الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: القياس على سائر أطراف الأم: فلا يحتاج إلى ذكرها، وتدخل في البيع، والحمل يعد جزءا منها (1).
الثالث: أن الناس ما زالوا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبعلمه، يتبايعون إناث الضأن والبقر والخيل والمعز والإبل والإماء والظباء -حوامل وغير حوامل- ويغنمون كل ذلك، ويقتسمونهن، ويتوارثونهن ويقتسمونهن كما هن، ولم يأت نص قط بأن للأولاد حكما آخر قبل الوضع، فدل على أن بيع الحامل بحملها جائز كما هو، ما لم تضعه (2).
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
56] بطلان بيع اللبن في الضرع:
• المراد بالمسألة: اللبن إذا كان في الضرع، ولم ينفصل عن البهيمة، فإن بيعه على هذا الوجه مطلقا من غير تحديد، منهي عنه، ولو وقع فهو باطل غير صحيح، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• الصنعاني (1182 هـ) يقول: [والحديث -أي: حديث أبي سعيد المذكور في مستند الإجماع- اشتمل على ست صور منهي عنها. . .، والثانية: اللبن في الضروع، وهو مجمع عليه](3).
• الشوكاني (1250 هـ) يقول: [قوله: "وعن بيع ما في ضروعها" هو أيضا مجمع على عدم صحة بيعه قبل انفصاله. . .، إلا أن يبيعه منه كيلا، نحو أن يقول: بعت منك صاعا من حليب بقرتي، فإن الحديث يدل على جوازه](4).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وهو الصحيح عند الشافعية، والحنابلة، وهو رأي ابن حزم من الظاهرية (5).
(1) ينظر: "بدائع الصنائع"(5/ 164).
(2)
"المحلى"(7/ 293) بتصرف.
(3)
"سبل السلام"(2/ 42).
(4)
"نيل الأوطار"(5/ 246).
(5)
"الحجة على مذهب مالك"(2/ 563 - 564)، "المبسوط" للشيباني (5/ 66)، "العناية" =
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص"(1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اللبن ما دام أنه في الضرع، وقيد الجواز بالكيل، وهذا يدل على أنه لا بد من خروجه؛ إذ لا يعرف الكيل إلا بعد خروجه.
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها، أو يباع صوف على ظهر، أو سمن في لبن، أو لبن في ضرع"(2).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، والنهي في الأصل أنه على التحريم، ويقتضي فساد المنهي عنه.
الثالث: أن البيع على هذه الصفة فيه جهالة كبيرة في الصفة والمقدار؛ أما الصفة: فانتفاخ الضرع ربما يكون لبنا أو يكون لحيما (3)، واللبن قد يكون صافيا وقد يكون كدرا لا ينتفع به. أما المقدار: فإن اللبن في العروق ينصب إلى الضرع وقت الحلب فيختلط المبيع بغيره، وربما الشاة تدر فيستطيع المشتري حلبها، وربما ترفس وتمتنع من الحلب ولا تدر، فلا يتمكن من حلبها، والمشتري ربما يستقصى في الحلب والبائع يطالبه بأن يترك داعية اللبن، كل هذا وغيره من الجهالة التي تفضي إلى المنازعة بينهما، وهو بلا شك غرر ينهى عن مثله
= (6/ 411)، "مختصر المزني"(8/ 186)، "الحاوي الكبير"(5/ 332)، "البيان"(5/ 103)، "المغني"(6/ 300 - 301)، "الإنصاف"(4/ 301)، "معونة أولي النهى"(4/ 30)، "المحلى"(7/ 294).
(1)
سبق تخريجه.
(2)
أخرجه الدارقطني في "السنن"(40)، (3/ 14)، والبيهقي في "الكبرى"(10639)، (5/ 340)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(3708)، (4/ 101)، و"المعجم الكبير"(11935)، (11/ 338). قال البيهقي:[تفرد برفعه عمر بن فروخ، وليس بالقوي، وقد أرسله عنه وكيع، ورواه غيره موقوفا] ورجح الموقوف.
(3)
أي: كثير اللحم.
الشارع (1).
• المخالفون للإجماع:
اختلف العلماء في المسألة على عدة أقوال:
القول الأول: المالكية: قالوا بجواز بيع اللبن في الضرع بشروط سبعة، هي:
1) أن يكون لبن شياهٍ كثيرة، أما إن كان لبن شاة أو شاتين فكرهه مالك إلا أن يكون كيلا، كل قسط بكذا وكذا.
2) أن تكون متساوية في اللبن.
3) أن يكون قد عرف وجه حلابها.
4) أن يشرع في أخذ اللبن بعد العقد.
5) أن يعجل الثمن.
6) أن يكون الشراء في إبان الحلاب.
7) أن يكون الشراء لأجلٍ لا ينقص اللبن قبله (2).
القول الثاني: وجه عند الشافعية: قالوا بالجواز إذا حلب شيئا من اللبن فأراه إياه، ثم قال: بعتك رطلا مما في الضرع (3). وعندهم وجه بجواز ما لو قَبَضَ قدرا من الضرع ثم أحكم شده، وقال: أبيعك هذا القدر المقبوض (4).
القول الثالث: اختاره ابن تيمية وابن القيم، وقالوا: يجوز بيع اللبن في الضرع إذا كان موصوفا في الذمة، وكان من شاة أو بقرة معينة (5).
(1) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (12/ 194)، "العناية"(6/ 411)، "الوسيط"(3/ 41)، "المغني"(6/ 300)، "معونة أولي النهى"(4/ 30)، الشرح الممتع (8/ 169).
(2)
"المدونة"(3/ 318 - 319)، "التاج والإكليل"(7/ 545)، "الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي"(4/ 20 - 21).
(3)
"البيان"(5/ 104)، "المجموع" (9/ 396). وقد غلَّط الغزالي من قال بهذا الوجه فقال:[وغلط الفوراني؛ إذ ذكر في "الأنموذج" وجهين]. "الوسيط"(3/ 41).
(4)
"الوسيط"(3/ 41). وقال النووي في "المجموع"(9/ 396) عن هذا الوجه الذي انفرد بذكره الغزالي: [وهذا نقل غريب لا يكاد يوجد عند غيره].
(5)
"الأخبار العلمية من الاختيارت الفقهية"(ص 179)، "زاد المعاد"(5/ 822 - 823).
القول الرابع: قال به سعيد بن جبير (1)، ومحمد بن مسلمة (2)، قالوا: بجواز بيع اللبن في الضرع مطلقا (3).
القول الخامس: قال به الحسن البصري، وطاوس، ومجاهد، قالوا: بالكراهة لهذا البيع، ونقل عن طاوس الكراهة إلا أن يكون كيلا محددا (4).
واستدل المخالفون بعدة أدلة (5)، منها:
الأول: عن أبي البختري (6) قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن السلم في النخل
(1) سعيد بن جبير بن هشام أبو محمد مولاهم الكوفي، الإمام الحافظ المقرئ المفسر، من كبار التابعين، روى عن ابن عباس فأكثر وجوَّد، وكان يقول عنه إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه:[أليس فيكم ابن أم الدهماء؟ ] ويقول ميمون عنه: [لقد مات سعيد، وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه]. قتله الحجاج عام (95 هـ). "سير أعلام النبلاء"(4/ 321)، "طبقات الحفاظ"(ص 38).
(2)
محمد بن مسلمة بن محمد بن هشام بن إسماعيل أبو هشام، روى عن مالك وتفقه به، فكان أحد فقهاء المدينة، بل كان أفقهم في زمانه، وهو ثقة مأمون حجة، جمع العلم والورع. توفي عام (206 هـ). "الديباج المذهب"(ص 227)، "شجرة النور الزكية"(ص 56).
(3)
"المغني"(6/ 300)، "المجموع"(9/ 396)، لكن النووي لم يذكر إلا سعيدا فقط.
(4)
أخرجه عنهم: ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 223).
تنبيهات:
الأول: النووي في "المجموع" وابن قدامة في "المغني" نقلا عن الحسن أنه قال بالجواز، والمروي عنه في "المصنف" القول بالكراهة.
الثاني: أما طاوس فقد روي عنه القول بالكراهة المطلقة والكراهة المقيدة بالكيل، وكلاهما رواها ابن أبي شيبة عنه، وأخرج عنه الكراهة المطلقة: عبد الرزاق في "مصنفه"(8/ 75)، وذكر المقيدة النووي في "المجموع"(9/ 397).
الثالث: ربما المراد بالكراهة الكراهة التحريمية وليست التنزيهية، كما هو غالب استعمال المتقدمين لها، فيكون هذا القول ومن قال به موافقين للإجماع غير مخالفين له، لكن لا يمكن الجزم بذلك ما دام أن من العلماء من ذكر القولين وفصلهما كما فعل ابن قدامة في "مغنيه".
(5)
جمع الباحث أدلتهم لأنها أقوال متفقة على الإباحة، وإن اختلفت في التفاصيل.
(6)
سعيد بن فيروز وهو ابن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي أبو البختري، الفقيه أحد =