الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القياس على المساقاة: فكما أنها جائزة بنص السنة، فكذلك هذه المسألة (1).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها.
5] بطلان المزارعة على جزء معين من الزرع:
• المراد بالمسألة: المزارعة في اللغة: مأخوذة من الزرع، وأصل الكلمة يدل على تنمية الشيء (2)، يقال: العبد يحرث، واللَّه يزرع، أي: ينبت وينمي، قال تعالى:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)} (3). وزرع الزارع الأرض من إسناد الفعل إلى السبب مجازا (4).
• وفي الاصطلاح: معاقدة على الزرع بين صاحب الأرض وبين المزارع، على أن يقسم الحاصل بينهما بالحصص التي يتفقان عليها وقت العقد (5).
إذا دفع أرضه إلى من يزرعها ويعمل عليها، واشترط على العامل أن يكون له جزء معين من الزرع، مثل: أن يشترط جهة من الزرع كالجهة الشمالية ونحوها، أو ما يكون على السواقي والجداول ونحوها، فالعقد فاسد، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن بطال (449 هـ) يقول: [هذا الوجه المنهي عنه في هذا الحديث -أي: حديث رافع- لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز](6).
• الماوردي (450 هـ) يقول: [. . . فأما الضرب الذي أجمعوا على فساده: فهي أن تكون حصة كل واحد منهما من زرع الأرض مفردة عن حصة صاحبه، مثل
(1) ينظر: "مدونة الفقه المالكي وأدلته"(3/ 598).
(2)
"معجم مقاييس اللغة"(3/ 50)، وينظر:"العين"(1/ 353).
(3)
الواقعة: الآية (64 - 65).
(4)
"أساس البلاغة"(ص 269).
(5)
"معجم المصطلحات الاقتصادية"(ص 304). وينظر: "المطلع"(ص 263)، "طلبة الطلبة"(ص 304)، "تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 217)، واشترط النووي أن يكون البذر من مالك الأرض، بخلاف المخابرة فإن البذر من العامل وهذا رأي الجمهور، وقيل: هما بمعنى واحد. ورده النووي.
(6)
"شرح ابن بطال على صحيح البخاري"(6/ 471).
أن يقول: قد زارعتك على هذه الأرض على أن ما زرعت من هرن (1) كان لي، وما زرعت من أفل (2) كان لك، أو على ما نبت من الماذيانات (3) كان لي، وما نبت على السواقي والجداول كان لك، أو على أن ما سقي بالسماء فهو لي، وما سقي بالرشاء فهو لك، فهذه مزارعة باطلة، اتفاق الفقهاء على فسادها] (4).
• العمراني (558 هـ) يقول: [فإن دفع رجل إلى رجل أرضا ليزرعها، على أن يكون لرب الأرض أو للعامل زرع موضع بعينه، مثل: أن يقول: زارعتك على هذه الأرض، على أن لك ما ينبت على السواقي وما أشبه ذلك، والباقي لي، فهذا باطل بالإجماع](5).
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وإن زارعه على أن لرب الأرض زرعا بعينه، وللعامل زرعا بعينه، مثل أن يشترط لأحدهما زرع ناحية، وللآخر زرع أخرى، أو يشترط أحدهما ما على السواقي والجداول، إما منفردا، أو مع نصيبه، فهو فاسد بإجماع العلماء](6). نقله عنه البهوتي (7).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [لو شرط لأحدهما (دراهم معلومة، أو زرع ناحية معينة) أو يشترط لأحدهما ما على الجداول، إما منفردا أو مع نصيبه، فهو فاسد بإجماع العلماء](8).
(1) الهرن والهيرون: ضرب من التمر جيد لعمل السل. وقال بعض أهل اللغة بأنه لا يعرف هذه الكلمة في العربية، ولا يعرف نبات بهذا الاسم. ينظر:"تهذيب اللغة"(6/ 147)، "لسان العرب"(13/ 436).
(2)
أَرض فِلٌّ وفَلٌّ جَدْبَة. وقيل: هي التي أخْطَأَها المطر أعوامًا. وقيل: هي الأرضُ التي لم تُمْطَر بين أَرْضَيْنِ مَمْطوَرَتين. فأَمَّا الفِلُّ فالتي تُمْطر ولا تُنْبِت. وقيل: الفلُّ: الأرض القفرة. "المحكم والمحيط الأعظم"(10/ 364)، "تهذيب اللغة"(15/ 241).
(3)
الماذيانات، جمع ماذيان، بكسر الذال في الأكثر، وقد فتحها بعضهم. قيل: هي أمهات السواقي. وقيل: هي السواقي الصغار، كالجداول. وقيل: الأنهار الكبار. وهي ليست بعربية بل سوادية. ومعناه: على أن ما ينبت على حافتيها لرب الأرض. "مشارق الأنوار"(1/ 376)، "النهاية"(4/ 313).
(4)
"الحاوي الكبير"(7/ 450).
(5)
"البيان"(7/ 277).
(6)
"المغني"(7/ 566).
(7)
"كشاف القناع"(3/ 544).
(8)
"الشرح الكبير" لابن قدامة (14/ 246).
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المخابرة وكراء الأرض، قد جاء مفسرا بأنهم كانوا يشترطون لرب الأرض زرع بقعة معينة، ومثل هذا الشرط باطل بالنص والإجماع](1). ويقول أيضًا: [. . . وما أعلم فيه مخالفا، أنه لا يجوز أن يشترط لأحدهما ثمرة شجرة بعينها، ولا مقدارا محدودا من الثمر، وكذلك لا يشترط لأحدهما زرع مكان معين، ولا مقدارا محدودا من نماء الزرع، وكذلك لا يشترط لأحدهما ربح سلعة بعينها، ولا مقدارا محدودا من الربح](2).
• برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [. . . (أو شرطا لأحدهما قفزانا معلومة. . .، أو دراهم معلومة. . .، أو زرع ناحية من الأرض فسدت المزارعة والمساقاة) بإجماع العلماء](3).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية (4).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن حنظلة بن قيس الأنصاري (5) قال: سألت رافع بن خديج رضي الله عنه عن
(1)"مجموع الفتاوى"(20/ 548)، وقريب منه في (30/ 121 - 122).
(2)
"مجموع الفتاوى"(30/ 104 - 105).
(3)
"المبدع"(5/ 58).
(4)
"المبسوط"(23/ 60 - 61)، "بدائع الصنائع"(6/ 177 - 178)، "الهداية"(9/ 469 - 470)، "المقدمات الممهدات"(2/ 226)، "المعلم"(2/ 179)، "عقد الجواهر الثمينة"(2/ 832)، "الأم"(4/ 12 - 13)، "المحلى"(7/ 44 - 45).
تنبيهان: الأول: المالكية يرون منع كراء الأرض بالطعام أو بما يخرج منها مطلقًا، لا فرق عندهم بين أن يكون جزءا مشاعا كالنصف أو الربع، أو جزءا معينا من الأرض، وبهذا يعلم أنهم يوافقون الإجماع في هذه المسألة.
الثاني: الشافعية يرون عدم جواز المزارعة مطلقًا إذا كانت مفردة، بخلاف ما إذا كانت تابعة للمساقاة.
(5)
حنظلة بن قيس بن عمرو بن حصين الأنصاري الزرقي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وله رواية عن عمر وعثمان، قال الزهري: [ما رأيت من الأنصار أحزم ولا أجود من حنظلة بن =