الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول: من شروط السلم: أن يكون مالا متقوما يُنتفع به شرعا، والخمر ليست كذلك، وأهل الذمة يُقرُّون على بيعها بينهم، فإذا أسلم أحدهما أو كلاهما، فإنه تذهب مالية الخمر التي أُسلم عليها، ويبطل السلم، ويُلزم حينئذ برد رأس المال.
الثاني: القياس على البيع: فكما أنه لا يجوز العقد على العين المحرمة ابتداء، فلأن يكون التحريم إذا كانت مملوكة بالعقد دينًا من باب أولى.
• المخالفون للإجماع:
خالف في هذه المسألة: الليث، وقال: إذا أسلم المشتري، أُخِذ منه قيمة الخمر يوم تقاضاه، فإن كانت القيمة أقل من رأس المال أخذ ذلك رهنًا، وإن كانت القيمة أكثر من رأس المال أعطي تلك القيمة، ولم يعط المسلم أكثر من رأس المال (1). فهو يوافق العلماء على أن السلم يرد، لكن يخالفهم في كيفية الرد، ولم أجد دليلًا يستدل به على قوله.
وكذلك لم أجد من وافقه على هذا القول، فإن ثبت عنه فهو قول شاذ لا يعتد به.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة، وذلك لشذوذ القول المخالف فيها.
32] عدم صحة السلم الذي أُبطل فيه الخيار بعد هلاك السلعة أو استهلاكها:
• المراد بالمسألة: من المتقرر أن خيار الشرط لا يصح في السلم، ويبطل العقد معه، فإذا شرطه أحد المتعاقدين، ثم نقضه قبل افتراقهما، وتبيَّن أن رأس مال السلم قد تلف أو استهلك، فإن العقد يبقى غير صحيح، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• الكاساني (587 هـ) يقول: [لو أبطل صاحب الخيار خياره قبل الافتراق بأبدانهما، ورأس المال. . . كان هالكًا، أو مستهلكًا، لا ينقلب -أي: العقد- إلى الجواز، بالإجماع](2).
(1)"مختصر اختلاف العلماء"(3/ 28).
(2)
"بدائع الصنائع"(5/ 201).
• العيني (855 هـ) يقول: [(ولو أسقط خيار الشرط قبل الافتراق، ورأس مال السلم قائم، جاز) السلم عندنا، وإنما قيد يكون رأس المال قائمًا؛ لأنه إذا أسقط خياره بعد هلاك رأس المال في يد المسلم إليه، وإنفاقه، لا يعود المسلم جائزًا، بالإجماع](1).
• ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(ولو أسقط خيار الشرط قبل الافتراق، ورأس مال السلم قائم، جاز) المسلم (خلافًا لزفر) وإنما قيد بقيام رأس المال؛ لأنهما لو أسقطاه بعد إنفاقه، أو استهلاكه، لا يعود صحيحا، اتفاقا](2).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (3).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: أن رأس المال في حال الهلاك أو الاستهلاك يتعذر تسليمه في مجلس العقد، فيصبح دينًا على المسلم إليه، والسلم لا ينعقد برأس مال دين؛ لأنه يصبح حينئذ من باب بيع الدين بالدين، المتفق على تحريمه (4).
الثاني: أن معنى السلم ينتقض في هذه الحالة؛ إذ معناه في لغة الشارع هو أن يعطي شيئًا في شيء، فمن لم يدفع ما أسلف أو تعذر عليه، فإنه لم يسلف شيئًا، لكن وعد بأن يسلف (5).
(1)"البناية"(8/ 354).
(2)
"فتح" القدير" (7/ 99).
(3)
"المدونة"(3/ 88)، "المنتقى"(4/ 300)، "منح الجليل"(3/ 332 - 334)، "الأم"(3/ 73، 95)، "أسنى المطالب"(2/ 122 - 123)، "تحفة المحتاج"(5/ 4 - 5)، "المغني"(6/ 408 - 409)، "كشاف القناع"(3/ 304 - 305)، "مطالب أولي النهى"(3/ 226)، "المحلى"(8/ 46).
تنبيه: عامة العلماء على عدم ذكر هذه المسألة، لكنهم ينصون على اشتراط تسليم رأس المال في المجلس وإذا تلف رأس المال أو استهلك، فإنه لا يمكن تسليمه في المجلس. والحنابلة يقولون بأنه إذا قبض الثمن فوجده رديئًا، فرده والثمن معين، بطل العقد برده.
(4)
ينظر: "بدائع الصنائع"(5/ 201).
(5)
"المحلى"(8/ 46).