الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن: مسائل الإجماع في كتاب الشفعة
1] مشروعية الشفعة في العقار الذي لم يقسم:
• المراد بالمسألة: الشفعة لغة: مأخوذة من شفع التي هي مادة الكلمة، وهي: تدل على مقارنة الشيئين، ومنه سميت الشفعة بذلك؛ لأنه يشفع بها ماله، ويضمها إليه (1).
واصطلاحًا: استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه، بعوض مالي، أو مطلقا (2).
وصورة المسألة: أن الشفعة إنما شرعت لدفع الضرر عن الشريك، فإذا كان ثمة مشاركة بين رجلين في عقار، وكانت المشاركة مشاعة بينهما، ولم يحدد نصيب واحد منهما، فإذا أراد أحدهما أن يبيع نصيبه لشخص أجنبي، فللشريك أن يطالب بالشفعة، بإجماع العلماء. وإذا كان نصيب كل واحد متميز عن الآخر، فلا شفعة بالإجماع.
• من نقل الإجماع:
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم، فيما بيع من أرض، أو دار، أو حائط](3). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، وشمس الدين ابن قدامة، والشربيني، والرحيباني، وعبد الرحمن
(1)"معجم مقاييس اللغة"(3/ 201)، "القاموس المحيط"(3/ 47).
(2)
"شرح الزركشي"(2/ 165)، وينظر:"المغني"(7/ 435)، "الدر النقي"(3/ 528).
(3)
"الإجماع"(ص 136)، "الإشراف"(6/ 152)، "الإقناع" لابن المنذر (1/ 267).
القاسم (1).
• القاضي عبد الوهاب (422 هـ) يقول: [لا خلاف في وجوب الشفعة للشريك المخالط](2).
• الماوردي (450 هـ) يقول: [والحكم بالشفعة واجب بالنص والإجماع، إلا من شذ عن الكافة من الأصم وابن علية. . .، فإذا ثبت وجوب الشفعة، فهي مستحقة في عراص الأرضين، ويكون ما اتصل بها من البناء والغراس تبعا، وإن كان المبيع منها مشاعا، كانت الشفعة فيه على قول (3) من أوجبها، إجماعا](4).
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [أجمع العلماء على أن الشفعة في الدور، والأرضين، والحوانيت، والرباع، كلها بين الشركاء في المشاع من ذلك كله، وأنها سنة مجتمع عليها، يجب التسليم لها](5). وقال لما أورد حديث ابن شهاب وهو "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء. . . "(6): [وحديث ابن شهاب هذا، قد اتفق جماعة العلماء على القول به؛ لأنهم يوجبون الشفعة للشريك في المبتاع من الدور والأرضين، وكل ما تأخذه الحدود، ويحتمل القسمة من ذلك كله، وما كان مثله](7). وقال أيضا: [فالشفعة واجبة بهذا الحديث -أي: حديث ابن شهاب السابق- في كل أصل مشاع: من ربع، أو أرض، أو نخل، أو شجر، تمكن فيه القسمة والحدود، وهذا في الشريك، في المشاع دون غيره، إجماع من العلماء](8). وقال أيضا: [وليس في الشفعة أصل، لا اعتراض فيه، ولا خلاف، إلا في الشريك المشاع](9).
(1)"المغني"(7/ 435)، "الإقناع" لابن القطان (3/ 1701)، "الشرح الكبير" لابن قدامة (15/ 358)، "مغني المحتاج"(3/ 373)، "مطالب أولي النهى"(4/ 100)، "حاشية الروض المربع"(5/ 426).
(2)
"المعونة"(2/ 1267).
(3)
في المطبوع [قولين] ولعل ما أثبت أصح، وهو يشير بهذا إلى شذوذ الأصم وابن علية، ومخالفتهم لإجماع العلماء في ثبوت الشفعة.
(4)
"الحاوي الكبير"(7/ 227).
(5)
"الاستذكار"(7/ 67).
(6)
سبق تخريجه.
(7)
المصدر السابق.
(8)
"التمهيد"(7/ 50).
(9)
المصدر السابق (7/ 48).
• البغوي (516 هـ) يقول: [اتفق أهل العلم على ثبوت الشفعة للشريك في الربع المنقسم، إذا باع أحد الشركاء نصيبه قبل القسمة](1).
• ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [واتفق أهل العلم، على إيجاب الشفعة في الأصول، اتفاقا مجملا](2).
• ابن العربي (543 هـ) يقول: [اتفق علماء الأمصار، على أن الشفعة إنما تكون في العقار، دون المنقول](3).
• القاضي عياض (544 هـ) يقول: [وقد أجمع العلماء، في وجوب الشفعة للشريك، في الربع المبيع، فيما لم يقسم](4).
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن الشفعة تجب في الخليط](5).
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [اتفق المسلمون، على أن الشفعة واجبة، في الدور والعقار والأرضين كلها] ويقول أيضا في معرض بيانه لحديث جابر: [فكأنه قال: الشفعة فيما تمكن فيه القسمة، ما دام لم يقسم، وهذا استدلال بدليل الخطاب، وقد أجمع عليه في هذا الموضع فقهاء الأمصار، مع اختلافهم في صحة الاستدلال به](6).
• أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [الشفعة إنما تستحق في العقار المشترك الذي يقبل القسمة، وهذا هو المحل المتفق على وجوب الشفعة فيه، واختلف فيما عدا ذلك](7).
• النووي (676 هـ) يقول: [وأجمع المسلمون، على ثبوت الشفعة للشريك في العقار، ما لم يقسم](8).
(1)"شرح السنة"(8/ 241).
(2)
"المقدمات الممهدات"(3/ 66).
(3)
"القبس"(2/ 855 - 856)، "المسالك في شرح موطأ مالك"(6/ 182).
(4)
إكمال المفهم بفوائد مسلم" (5/ 312).
(5)
"الإفصاح"(2/ 28).
(6)
"بداية المجتهد"(2/ 194) ومقصوده بالعبارة الثانية، أن هذه المسألة مجمع عليها، مع أن الاستدلال بدليل الخطاب، فيه خلاف بين العلماء.
(7)
"المفهم"(4/ 524).
(8)
"شرح صحيح مسلم"(11/ 45).
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [اتفق الأئمة على ثبوت الشفعة في العقار الذى يقبل القسمة، قسمة الإجبار: كالقرية، والبستان، ونحو ذلك](1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (2).
• أبو عبد اللَّه الدمشقي (كان حيا: 780 هـ) يقول: [تثبت -أي: الشفعة- للشريك في الملك، باتفاق الأئمة](3).
• ابن حجر (852 هـ) يقول: [ولم يختلف العلماء في مشروعيتها إلا ما نقل عن أبي بكر بن الأصم من إنكارها](4).
• العيني (855 هـ) يقول: [أجمع العلماء على ثبوت الشفعة في شريك لم يقسم ربعه](5).
• مولى خسرو (1078 هـ) يقول: [وإنما تجب -أي: تثبت الشفعة- للخليط: وهو الشريك الذي لم يقاسم، في نفس المبيع، وهذا بالإجماع](6).
• الصنعاني (1182 هـ) يقول: [الألفاظ في هذا الحديث قد تضافرت في الدلالة على ثبوت الشفعة للشريك في الدور والعقار والبساتين، وهذا مجمع عليه، إذا كان مما يقسم](7).
• عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [وهي -أي: الشفعة- ثابتة بالسنة والإجماع](8). ويقول أيضا: [إن كان كل واحد من الشركاء، متميز ملكه، وحقوق الملك، فلا شفعة إجماعا](9).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من السنة، وهو:
ما جاء عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: "قضى رسول صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة". وفي رواية:
(1)"مجموع الفتاوى"(30/ 381)، "الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية"(ص 243).
(2)
"حاشية الروض المربع"(5/ 430).
(3)
"رحمة الأمة في اختلاف الأئمة"(ص 223).
(4)
"فتح الباري"(4/ 436).
(5)
"البناية"(11/ 274).
(6)
"مجمع الأنهر"(2/ 472).
(7)
"سبل السلام"(2/ 106).
(8)
"حاشية الروض المربع"(5/ 425).
(9)
المصدر السابق (5/ 432).
"الشفعة في كل شرك: في أرض، أو رَبْع، أو حائط، لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع، فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه"(1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت الشفعة فيما حصلت فيه الشركة في العقار الذي لم يقسم؛ لوجود الضرر، أما المقسوم بين الشريكين لا يسمى بعد القسمة مشتركا؛ لأن كل واحد محدد نصيبه من العقار، فلا ضرر حينئذ.
• المخالفون للإجماع:
أما المخالفون للإجماع فقد نص ابن حزم على نفي وقوع الإجماع في الشفعة (2)، بل إنه كذب من ادعى الإجماع في ذلك، فقال:[وقد جسر بعضهم -على جاري عادته في الكذب- فادعى الإجماع على وجوب الشفعة في الأرض، والبناء، والأشجار فقط، وادعى الإجماع على سقوط الشفعة فيما سواها. قال أبو محمد: أما الإجماع على وجوب الشفعة في الأرض وما فيها من بناء وشجر، فقد أوردنا عن الحسن وابن سيرين وعبد الملك بن يعلى (3) وعثمان البتي خلاف ذلك، وهؤلاء فقهاء تابعون](4).
وكذا نص جماعة من العلماء على أن الأصم وابن علية قد خالفا الإجماع، وقالا: بعدم جواز الشفعة مطلقا (5). ونُقِل إنكارها أيضا عن جابر بن زيد من التابعين (6).
واستدل هؤلاء المخالفون بدليل عقلي، وهو:
أن في إثبات الشفعة إضرارا بأرباب الأملاك، فإن المشتري إذا علم أنه يؤخذ
(1) سبق تخريجه.
(2)
"مراتب الإجماع"(ص 159).
(3)
عبد الملك بن يعلى الليثي، قاضي البصرة، روى عن أبيه وعمران بن حصين وعن صحابي من قومه، وعنه يروي قتادة وأيوب وحميد الطويل وآخرين. توفي في حدود المائة الهجرية. "تاريخ الإسلام"(6/ 420)، "الوافي بالوفيات"(19/ 143).
(4)
"المحلى"(8/ 10).
(5)
"الحاوي الكبير"(7/ 227)، "المغني"(7/ 435).
(6)
"كفاية الأخيار"(ص 284)، "مغني المحتاج"(3/ 373).
منه إذا ابتاعه، لم يتبعه، ويتقاعد الشريك عن الشراء، فيستضر المالك (1).
أما ما أورده ابن حزم عن هؤلاء التابعين: فقد ذكر كلامهم قبل هذا الكلام، فقال:[. . . فقال عبد الملك بن يعلى -وهو تابعي قاضي البصرة-: لا يجوز بيع المشاع، روينا ذلك من طريق حماد بن زيد أنا أيوب السختياني قال: رفع إلى عبد الملك بن يعلى -قاضي البصرة- رجل باع نصيبا له غير مقسوم، فلم يجزه، فذكر لمحمد بن سيرين، فرآه غير جائز. وقال محمد بن سيرين: لا بأس بالشريكين يكون بينهما المتاع، أو الشيء الذي لا يكال ولا يوزن، أن يبيعه قبل أن يقاسمه. وقال الحسن: لا يبع منه ولا من غيره حتى يقاسمه، إلا أن يكون لؤلؤة، أو ما لا يقدر على قسمته. وأجاز عثمان البتي بيع المشاع، ولم ير الشفعة للشريك](2).
وهذا الكلام فيما يظهر -واللَّه أعلم- إنما هو في حكم بيع المشاع، وليس في حكم الشفعة في العقار، وفرق بين المسألتين، وقد فرق ابن حزم نفسه في هذا فقال:[وها هنا خلاف بين أربعة مواضع: أحدها هل يجوز بيع المشاع أم لا؟ والثاني: هل يكون في بيعه شفعة أم لا؟ . . .](3).
فيبقى ما أورده عن عثمان البتِّي فقط، وهو قول -إن صح عنه- فهو شاذ، محجوج بالسنة الصحيحة.
أما الأصم وابن علية: فقد نص العلماء على شذوذ قولهما، وهما أيضا من المعتزلة الذين لا يعتد بخلافهم.
أما ما جاء عن جابر بن زيد: فلعله لم يصح عنه كما ذكر ذلك الدميري (4)(5)، ومما يؤيد ذلك أني لم أجده عنه مسندا، ولم يذكره عنه سوى الرافعي (6).
(1)"المغني"(7/ 435).
(2)
"المحلى"(8/ 4 - 5).
(3)
الموضع السابق.
(4)
عبد العزيز بن أحمد بن سعيد أبو عبد اللَّه الدميري الديريني المصري الشافعي، ولد عام (612 هـ)، فقيه عالم أديب، غلب عليه التصوف، كان متقشفا مخشوشنا، له مصنفات بديعة، ومنظومات كثيرة، نظم التنبيه، والوجيز، وغريب القرآن، وله تفسير منظوم. توفي عام (694 هـ). "طبقات السبكي"(8/ 199)، "طبقات ابن شهبة"(2/ 181).
(5)
"مغني المحتاج"(3/ 373).
(6)
فتح العزيز (11/ 363).