الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد أصابته آمة (1) في رأسه فكسرت لسانه، وكان لا يدع على ذلك التجارة، وكان لا يزال يُغْبن، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له:"إذا أنت بايعت فقل لا خِلابة (2)! ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك، وإن سخطت فارددها على صاحبها"(3).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر له الرجل أنه يخدع في البيع، أمره بأن يشترط أن له الخيار ثلاثة أيام في السلعة، فإن رضيها وتبين له صلاحها وصلاح ثمنها بعد الوقت المشترط، فقد تم البيع، وإلا فلا (4).
الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون على شروطهم"(5).
• وجه الدلالة: هذا الحديث عام في كل شرط يشترطه المتعاقدان أو أحدهما في العقد سواء في الإمهال أو غيره، ما لم يكن الشرط مخالفا لكتاب اللَّه وسنة النبي عليه السلام (6).
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
5] بطلان العقد مع خيار الشرط المطلق:
• المراد بالمسألة: إذا شرط أحد العاقدين الخيار، ولم يُحدِّده بوقت معلوم، مثل أن يقول: لي الخيار مطلقا، أو أبدا، أو أياما ولم يعينها، أو لم يذكر وقتها،
(1) الآمة: هي شجة تبلغ أم الرأس، وهي الجلدة التي تجمع الدماغ. "طلبة الطلبة"(ص 330).
(2)
الخلابة: هي الخديعة باللسان، ورجل خلاب، أي: خداع كذاب. "مختار الصحاح"(ص 94)، "النهاية"(2/ 58).
(3)
أخرجه ابن ماجه (2355)، (4/ 34)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (8/ 17). قال الذهبي:[هذا غريب وفيه انقطاع بين حبان وبين جد أبيه]. "ميزان الاعتدال"(6/ 61). وحكم بإرسالها الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 7). وقال ابن حجر: [وأما رواية الاشتراط فقال ابن الصلاح: منكرة لا أصل لها]. "التلخيص الحبير"(3/ 21).
(4)
ينظر: "الهداية" مع شرحيها "العناية" و"فتح القدير"(6/ 300).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
"شرح الزركشي"(2/ 10).
فإن البيع يبطل مع الشرط، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• الكاساني (587 هـ) يقول: [إذا باع بشرط الخيار، ولم يوقت للخيار وقتا معلوما بأن قال: أبدا، أو أياما، أو لم يذكر الوقت، فسد البيع بالإجماع](1).
• الإتقاني (2)(758 هـ) يقول: [ولو شرط الخيار أبدا، لا يجوز بالإجماع]. نقله عنه الشلبي (3).
• الحداد (800 هـ) يقول: [ولو شرط خيار الأبد، يفسد العقد إجماعا](4).
• العيني (855 هـ) يقول: [ولو شرط الخيار أبدا، لا يجوز بالإجماع](5).
• ابن نجيم (970 هـ) يقول: [لو شرط الخيار أبدا، أو مطلقا، أو مؤقتا بوقت مجهول، فسد بالإجماع](6).
• علي حيدر (1353 هـ) يقول: [التقسيم الثاني -أي: من تقسيمات خيار الشرط-: باعتبار المدة، وتحته أربعة أنواع، وهي:
1 -
اشتراط الخيار مدة، بأن يشترط أحد المتبايعين الخيار من غير توقيت، أو تأبيد، كأن يقول: أنت مُخيَّر.
2 -
اشتراط الخيار مؤبدا، كأن يبيع ويشتري شخص مالا، مشترطا له الخيار أبدا.
3 -
أن يشترط الخيار مؤقتا بوقت مجهول، كأن يشترط بضعة أيام، بدون أن
(1)"بدائع الصنائع"(5/ 178).
(2)
أمير كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي أبو حنيفة قوام الدين الفارابي الإتقاني، كان رأسا في مذهب أبي حنيفة، بارعا في اللغة، جامعا لفنون العلم، من آثاره:"التبيين"، "الشامل"، "غاية البيان شرح الهداية". توفي عام (758 هـ). "طبقات الفقهاء" لكبري زاده (ص 124)، "الطبقات السنية"(2/ 221).
(3)
"حاشية شلبي على تبيين الحقائق"(4/ 14).
(4)
"الجوهرة النيرة"(1/ 191).
(5)
"البناية"(8/ 50).
(6)
"البحر الرائق"(6/ 6). وقد نقله عن "المعراج"، وقد بحثت عنه في كتب المذهب ولم أجده، بل لم أتعرف على مؤلفه، ولذا نبهت عليه.
يبين عددها، أو إلى هبوب الريح، أو حضور فلان من سفر. ففي هذه الصور الثلاث، البيع غير صحيح بالاتفاق] (1).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الشافعية، والحنابلة في المشهور عندهم (2).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر"(3).
• وجه الدلالة: أن من الغرر الجهالة في مدة الشرط الذي بين البائع والمشتري؛ إذ هي مدة ملحقة بالعقد، فهي مظنة النزاع بينهما (4).
الثاني: أن اشتراط الخيار أبدا يقتضي المنع من التصرف في العين المباعة على الأبد، وذلك ينافي مقتضى العقد، فلم يصح، كما لو قال: بعتك بشرط أن لا تتصرف (5).
• المخالفون للإجماع:
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنه يجوز جعل الخيار مطلقا، وهما على خيارهما إلا أن يقطعاه. وهذا رواية عند الحنابلة (6).
وقال به: ابن شبرمة (7)(8). . . . . . . .
(1)"درر الحكام شرح مجلة الأحكام"(1/ 291). وواضح من المؤلف أنه يقصد اتفاق علماء المذهب؛ لأنه ذكر بعد ذلك خلاف المذاهب الأخرى.
(2)
"المجموع"(9/ 268)، "أسنى المطالب"(2/ 50 - 51)، "تحفة المحتاج"(4/ 345 - 346)، "فتح الوهاب شرح منهج الطلاب"(2/ 240 - 241).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
ينظر: "بدائع الصنائع"(5/ 178)، "المغني"(6/ 43)، "أسنى المطالب"(2/ 50).
(5)
"المغني"(6/ 43).
(6)
"المغني"(6/ 43)، "الإنصاف"(4/ 373).
(7)
عبد اللَّه بن شبرمة بن الطفيل بن حسان بن المنذر أبو شبرمة، الإمام العلامة فقيه العراق، قاضي الكوفة، وثقه أحمد وأبو حاتم وغيرهما، وهو من أئمة الفروع، وأما الحديث فما هو بالمكثر. توفي عام (144 هـ). "تهذيب الكمال"(15/ 76)، "سير أعلام النبلاء"(6/ 347).
(8)
"المغني"(6/ 43). وقد نسب ابن حزم في "المحلى"(7/ 263) له قولا يخالف ما ذكره =
والحسن بن حي (1) وعبيد اللَّه بن الحسن (2)(3).
واستدل هؤلاء بدليل من السنة، وهو:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون على شروطهم"(4).
• وجه الدلالة: أن الشارع رد الأمر في الشروط إلى المتشارطين، فهما على شرطهما ما داما قد تراضيا عليه، ولم يخالفا الشرع فيه (5).
القول الثاني: أنه يصح شرطه، ويجعل له السلطان من الخيار مثل ما يكون له في مثل تلك السلعة في غالب العادة. قال به الإمام مالك (6).
واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو:
أن هذا الخيار شرعه الشارع من أجل الحاجة إليه، والحاجة تختلف باختلاف أنواع المبيع، فإذا أخلَّا بذكره فيَردُّ السلطان أمرهم إلى ما هو متعارف عليه؛ ألا ترى أنهما لو زادا عليه لفسد العقد به، ولم يثبت لهما ما زاداه (7).
القول الثالث: أنه إذا لم يذكر وقتا معلوما كان البيع صحيحا والثمن حالا، وكان له الخيار في الوقت إن شاء أمضى وإن شاء رد. قال به الطبري (8).
ويمكن أن يستدل لقوله: بأن هذا له حكم الشرط الفاسد؛ لاشتماله على الغرر، وجعْلِ المشتري مقيدا في تصرفه، فيُلْغى الشرط، ويبقى البيع صحيحا.
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها.
= ابن قدامة.
(1)
"مختصر اختلاف العلماء"(3/ 55)، "التمهيد"(14/ 28).
(2)
عبيد اللَّه بن الحسن بن حصين بن مالك العنبري البصري، ولد عام (100 هـ) تولى القضاء، وهو من سادات البصرة فقها وعلما. توفي عام (168 هـ). "تهذيب الكمال"(19/ 23)، "تاريخ بغداد"(10/ 306).
(3)
"التمهيد"(14/ 29)، "المحلى" (7/ 263). ومقولته التي يفهم منها قوله هي:[لا يعجبني شرط الخيار الطويل في البيع، إلا أن الخيار للمشتري ما رضي البائع].
(4)
سبق تخريجه.
(5)
ينظر: "المغني"(6/ 43).
(6)
"المدونة"(3/ 233)، "المعونة"(2/ 1047 - 1048)، "المنتقى"(5/ 57)، "الفواكه الدواني"(2/ 84).
(7)
ينظر: "المنتقى"(5/ 57).
(8)
"الاستذكار"(6/ 487).