الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم من قال بأنها محمولة على أن الشفيع عفا ولم يطالب. وهم القاضي وابن عقيل (1).
ولعل الثانية أرجح من جهة أن القائلين بها هم أوثق في نقل المذهب عن الإمام وفهم مراده، وحتى لا ينسب الإمام إلى مخالفة الإجماع.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
15] أخذ الوصي الشفعة للصبي:
• المراد بالمسألة: من المتقرر شرعا أن الصبي لا يستقل بالتصرف بنفسه، فإذا كان كذلك فلو كان له عقار ومعه شريك، وأراد الشريك أن يبيع نصيبه، فلولي الصبي الحق بالمطالبة بالشفعة عنه في هذه الحالة، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن للوصي الأخذ بالشفعة للصبي. وانفرد الأوزاعي فقال: حتى يبلغ الصبي، فيأخذ لنفسه](2).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على الإجماع في المسألة: الحنفية، والمالكية، والحنابلة (3).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الشفعة في كل شرك: في أرض، أو ربع، أو حائط، لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه، فيأخذ أو يدع، فإن أبى فشريكه أحق به، حتى يؤذنه"(4).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للشريك الحق في الشفعة، ولم يفرق بين كبير
(1) ينظر: "الإنصاف"(6/ 288).
(2)
"الإجماع"(ص 136).
(3)
"المبسوط"(14/ 217)، "بدائع الصنائع"(5/ 16 - 17)، "العناية"(9/ 423 - 424)، "البحر الرائق"(8/ 166)، "رد المحتار"(6/ 249)، "المدونة"(4/ 217)، "التاج والإكليل"(7/ 388)، "المغني"(7/ 470 - 472)، "دقائق أولي النهى"(2/ 339)، "مطالب أولي النهى"(4/ 116 - 117).
(4)
سبق تخريجه.
وصغير، وبما أن الصغير لا يملك التصرف في نفسه، فإن الولي يقوم مقامه في الأخذ بحقه.
الثاني: القياس على التصرف في سائر حقوق الصغير: فكما أن الولي له الحق في الشراء للصغير فيما له فيه منفعة متحققة، فكذلك الأخذ له بالشفعة، فهي لون من ألوان الشراء له (1).
الثالث: أن سبب الاستحقاق متحقق في حق الصغير، وهو الشركة أو الجوار، من حيث اتصال حق ملكه بالمبيع على التأبيد، فيكون مساويا للكبير في الاستحقاق به (2).
• المخالفون للإجماع:
خالف في هذه المسألة: الأوزاعي، فقال: ليس للولي أخذ الشفعة للصبي، وإنما يأخذها الصبي بعد بلوغه (3).
واستدل لقوله بعدة أدلة، منها:
الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الصبي على شفعته حتى يُدرك، فإذا أدرك فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك"(4).
• وجه الدلالة: أنه لو كان للولي الأخذ بشفعة الصبي، لما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصبي على شفعته.
الثاني: أن الولي لا يملك العفو عن الشفعة، فلا يملك الأخذ بها، كالأجنبي (5).
(1) ينظر: "بدائع الصنائع"(5/ 16).
(2)
"المبسوط"(14/ 98).
(3)
"الإشراف"(6/ 171)، "المغني"(7/ 471). وللإمام أحمد رواية تشبه قول الأوزاعي، حيث يقول بأن للصبي الأخذ بالشفعة إذا بلغ سواء أخذها له الولي أم لا. ينظر:"مسائل الإمام أحمد برواية الكوسج"(3/ 233)، "الإنصاف"(6/ 372 - 373).
(4)
أخرجه البيهقي في "الكبرى"(11371)، (6/ 108)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(6140)، (6/ 185)، قال البيهقي:[تفرد به عبد اللَّه بن بزيغ وهو ضعيف، ومن دونه إلى شيخ شيخنا لا يحتج بهما].
(5)
"المغني"(7/ 471).
ومثل الأوزاعي في المخالفة: ابن أبي ليلى، والنخعي، والحارث العُكلي، وهؤلاء قالوا بأنه لا شفعة للصبي أصلا (1).
واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها:
الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا شفعة لصغير ولا لغائب"(2).
الثاني: أن الصبي لا يمكنه الأخذ، ولا يمكن انتظاره حتى يبلغ؛ لما فيه من الإضرار بالمشتري. وليس للولي الأخذ؛ لأن من لا يملك العفو لا يملك الأخذ (3).
الثالث: أن وجوب الشفعة إنما شرع لدفع التأذي بسوء المجاورة، وذلك إنما يكون من الكبير دون الصغير، والصغير إنما هو تبع، فهو في معنى المعير والمستأجر (4).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في المسألة؛ لثبوت الخلاف فيها، ومما يؤكد ذلك: أنه لم يحكِ الإجماع سوى ابن المنذر، وهو لما ذكر المسألة في كتاب الإشراف لم يذكر الإجماع، بل نص على الخلاف، فلعل مقصوده بالإجماع إجماع القائلين بجواز الشفعة للصبي دون غيرهم (5).
* * *
(1)"الأم"(7/ 115)، "الإشراف"(6/ 158)، "المبسوط"(14/ 98)، "المغني"(7/ 470)، "المحلى"(8/ 22).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
"المغني"(7/ 470).
(4)
"المبسوط"(14/ 98) بتصرف يسير.
(5)
"الإشراف"(6/ 171)، حيث يقول:[واختلفوا في الوصي هل يأخذ بالشفعة. . .].