الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثاني: أن يكون الإجماع صادرا من جميع مجتهدي العصر:
وهذا يعني أنه إذا خالف واحد أو اثنان فإن اتفاق الباقين غير معتبر.
وقد اختلف العلماء في هذا الشرط على قولين، هما (1):
القول الأول: أنه لا بد من اتفاق الجميع على المسألة، وهذا قول جماهير العلماء (2)(3).
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:
الدليل الأول: الأدلة السابقة التي في حجية الإجماع، وهي دالة على عصمة الأمة عن الخطأ، ولفظ الأمة إنما يطلق على الجميع، وليس على الأكثر، ولا يطلق عليه إلا بقرينة.
الدليل الثاني: وقوع اتفاق الأكثر في زمن الصحابة مع مخالفة الأقل لهم، فقد سوغوا لهم الاجتهاد بلا نكير، فلو كان اتفاق الأكثر إجماعا يلزم غيرهم أن يأخذوا به لأنكروا عليهم، وبادروا بتخطئتهم، كما وقع في مخالفة ابن عباس رضي الله عنهما في بعض مسائل الربا والفرائف، وأما ما يوجد منهم من الإنكار في هذه الصورة فلم يكن إنكار تخطئة، بل إنكار مناظرة في المأخذ، ولذلك بقي الخلاف الذي ذهب إليه الأقلون منقولا إلى زماننا، بل ربما ظهر أن ما ذهب إليه الأقل هو
= ويقول: [استقرينا موارد الإجماع فوجدناها كلها منصوصة، وكثير من العلماء لم يعلم النص وقد وافق الجماعة]. "مجموع الفتاوى"(19/ 194) وما بعدها.
(1)
ويظهر -واللَّه أعلم- للباحث أن مخالفة الواحد والاثنين إذا ثبت أنها شاذة، فالعلماء متفقون على أنها لا تؤثر على الإجماع في شيء، وربما كان أصحاب القول الثاني يرون أنه في الغالب أن المخالفة إذا كانت من واحد أو من اثنين فإنها تكون شاذة غير معتبرة.
(2)
"إحكام الفصول"(ص 461)، "كشف الأسرار"(3/ 245)، "أصول السرخسي"(1/ 316)، "شرح تنقيح الفصول"(ص 336)، "الإحكام" للآمدي (1/ 235)، "التلخيص في أصول الفقه"(3/ 62)، "المستصفى"(1/ 186)، "التمهيد" لأبي الخطاب (3/ 260).
(3)
وقد اختلف أصحاب هذا القول: هل يعتبر قول الأكثر حجة أم لا؟ على قولين: الأول: أنه ليس بحجة، وهو قول جماهيرهم. الثاني: أنه حجة، وهو قول ابن الحاجب. ينظر:"مختصر ابن الحاجب"(2/ 34).
المعوَّل عليه فيما بعد، كما وقع في قتال الردة (1).
القول الثاني: أن مخالفة الواحد والاثنين لا تؤثر في الإجماع. وهذا قول ابن جرير الطبري، وأبي بكر الجصاص (2)، وبعض المعتزلة (3)، وقد أومأ إليه الإمام أحمد (4).
واستدلوا بعدة أدلة، منها:
الدليل الأول: الوقوع: فإنه لما اتفق أكثر الأمة على مبايعة أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة، انعقد الإجماع على ذلك، ومن المعلوم أن بعض الصحابة خالف في ذلك، فلو لم يكن اتفاق الأكثر إجماعا لما كانت خلافة أبي بكر ثابتة بالإجماع.
وأجيب عن هذا الدليل: بعدم التسليم بما ذكر، حيث إن خلافة أبي بكر وقعت باتفاق الصحابة، فبعضهم نطق بالمبايعة، وبعضهم لم ينكر ذلك، وما نُقل عن تأخر بعضهم إنما كان لعذر خاص، ثم نقل عنه المبايعة صراحة.
الدليل الثاني: أنه لو اعتبرت مخالفة الواحد أو الاثنين لما انعقد الإجماع أصلا؛ لأنه ما من إجماع إلا ويمكن مخالفة الواحد والاثنين فيه (5).
الترجيح: ويظهر -واللَّه أعلم- أن الراجح هو القول الأول؛ وذلك لقوة أدلته،
(1) ينظر في الأدلة عدا مراجع المسألة: "المهذب في أصول الفقه المقارن"(2/ 896).
(2)
أحمد بن علي الرازي أبو بكر الجصاص، فقيه أصولي مفسر، انتهت إليه رئاسة الحنفية في عصره، سكن بغداد، من آثاره:"أحكام القرآن"، "شرح على الجامع الكبير"، و"الجامع الصغير". توفي عام (370 هـ). "الطبقات السنية"(1/ 412)، "الجواهر المضية"(1/ 223).
(3)
المعتزلة: هي إحدى الفرق الضالة، سميت بذلك لما سأل رجل الحسن عن مرتكب الكبيرة، فقال واصل بن عطاء: ليس بمؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل مجلس الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنا واصل. اتفقوا على أصول خمسة يقولون بها: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قوي أمرهم في عهد المأمون والمعتصم والواثق. "مقالات الإسلاميين"(1/ 235)، "الفَرق بين الفِرق"(ص 93).
(4)
"البرهان"(1/ 721)، "أصول السرخسي"(1/ 316)، "العدة" لأبي يعلى (4/ 1119)، "روضة الناظر"(2/ 474).
(5)
ينظر في الأدلة عدا المراجع السابقة: "المهذب في أصول الفقه"(2/ 898).