الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول: من المعلوم بالضرورة أن الواحد لا يستطيع أن يقوم بالإحياء بنفسه، بل لا بد من أحد يعينه على عمله؛ وذلك لوجود المشقة، خاصة في زماننا هذا ومع تطور العلم وتغير الأحوال، ومع هذه الضرورة لم يذكر الشارع فيها شيئًا، فدل على أنه لو استأجر أحدا فليس للأجير من الملك شيء، ومن باب أولى كذلك من أعانه من غير أجرة.
الثاني: أن الشارع لم يجعل من شروط الإحياء أن يقوم بالإحياء بنفسه، فسكوته دليل على بقاء الأمر على الأصل وهو الإباحة.
الثالث: القياس على الوكيل في الوكالة: فكما أنه يُنَفِّذ ما وكله به المُوَكِّل، وليس له حق في المشاركة في الحق الذي وُكِّل عليه، فكذلك المعينون للمحي في إحياء الموات.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
5] تحريم إحياء أو إقطاع الأرض التي فيها مصالح أهل القرية:
• المراد بالمسألة: الأرض التي تكون مجاورة للقرية، ولأهلها منافع بها، كأن تكون مرعى لماشيتهم، ومحتطبا لهم، أو يكون فيها طرقهم، أو إليها مسيل مائهم، وما أشبه ذلك، فهذه لا يجوز إحياؤها، ولا يجوز للإمام إقطاعها، بلا خلاف بين العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [ولا خلاف بين العلماء أن الإمام لا يجوز له إقطاع. . .، مسارح القوم التي لا غنى لهم عنها لإبلهم ومواشيهم](1).
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن الأرض إذا كانت أرض ملح، أو ما فيه للمسلمين منفعة، فلا يجوز للمسلم أن ينفرد بها](2).
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ما تعلق بمصالح القرية: كفنائها، ومرعى ماشيتها، ومحتطبها، وطرقها، ومسيل مائها، لا يملك بالإحياء، ولا نعلم فيه
(1)"الاستذكار"(3/ 146).
(2)
"الإفصاح"(2/ 44).
أيضًا خلافا بين أهل العلم] (1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (2).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ما تعلق بمصالح القرية، كفنائها، ومرعى ماشيتها، ومحتطبها، وطرقها، ومسيل مائها، لا يملك بالإحياء، لا نعلم فيه أيضًا خلافا بين أهل العلم](3).
• برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه: كطرقه، وفنائه، ومسيل مائه، ومرعاه، ومحتطبه، وحريمه، لم يملك بالإحياء بغير خلاف نعلمه](4). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (5).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (6).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن عمرو بن عوف (7) رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له، وليس لعرق ظالم حق"(8).
• وجه الدلالة: أن الحديث قيد جواز الإحياء في غير حق مسلم، فدل مفهومه أن
(1)"المغني"(8/ 49).
(2)
"حاشية الروض المربع"(5/ 478).
(3)
"الشرح الكبير" لابن قدامة (16/ 89).
(4)
"المبدع"(5/ 250).
(5)
"حاشية الروض المربع"(5/ 474، 477).
(6)
"بدائع الصنائع"(6/ 194)، "الهداية"(10/ 73)، "تبيين الحقائق"(6/ 35)، "البيان"(7/ 479)، "مغني المحتاج"(3/ 498)، "المحلى"(7/ 73).
(7)
عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة أبو عبد اللَّه المزني، ممن أسلم قديما، عرف بكثرة بكائه، أول مشاهده الأبواء، وقيل: الخندق، مات في آخر ولاية معاوية. "الاستيعاب"(3/ 1196)، "أسد الغابة"(4/ 247)، "الإصابة"(4/ 666).
(8)
أخرجه البيهقي في "الكبرى"(11557)، (6/ 142)، والطبراني في "المعجم الكبير"(17/ 13)، والبزار في "مسنده"(3393)، (8/ 320). وفيه كثير بن عبد اللَّه، ضعفه أحمد ويحيى بن معين والنسائي تضعيفا شديدا. ينظر:"الكامل"(6/ 57)، "نصب الراية"(4/ 171).
ما كان في حق مسلم فلا يجوز فيه الإحياء، فيدخل فيه ما قارب العمران، وما تعلقت به مصالح القرية (1).
الثاني: عن قيلة بنت مخرمة (2) رضي الله عنها قالت: قدمنا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالت: فتقدم صاحبي -تعني: حريث بن حسان (3) وافد بكر بن وائل (4) - فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول اللَّه، اكتب بيننا وبين بني تميم (5) بالدهناء (6) أن لا يجاوزها إلينا منهم أحد إلا مسافر أو مجاور، فقال:"اكتب له يا كلام بالدهناء" فلما رأيته قد أمر له بها، شَخَص (7) بي وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول اللَّه، إنه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك، إنما هي هذه الدهناء
(1) ينظر: "شرح الزركشي"(2/ 193).
(2)
قيلة بنت مخرمة التميمية ثم من بني العنبر، هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع حريث بن حسان، روى حديثها عبد اللَّه بن حسان العنبري، عن جدتيه صفية ودحيبة ابنتي عليبة، وكانتا ربيبتي قيلة، وكانت قيلة جدة أبيها، وهي تحت حبيب بن أزهر أحد بني جناب، فولدت له النساء ثم توفي، فانتزعهن عمهن منها، فخرجت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبغي الإسلام.
"طبقات ابن سعد"(8/ 312)، "أسد الغابة"(7/ 238)، "الإصابة"(8/ 83).
(3)
حريث والأكثر أنه الحارث بن حسان بن كلدة البكري ويقال: الربعي والذهلي، ولعل حريث تصغير لاسمه، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم-أيام بعث عمرو بن العاص في غزوة السلاسل، وهو وافد بكر بن وائل، وقدمت معه قيلة بنت مخرمة. "طبقات ابن سعد"(7/ 58)، "الاستيعاب"(1/ 285)، "أسد الغابة"(1/ 717)، "الإصابة"(1/ 569).
(4)
قبيلة تنسب إلى بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. "الأنساب"(3/ 43).
(5)
بنو تميم قبيلة تنسب إلى تميم بن مُر بن أد بن طابخة، كانت منازلهم بأرض نجد دائرة من هنالك على البصرة واليمامة وانتشرت إلى العذيب من أرض الكوفة، وقد تفرقوا في الحواضر، ولهم بطون كثيرة. "تاريخ ابن خلدون"(2/ 377).
(6)
الدهناء: من ديار بني تميم، تقصر وتمد، وهي سبعة أجبل من الرمل في عرضها، بين كل جبلين شقيقة، وطولها من حزن ينسوعة إلى رمل يبرين، وهي أكثر بلاد اللَّه كلأ مع قلة أغذاء ومياه. "معجم البلدان"(2/ 493).
(7)
يقال للرجل إذا أتاه أمر غريب يقلقه ويزعجه: قد شخص به. "غريب الحديث" لأبي عبيد (3/ 57 - 58).