الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى يشتد" (1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل النهي إلى غاية محددة، وما بعدها يرجع إلى الأصل وهو الإباحة، فما بعد اشتداد الحب مباح، ومن باب أولى ما بعد التصفية.
النتيجة:
الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
16] تحريم بيع المعاومة:
• المراد بالمسألة: المعاومة في اللغة: مأخوذة من العام، وهي: السنة، كما يقال: مشاهرة، من الشهر، ومياومة، من اليوم. فيقال: عامله معاومة، أي: بالعام أو بالسنة (2).
أما في الاصطلاح فهي: بيع ما يثمره شجره، أو نخله، أو بستانه، أكثر من عام، سنتين أو ثلاث، أو أكثر، في عقد واحد (3).
ويطلق عليها بيع السنين أيضًا. وقد أجمع العلماء على تحريم بيوع الأعيان التي على هذا الوجه.
• من نقل الإجماع:
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع الثمار سنين، لا يجوز](4). نقله عنه النووي، وابن تيمية (5).
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [. . . بيع الثمار قبل أن تُخْلق، فجميع العلماء مطبقون على منع ذلك](6).
(1) سبق تخريجه.
(2)
"لسان العرب"(12/ 431)، "المحكم والمحيط الأعظم"(2/ 380)، "تاج العروس"(33/ 158).
(3)
"معالم السنن"(5/ 44)، "كشف المشكل"(3/ 14)، "نيل الأوطار"(5/ 209 - 210).
(4)
"الإجماع"(ص 129)، "الإشراف"(6/ 27).
(5)
"المجموع"(9/ 309)، "شرح صحيح مسلم"(10/ 193)، "الفتاوى الكبرى"(4/ 37)، "مجموع الفتاوى"(29/ 58).
(6)
"بداية المجتهد"(2/ 112).
• العيني (855 هـ) يقول: [وبيع الثمار قبل الظهور، لا يجوز بالإجماع](1).
• ابن الهمام (861 هـ) يقول: [لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر](2). نقله عنه ابن عابدين (3).
• ابن نجيم (970 هـ) يقول: [بيعها -أي: الثمرة- قبل الظهور، لا يصح اتفاقًا](4).
• عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي](1078 هـ) يقول: [. . . بيعها -أي: الثمرة - قبل البدو، لا يصح اتفاقًا](5).
• الصنعاني (1182 هـ) يقول: [والإجماع قائم على أنه لا يصح بيع الثمار قبل خروجها](6).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (7).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة، والمزابنة، والمعاومة، والمخابرة -قال أحدهما: بيع السنين هي: المعاومة- وعن الثنيا، ورخص في العرايا"(8).
الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين، ووضعَ الجوائح"(9).
(1)"البناية"(8/ 37).
(2)
"فتح القدير"(6/ 187).
(3)
"رد المحتار"(4/ 555).
(4)
"البحر الرائق"(5/ 324).
(5)
"مجمع الأنهر"(2/ 17).
(6)
"سبل السلام"(2/ 64).
(7)
"المحلى"(7/ 311).
تنبيه: ابن حزم لم يشر إلى هذه المسألة بعينها، لكنه منع من بيع ما لم يظهر من المقاثي والياسمين والنور، وكذا الجزة الثانية من القصيل وأشباهها، فمن باب أولى أن يقول بالمنع في مسألتنا.
(8)
سبق تخريجه. وقوله: [قال أحدهما] المقصود بهما، هما: أبو الزبير وسعيد بن ميناء وهما الراويان عن جابر.
(9)
أخرجه (1536)، (3/ 954).
الثالث: عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك"(1).
• وجه الدلالة: أن بيع الثمر سنين متعددة، ليست عند البائع، فلا يملك حينئذ بيعها.
• المخالفون للإجماع:
نُقل الخلاف في المسألة عن اثنين من الصحابة، وهما: عمر، وابن الزبير رضي الله عنهما.
أما عمر: فقد جاء عنه أن أسيد بن حضير (2) مات وعليه دين، فباع عمر ثمرة أرضه سنتين. وفي رواية: ثلاث سنين. وفي رواية: أربع سنين (3).
وجاء عن محمد بن علي (4) قال: وُلِيت صدقة النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيت محمود بن لبيد (5)، فسألته؟ فقال: إن عمر كان عنده يتيم، فباع ماله ثلاث سنين (6).
(1) سبق تخريجه.
(2)
أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس الأنصاري الأشهلي، من السابقين إلى الإسلام، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، وكان ممن ثبت يوم أحد وجرح حينئذ سبع جراحات، كان أبو بكر لا يقدم أحدا من الأنصار عليه. مات عام (20 هـ). "الاستيعاب"(1/ 92)، "طبقات ابن سعد"(3/ 603)، "الإصابة"(1/ 83).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 400). ورواية الأربع سنوات أخرجها: ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق"(9/ 94).
(4)
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر، ولد عام (56 هـ) كان أحد من جمع العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة، شُهِر بالباقر من بَقَر العلم أي: شقه فعرف أصله وخفيه، اتفق الحفاظ على الاحتجاج به. توفي عام (114 هـ). "طبقات ابن سعد"(5/ 320)، "سير أعلام النبلاء"(4/ 401).
(5)
محمود بن لبيد بن رافع بن امرئ القيس بن زيد الأنصاري الأوسي الأشهلي، له صحبة وهو أسن من محمود بن الربيع، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحدث عنه بعدة أحاديث. توفي عام (96 هـ). "الاستيعاب"(3/ 1378)، "أسد الغابة"(5/ 112)، "الإصابة"(6/ 42).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 400) وقد وقع فيه [كتب] بدل [وليت]، وبزيادة [إلي] بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي النسخة الحديثة، والتي بتحقيق/ الجمعة واللحيدان (7/ 781)، فيها [وكتب] والتصحيح من "الاستذكار"(6/ 306).
أما ابن الزبير: فقد جاء عن جابر رضي الله عنه قال: [نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معاومة](1).
أما ما جاء عن عمر رضي الله عنه: فعنه جوابان:
الأول: يحتمل أن ما جاء عنه -إن صح- على أنه باع كل سنة على حدة، ولم يكن جملة واحدة لجميع السنين (2)، ويؤيد هذا ما جاء عنه في رواية أخرى، وفيها: لما مات أسيد، وكان دينه أربعة آلاف، بيعت أرضه، فقال عمر:[لا أترك بني أخي عالة] فرد الأرض، وباع ثمرها من الغرماء، أربع سنين بأربعة آلاف، كل سنة ألف درهم.
الثاني: ويحتمل أيضًا أن ما جاء عنه رضي الله عنه أنه طلب من غرمائه أن يمهلوه أربع سنين، ويسدد لهم كل سنة ألفًا، يبيع ثمر الحائط كل عام، ويعطيهم ثمنه، ويشهد له ما جاء في رواية أخرى، وفيها أنه لما قام غرماؤه بماله، قال عمر:[في كم يؤدي غرماؤه ما عليه من الدين؟ ] فقيل له: في أربع سنين. قال: فرضوا بذلك، فأقر المال لهم، ولم يكن باع ثمار نخل أسيد أربع سنين من عبد الرحمن بن عوف، ولكنه وضعه على يدي عبد الرحمن بن عوف للغرماء (3). فهذا من باب الإمهال في سداد الدين، وليس من باب البيع.
وذكر هذه الاحتمالات عن عمر من باب الالتماس لأمير المؤمنين في هذه المسألة، خاصة وأنه ثبت عنه أنه نهى عن بيع ثمار النخيل حتى تحمار أو تصفار (4)، فإذا نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها، فمن باب أولى أن يقول بالنهى عن بيع ما لم يخلق أصلا.
أما ما جاء عن ابن الزبير: فهو -إن صح عنه- فإن ظاهره أنه ليس رأيا رآه وعمل به عن علم وبصيرة، بل يدلس على عدم علمه بالحكم من قبل، ولذا أنكر
(1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(8/ 66)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 400).
(2)
ينظر: "الاستذكار"(6/ 307). وقد علق الإجابة عما جاء عن عمر وابن الزبير على فرض صحته عنهما.
(3)
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق"(9/ 94).
(4)
أخرجه عنه: عبد الرزاق في "مصنفه"(8/ 65).