الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
83] تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمرا:
• المراد بالمسألة: حين يبيع البائع العنب، ويعلم أن المشتري قصد من هذا الشراء أن يتخذ هذا العنب خمرا، فإن هذا البيع منهي عنه، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه يكره أن يباع العنب لمن يتخذه خمرا](1).
• الصنعاني (1182 هـ) يقول لما ذكر حديث بريدة "من حبس العنب أيام القطاف. . . "(2): [والحديث دليل على تحريم بيع العنب ممن يتخذه خمرا؛ لوعيد البائع بالنار، وهو مع القصد محرم إجماعا](3).
• الشوكاني (1250 هـ) يقول لما ذكر حديث بريدة: [قوله: "حبس" وقوله: "أو ممن يعلم أن يتخذه خمرا" يدلان على اعتبار القصد والتعمد للبيع إلى من يتخذه خمرا، ولا خلاف في التحريم مع ذلك](4).
• عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما ذكر مسألة بيع العصير ممن يتخذه خمرا: [وهو مع القصد، محرم إجماعا](5).
مستند الإجماع (6):
يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (7).
• وجه الدلالة: أن من أوجه الإعانة على الإثم والعدوان التي نهى اللَّه عنها، بيع
(1)"الإفصاح"(1/ 295).
(2)
سيأتي تخريجه في مستند الإجماع.
(3)
"سبل السلام"(2/ 39).
(4)
"نيل الأوطار"(5/ 183).
(5)
"حاشية الروض المربع"(4/ 374).
(6)
أهملت في هذه المسألة فقرة: [الموافقون على الإجماع] عن عمد، وذلك لأن حكاية العلماء للإجماع كانت مختلفة، فمنهم من حكى الإجماع على الكراهة، ومنهم من حكاه على التحريم، كما مر، ولذا سأذكر في المخالفة تفصيل الخلاف كاملا بين العلماء على غير العادة في إهمال القول الموافق للإجماع.
(7)
المائدة: الآية (2).
العنب ممن يعلم أنه سيتخذه خمرا (1).
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أتاني جبريل، فقال: يا محمد! إن اللَّه عز وجل قد لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبايعها، وساقيها، ومسقيها"(2).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن في هذا الحديث أن لعنة اللَّه حقت على كل من كانت له صلة في الخمر، سواء كانت مباشرة، أو بتسبب، أو بإعانة، أو نحو هذا، وبائعها ممن يعلم أنه يتخذها خمرا يعد كالبائع لها مباشرة، وهو يعين على ذلك، وكذلك يتسبب في نشرها، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن حتى العاصر الذي عصر العصير ليتخذه خمرا؛ لأنه أعان بفعله عليها (3).
الثالث: عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرا، فقد تقحَّم (4) النار على بصيرة"(5).
• وجه الدلالة: أن من فعل هذا وهو حبس العنب إلى أن يحين وقت القطاف، وكان مقصده حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا، فإنه مستحق للوعيد الشديد لفساد مقصده.
الرابع: عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من
(1) ينظر: "المغني"(6/ 318)، "الفتاوى الكبرى"(3/ 441).
(2)
أخرجه أحمد في "مسنده"(2897)، (5/ 74)، والحاكم في "المستدرك"(2234)، (2/ 37)، وابن حبان في "صحيحه"(5356)، (12/ 178). قال الحاكم:[هذا حديث صحيح الإسناد وشاهده حديث عبد اللَّه بن عمر، ولم يخرجاه].
(3)
ينظر: المصادر السابقة.
(4)
تقحم: وقع فيها، يقال: اقتحم الإنسان الأمر العظيم وتقحمه، إذا رمى نفسه فيه من غير روية وتثبت. ينظر:"النهاية"(4/ 18).
(5)
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5352)، (5/ 294). قال أبو حاتم:[هذا حديث كذب باطل]. "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 389)، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 236):[هذا حديث لا أصل له]. وقال الذهبي: [الحسن بن مسلم المروزي التاجر عن الحسين بن واقد أتى بخبر موضوع في الخمر] ثم ساقه. "ميزان الاعتدال"(2/ 275).
الكبائر شتم الرجل والديه" قالوا: يا رسول اللَّه: وهل يشتم الرجل والديه؟ ! قال: "نعم! يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه" (1).
• وجه الدلالة: قال أبو العباس القرطبي: [دليل على أن سبب الشيء قد ينزله الشرع منزلة الشيء في المنع، فيكون حجة لمن منع بيع العنب ممن يعصره خمرا](2).
• المخالفون للإجماع:
هذه المسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الجواز. وهذا قال به: الزهري، والثوري، والنخعي، والحسن، وعطاء في قول عنه (3)، وأبو حنيفة (4).
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:
الأول: أنه لا فساد في قصد البائع؛ إذ قصده التجارة فيما هو حلال لاكتساب الربح، والمحرم هو قصد المشتري حين يتخذه خمرا، فيكون الوزر عليه لا على البائع {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (5) وهذا كبيع الجارية ممن لا يستبرئها، أو يأتيها في غير المأتى (6).
(1) أخرجه البخاري (5973)، (ص 1158)، ومسلم (90)، (1/ 89) واللفظ له.
(2)
"المفهم"(1/ 285).
(3)
أخرجه عن الزهري: عبد الرزاق في "مصنفه"(9/ 218)، وأخرجه عن عطاء والثوري: ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 251)، وذكره عن النخعي: السرخسي في "المبسوط"(24/ 6)، وذكره عن الحسن: ابن المنذر نقله عنه ابن قدامة في "المغني"(6/ 317). وقد أخرج ابن أبي شيبة عن عطاء أنه قال: [لا تبع العنب ممن يجعله خمرا](5/ 251).
(4)
"المبسوط"(24/ 6)، "العناية"(3/ 59)، "البناية"(12/ 220). والذي قال به أبو حنيفة أنه لا بأس به. والمقصود بها في الغالب أن تركه أولى، كما أشار إليه في: غمز عيون البصائر (1/ 98). وبعض علماء المذهب ذكر أن قول الإمام محمول على ما إذا كان سيبيعه على كافر، أما بيعه على المسلم فهو مكروه. وقد رد هذا الفهم ابن عابدين في حاشيته، لأنه يعارض ظاهر إطلاق الإمام. "رد المحتار"(6/ 391).
(5)
الأنعام: الآية (164).
(6)
"المبسوط"(24/ 6).
الثاني: أن المعصية لا تقوم بعينه حين عقد البيع، فهو عنب حلال البيع، والمعصية إنما كانت بعد تغيره، والتغير يكون بعد وقوع العقد، فيبقى أن العقد وقع على مباح، فيحل (1).
القول الثاني: أنه على الكراهة. وهذا قال به: طاوس (2)، وكذلك أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية (3)، وهو قول عند المالكية (4)، ونص عليه الإمام الشافعي (5).
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:
الأول: أن كل عقد كان صحيحا في الظاهر فإنه لا يبطل بالتهمة، ولا بالعادة بين المتبايعين، وتكره لهما النية التي لو ظهرت في العقد لأفسدته (6).
الثاني: أن فيه إعانة على المعصية، والإعانة عليها مكروهة (7).
القول الثالث: أنه على التحريم. وهذا هو المذهب عند المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (8).
وقد تقدمت أدلتهم في مستند الإجماع.
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في المسألة، سواء كان على القول بالكراهة أو
(1)"الدر المختار مع رد المحتار"(6/ 391).
(2)
أخرجه عنه عبد الرزاق في "مصنفه"(9/ 218).
(3)
"المبسوط"(24/ 26)، "الدر المختار"(6/ 391).
(4)
"التاج والإكليل"(6/ 182)، "مواهب الجليل"(4/ 254)
(5)
"الأم"(3/ 75)، "المجموع"(9/ 432). وقد نقل النووي عن الأصحاب بأنه يكره بيع العصير لمن عُرف باتخاذ الخمر، أما إذا تحقق من ذلك فوجهان في المسألة: الكراهة والتحريم.
(6)
نص على هذه القاعدة: الإمام الشافعي في "الأم"(3/ 75).
(7)
"الدر المختار"(6/ 391).
(8)
"مواهب الجليل"(4/ 254)، "الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي"(3/ 7)، "الفواكه الدواني"(2/ 288)، "المجموع"(9/ 432)، "أسنى المطالب"(2/ 41)، "مسائل الإمام أحمد رواية الكوسج"(3/ 108)، "المغني"(6/ 317 - 318)، "شرح الزركشي"(2/ 91)، "الإنصاف"(4/ 327)، "المحلى"(12/ 377).