم أجد هذا من علماء المذهب، بل إنهم نصوا على أنه هو مذهبه الجديد، وهو في "الأم" علق الأمر بثبوت الحديث، وفي موضع آخر نص على عدم ثبوث الحديث عنده.
(2)
"التمهيد"(13/ 300).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
الدياس هو: دق الزرع ليتخلص الحب من القشر. "المطلع"(ص 265).
(5)
ينظر: "مغني المحتاج"(2/ 498)، "نهاية المحتاج"(4/ 149).