الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الدلالة: أن الاستثناء في البيع إذا كان معلوما فإن البيع صحيح، فيدخل في هذا الاستثناء إذا كان من جنس المستثنى منه.
الثاني: أن المستثنى يجوز إفراده بالبيع، وما جاز إفراده بالبيع جاز استثناؤه.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
67] جواز استثناء المبيع المعلوم وتحريم المجهول:
• المراد بالمسألة: الاستثناء في البيع لا يخلو من حالين:
الأول: أن يكون الاستثناء معلوما، والمبيع بعده معلوما، يمكن فصله عن المستثنى منه بغير ضرر، فإذا كان كذلك، وكان محرزا، فإن هذا جائز. مثل أن يقول: بعتك ثمرة هذا الحائط إلا ثمرة هذه النخلات العشر المعينات، أو يقول: بعتك هذه الدار إلا ربعها.
الثاني: أن يكون الاستثناء مجهولا، والمبيع بعده مجهولا، فإنه لا يجوز، مثل أن يقول: بعتك هذه الثمرة إلا قوت سنتي، أو قوت غلماني (1).
وكلا الحالتين مجمع عليها بين العلماء.
• من نقل الإجماع:
• الإمام الشافعي (204 هـ) لما أورد عن عطاء جملة من الآثار، منها ما جاء عن ابن جريج (2) أنه قال: قلت لعطاء: أبيعك حائطي إلا خمسين فرقا، أو كيلا مسمى ما كان؟ قال لا، قال ابن جريج: فإن قلت: هي من السواد سواد الرطب؟ قال: لا. ومنها ما أخرجه عن ابن جريج أنه قال: قلت لعطاء: أبيعك نخلي إلا عشر نخلات أختارهن؟ قال: لا، إلا أن نستثني أيهن هي قبل البيع تقول هذه وهذه. وكذلك ما أخرجه عن ابن جريج أنه قال لعطاء: أيبيع الرجل نخله أو عنبه أو بره أو عبده أو سلعته ما كانت على أني شريكك بالربع وبما كان من ذلك؟ قال: لا بأس
= (9/ 376): [وهذه الزيادة التي ذكرها الترمذي والنسائي حسنة، فإنها مبينة لرواية مسلم].
(1)
"تكملة المجموع"(11/ 155).
(2)
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أبو خالد وأبو الوليد القرشي الأموي المكي مولاهم، ولد عام (80 هـ) شيخ الحرم، وأول من دون العلم بمكة، حدث عن عطاء فأكثر وجوَّد. مات عام (150 هـ). "سير أعلام النبلاء"(6/ 325)، "تهذيب الكمال"(18/ 338).
بذلك. وكذلك ما أخرجه عن ابن جريج أنه قال: قلت لعطاء: أبيعك ثمر حائطي بمائة دينار، فضلا عن نفقة الرقيق؟ فقال: لا، من قبل أن نفقة الرقيق مجهولة ليس لها وقت، فمن ثم فسد. يقول لما أورد هذه الآثار عن عطاء:[ما قال عطاء من هذا كله كما قال -إن شاء اللَّه- وهو في معنى السنة والإجماع](1).
• الماوردي (450 هـ) يقول: [أن يقول: بعتك ثمرة هذا الحائط إلا ثمرة هذه النخلات العشر بعينها، فهذا بيع جائز باتفاق العلماء. . .، أن يكون الاستثناء مجهولا والمبيع بعده مجهولا. . .، فالمشاع: أن يقول: بعتك هذه الثمرة إلا قوت نفسي، أو إلا ما يأكله عبيدي، فهذا باطل باتفاق](2).
• ابن حزم (456 هـ) يقول [الحلال في ذلك: أن يستثني من الجملة إن شاء أيَّ جملة كانت: حيوانا أو غيره، أو من الثمرة: نصف كل ذلك مشاعا، أو ثلثي كل ذلك، أو أكثر، أو أقل، جزءا مسمى منسوبا مشاعا في الجميع. أو يبيع جزءا كذلك من الجملة مشاعا، أو يستثني منها عينا معينة محوزة -كثرت أو قلت- فهذا هو الحق الذي لا خلاف من أحد في جوازه](3).
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [لا أعلم خلافا بين فقهاء الأمصار أنه لا يجوز لأحد أن يستثني ثمر نخلات معدودات، من حائط رجل، غير معينات، يختارها من جميع النخل، وكذلك لا يجوز ذلك عندهم في ألوان النخيل، ولا في الثياب، ولا في العبيد، ولا في شيء من الأشياء](4). نقله عنه ابن القطان (5).
• الباجي (474 هـ) يقول: [استثناء الرجل من حائطه في البيع عدد نخلات، يكون على ثلاثة أوجه، أحدها: أن يعينها، وذلك لا خلاف في جوازه](6).
• القاضي عياض (544 هـ) يقول بعد أن تحدث عن الثنيا في البيع: [فأما النخلات المعينات، بلا خلاف في جواز استثنائه](7).
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا باع حائطا، واستثنى منه
(1)"الأم"(3/ 60 - 61).
(2)
"الحاوي الكبير"(5/ 202).
(3)
"المحلى"(7/ 346 - 347).
(4)
"الاستذكار"(6/ 339).
(5)
"الإقناع" لابن القطان (4/ 1806).
(6)
"المنتقى"(4/ 238).
(7)
"إكمال المفهم"(5/ 191).
نخلة بعينها، جاز] (1).
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وأجمعوا من هذا الباب على جواز بيع الرجل ثمر حائطه، واستثناء نخلات معينات، منه. . .، واتفقوا على أنه لا يجوز أن يستثني من حائط له عدة نخلات غير معينات، إلا بتعيين المشتري لها بعد البيع](2).
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إذا استثنى نخلة، أو شجرة بعينها، جاز ولا نعلم في ذلك خلافا](3).
• أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [أن يستثني نخلات مجهولات، أو كيلا مجهولا من الثمرة، على أن يُعيَّن ذلك بعد البيع، فذلك ممنوع فاسد باتفاق](4).
• النووي (676 هـ) يقول: [فلو قال: بعتك هذه الأشجار إلا هذه الشجرة، أو هذه الشجرة إلا ربعها، أو الصبرة إلا ثلثها، أو بعتك بألف إلا درهما، وما أشبه ذلك من الثنيا المعلومة، صح البيع باتفاق العلماء](5).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [فإن استثنى معينا من ذلك جاز. . .، لا نعلم في هذا خلافا](6).
• ابن تيمية (728 هـ) يقول في معرض كلامه عن الشروط في العقود: [فكما جاز بالإجماع استثناء بعض المبيع، وجوَّز أحمد وغيره استثناء بعض منافعه، جوز أيضا استثناء بعض التصرفات](7). ويقول أيضا: [أجمع المسلمون -فيما أعلمه- على جواز استثناء الجزء الشائع، مثل: أن يبيعه الدار إلا ربعها أو ثلثها. واستثناء الجزء المعين إذا أمكن فصله بغير ضرر، مثل: أن يبيعه ثمر البستان إلا نخلات بعينها، أو الثياب أو العبيد، أو الماشية التي قد رأياها، إلا شيئا منها قد عيَّناه](8).
(1)"الإفصاح"(1/ 286).
(2)
"بداية المجتهد"(2/ 123).
(3)
"المغني"(6/ 173).
(4)
"المفهم"(4/ 404).
(5)
"شرح صحيح مسلم"(10/ 195).
(6)
"الشرح الكبير" لابن قدامة (11/ 116).
(7)
"مجموع الفتاوى"(29/ 137)، "الفتاوى الكبرى"(4/ 82).
(8)
"مجموع الفتاوى"(29/ 171)، "الفتاوى الكبرى"(4/ 102).
• تقي الدين السبكي (1)(756 هـ) يقول: [أن يكون الاستثناء معلوما، والمبيع بعده معلوما، وهذا على ضربين: مشاع ومحدد، فالمحدد: بعتك ثمرة هذا الحائط إلا ثمرة هذه النخلات العشر بعينها، فهذا جائز بالاتفاق، . . . أن يكون الاستثناء مجهولا، والمبيع بعده مجهولا، وهو ضربان: مشاع ومحدد، فالمشاع: كقوله: بعتك هذه الثمرة إلا قوت سنتي، أو قوت غلماني، باطل اتفاقا](2).
• الأُبِّي (827 هـ) يقول لما ذكر أن لبيع الثنيا صورا: [الأولى: أن يستثني من الحائط نخلات معينة، فيجوز باتفاق قَلَّت أو كثرت. . .، الثانية: أن يستثني نخلات يختارها، فلا يجوز باتفاق]. نقله عنه السنوسى (3) وزاد صورة فقال: [أن يستثني بعضها مجهولا، فكذلك لا يجوز باتفاق](4).
• ابن نجيم (970 هـ) لما ذكر مسألة استثناء أرطال معلومة عند شراء النخل يقول: [فإن استثنى جزءا: كربع وثلث، فإنه صحيح اتفاقا](5). نقله عنه ابن عابدين (6).
(1) علي بن عبد الكافي بن علي السبكي تقي الدين المصري الشافعي، ولد عام (683 هـ) ساد أهل مصر قاطبة بعلمه، وتولى قضاء الشام، من آثاره:"شرح المنهاج" للنووي، تكملة جزء من "شرح المهذب"، وله تفسير. توفي عام (756 هـ). "طبقات السبكي"(10/ 139)، "الدرر الكامنة"(3/ 134).
(2)
"تكملة المجموع"(11/ 155). وفي المطبوع [مشاع ومحرز، فالحرز]. وهو تصحيف.
(3)
محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي الحسيني أبو عبد اللَّه، ولد عام (832 هـ) عالم تلمسان في عصره وصالحها، من آثاره:"شرح على البخاري" لم يكمله، "أم البراهين"، "شرح كلمتي الشهادة"، "مكمل إكمال الإكمال على مسلم". توفي عام (895 هـ). "نيل الابتهاج"(ص 329)، "شجرة النور الزكية"(ص 266)، "الأعلام"(7/ 154).
(4)
"مكمل إكمال الإكمال"(4/ 214 - 215). ولعل العبارة فيها سقط، وتستقيم إذا قال [فيكون بعضها مجهولا].
(5)
"البحر الرائق"(5/ 328). وقد نقله عن البدائع، وبعد الرجوع إلى المسألة في "البدائع" لم أجده ذكر الاتفاق.
(6)
"رد المحتار"(4/ 559). وقد نقله عن ابن نجيم، وبيَّن أن ابن نجيم نقله عن الكاساني.
• عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي](1078 هـ) يقول: [فإن استثنى جزءا كربع وثلث، فإنه صحيح اتفاقا](1).
• الصنعاني (1182 هـ) يقول: [أن يبيع أشجارا أو أعنابا ويستثني واحدة معينة، فإن ذلك يصح اتفاقا](2).
• الشوكاني (1250 هـ) يقول: [إن كان الذي استثناه معلوما، نحو: أن يستثني واحدة من الأشجار، أو منزلا من المنازل، أو موضعا معلوما من الأرض، صح بالاتفاق](3).
• عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه متى كان المستثنى معلوما، يعرفانه، صح البيع](4).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة (5) والمزابنة (6) والمخابرة (7) والثُّنيا إلا أن تعلم"(8).
(1)"مجمع الأنهر"(2/ 20).
(2)
"سبل السلام"(2/ 25).
(3)
"نيل الأوطار"(5/ 180).
(4)
"حاشية الروض المربع"(4/ 357).
(5)
المحاقلة مفاعلة من الحقل، وهو: الزرع إذا تشعب قبل أن يغلظ سوقه، وقيل: الحقل الأرض التي تزرع. وهي كراء الأرض بالحنطة، أو كراؤها بجزء مما يخرج منها، وقيل: بيع الزرع قبل طيبه، أو بيعه في سنبله بالبر. "مشارق الأنوار"(1/ 209)، "المطلع"(ص 240).
(6)
المزابنة مفاعلة من الزبن، وهو: الدفع، وهي: بيع معلوم بمجهول من جنسه، أو بيع مجهول بمعلوم من جنسه. سميت بذلك؛ لأن كل واحد منهما يظن غبن صاحبه ودفعه عن الربح عليه وعن حقه الذي يريد غبنه فيه. "مشارق الأنوار"(1/ 309)، "المطلع"(ص 240).
(7)
المخابرة، مأخوذة من الخبير، وهو: الأكَّار، وهو الفلاح الحراث. وقيل من الخبار وهي: الأرض اللينة. وقيل من الخُبر وهو: النصيب. وقيل: هي مشتقة من خيبر؛ لأن أول هذه المعاملة كان من النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود. وهي في الاصطلاح: المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها، ويكون البذر من العامل. والمزارعة مثلها إلا أن البذر من مالك الأرض. "تهذيب الأسماء واللغات"(3/ 83) بتصرف.
(8)
سبق تخريجه.