الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: الأصل في كلام المكلف الإعمال وعدم الإهدار، فإذا أبطلنا كلام العاقد في هذه الحالة أهملنا كلامه ولم نعمله، مع إمكان إعماله وتصحيح فعله (1).
• المخالفون للإجماع:
خالف في هذه المسألة: الحنابلة في رواية عندهم ليست هي المذهب، وقالوا بأنه إذا أطلق الثمن في البيع فإنه يفسد ولا يصح (2).
ولعلهم يستدلون: أن عدم التعيين في هذه الحالة يعد لونا من ألوان الجهالة في العقد، فلا يصح معها البيع، كالجهالة في تحديد المبيع.
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها.
76] جواز بيع الجزاف:
• المراد بالمسألة: الجزاف: مثلث الأول والكسر فيه أفصح، وهو أخذ الشيء مجازفة، وهو: الحدس في البيع والشراء (3).
• وفي الاصطلاح: بيع ما يكال، أو يوزن، أو يعد جملة، بلا كيل، ولا وزن، ولا عدّ (4).
ويراد بالمسألة هنا: أن بيع العين -سواء كانت من الطعام أو من غيره- المشاهدة للمتبايعين، وهما يجهلان قدر كيلها أو وزنها أو عدها، وعلم منهما اعتياد الحزر والتقدير، جائز ولا شيء فيه، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [وبيع الطعام جزافا في الصبرة ونحوها، أمر مجتمع على إجازته، وفي السنة الثابتة في هذا الحديث دليل على إجازة ذلك، ولا
= القناع" (3/ 174).
(1)
"فتح القدير"(6/ 263)، "تبيين الحقائق"(4/ 5).
(2)
"الفروع"(4/ 30)، "الإنصاف"(4/ 310).
(3)
"العين"(6/ 71)، "لسان العرب"(9/ 27)، "تاج العروس"(23/ 84 - 85).
(4)
ينظر: "منح الجليل"(4/ 476).
أعلم فيه اختلافا. . .، بل قد وردت السنة في إجازة بيع الطعام جزافا، ولم تختلف العلماء في ذلك] (1).
• الباجي (474 هـ) يقول: [وأما أن يبيعه جزافا: فإن ذلك جائز، ولا خلاف فيه](2).
• ابن العربي (543 هـ) يقول: [وأما المكيل والموزون من الطعام، فلا خلاف بين العلماء في جوازه جزافا](3).
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إباحة بيع الصبرة جزافا مع جهل البائع والمشتري بقدرها، وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي، ولا نعلم فيه خلافا](4). نقله عنه ابن حجر العسقلاني، والعيني، والصنعاني، والشوكاني (5).
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [بيع العين جزافا، جائز بالسنة والإجماع](6).
• الشربيني (977 هـ) يقول: [(ولو بيع الشيء تقديرا: كثوب وأرض ذرعا، وحنطة كيلا، أو وزنا، اشترط) في قبضه (مع النقل) في المنقول (ذرعه) إن بِيعَ ذرعا بأن كان يذرع (أو كيله) إن بيع كيلا بأن كان يكال (أو وزنه) إن بِيع وزنا بأن كان يوزن، أو عَدِّه إن بيع عدا بأن كان يعد؛ لورود النص في الكيل. . .، وليس بمعتبر -أي: الكيل- في بيع الجزاف إجماعا](7).
• الرملي (1004 هـ) يقول: [(ولو بيع الشيء تقديرا: كثوب وأرض ذرعا وحنطة كيلا أو وزنا) ولبن عدا (اشترط) في قبضه (مع النقل ذرعه) في الأول (أو كيله) في الثاني (أو وزنه) في الثالث، أو عده في الرابع؛ لورود النص في
(1)"التمهيد"(13/ 340 - 341).
(2)
"المنتقى"(4/ 237).
(3)
"القبس"(2/ 822)، "المسالك في شرح موطأ مالك"(6/ 84).
(4)
"المغني"(6/ 201).
(5)
"فتح الباري"(4/ 351)، "عمدة القاري"(11/ 250)، "سبل السلام"(2/ 20)، "نيل الأوطار"(5/ 190)، "السيل الجرار"(3/ 30).
(6)
"مجموع الفتاوى"(30/ 307).
(7)
"مغني المحتاج"(2/ 470).
الكيل. . .، وليس بمعتبر في بيع الجزاف بالإجماع] (1).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (2).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا، فنهانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه"(3).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن بيع الطعام إلا بعد نقله، ولم ينهاهم عن بيعه جزافا، فدل على أن ذلك جائز، وأنه كان مشتهرا عندهم (4).
الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: "قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم: ربعة، أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع، ولم يؤذنه، فهو أحق به"(5).
• وجه الدلالة: أن الشفعة في الذي لم يقسم تعد صورة من صور بيع الجزاف؛ إذ العين معلومة لديهما، لكنها مجهولة القدر على وجه التحديد.
الثالث: أن الشارع أباح بيع الثمر على الشجر بعد بدو صلاحه، وهذا دليل على جواز بيع الجزاف، إذ هما يعلمان المبيع، ويجهلان القدر على وجه التحديد (6).
الرابع: أن بيع الصبرة معلوم بالرؤية، ويتأتى فيه الحزر، ويقل فيه الغرر، ولا يظهر فيه القصد إلى المخاطرة والمغابنة، فصح بيعه، قياسا على الثياب والحيوان (7).
(1)"نهاية المحتاج"(4/ 100).
(2)
"المحلى"(7/ 508 - 509).
(3)
أخرجه البخاري (2136)، (ص 402)، ومسلم (1527)، (3/ 939) واللفظ له.
(4)
"المغني"(6/ 201)، "طرح التثريب"(6/ 112)، "فتح الباري"(4/ 351).
(5)
أخرجه البخاري (2214)، (ص 412)، ومسلم (1608)، (3/ 996).
(6)
ينظر في الدليلين الثاني والثالث: "مجموع الفتاوى"(30/ 307).
(7)
"المنتقى"(5/ 8)، "المغني"(6/ 201).