الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقالوا: لا بد من معرفة مقدار رأس المال في السلم (1).
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:
الأول: أنه عقد يتأخر فيه تسليم المعقود عليه، فوجب معرفة رأس ماله ليرد بدله، كالقرض والشركة (2).
الثاني: أن رأس المال قد يتلف، فينفسخ السلم، فلا يدري بم يرجع، فيقع التنازع بينهما (3).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ولعل مراد الحنفية بالإجماع هنا، إجماع علماء المذهب، وقرينة ذلك أنهم انتزعوا هذه الصورة من بين صور مختلف فيها عندهم ذكرت مع هذه المسألة.
20] صحة السلم الذي سُلِّم رأس المال فيه في مجلس العقد:
• المراد بالمسألة: رأس مال السلم إذا سلَّمه المسلم في مجلس العقد، فإن السلم يعد صحيحا، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• الطبري (310 هـ) يقول: [وأجمعوا جميعا أنه لا يجوز السلم حتى يستوفي المسلم إليه ثمن المسلم فيه في مجلسهما الذي تبايعا فيه](4).
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن السلم الجائز: أن يسلم الرجل صاحبه في طعام معلوم، موصوف من طعام أرض لا يخطئ مثلها، بكيل معلوم ووزن معلوم، إلى أجل معلوم، ودنانير ودراهم معلومة، يدفع ثمن ما أسلم فيه قبل أن يتفرقا من مقامهما الذي تبايعا فيه. . .](5). نقله عنه أبو عبد اللَّه
(1)"روضة الطالبين"(4/ 5)، "مغني المحتاج"(3/ 6)، "المحرر"(1/ 333)، "المبدع"(4/ 195 - 196)، "تصحيح الفروع"(4/ 183).
تنبيه: الشافعية والحنابلة لا يفرقون بين ما يتعلق العقد بقدره، وما لا يتعلق العقد بقدره من الذرعيات والعدديات المتفاوتة، فعندهم أن المسألة على قولين بإطلاق من دون تفريق.
(2)
"المبدع"(4/ 195).
(3)
"شرح جلال الدين المحلي على المنهاج"(2/ 306).
(4)
"اختلاف الفقهاء"(ص 99).
(5)
"الإجماع"(ص 134).
القرطبي (1).
• ابن عبد السلام الهواري (749 هـ) يقول: [لا أعلم خلافا في كون تعجيل رأس المال عزيمة، وأن الأصل التعجيل، وإنما الخلاف هل يرخص في تأخيره؟ ]. نقله عنه الحطاب، وكذا عليش (2).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على الإجماع في هذه المسألة: الحنفية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (3).
يستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ"(4).
• وجه الدلالة: معلوم أن السلم بيع موصوف في الذمة، فإذا لم يستلم رأس المال في المجلس، فإنه يكون من باب بيع الدين بالدين الذي ورد النهي عنه في الحديث.
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم. . . "(5).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فليسلف" ولم يقل: فليبع، والتسليف في
(1)"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 378).
(2)
"مواهب الجليل"(4/ 514)، "منح الجليل"(3/ 332).
(3)
"المبسوط"(12/ 127)، "بدائع الصنائع"(5/ 202)، "الهداية مع فتح القدير"(7/ 97)، "كنز الدقائق مع تبيين الحقائق"(4/ 114)، "المغني"(6/ 408)، "شرح الزركشي"(2/ 102)، "الفروع"(4/ 183)، "كشاف القناع"(3/ 304)، "مطالب أولي النهى"(3/ 226)، "المحلى"(8/ 46).
(4)
أخرجه الدارقطني في "سننه"(269)، (3/ 71)، والبيهقي في "الكبرى"(10316)، (5/ 290). قال ابن عدي:[تفرد به موسى بن عبيدة]. ومثله الدارقطني، وقال أحمد:[لا تحل عندي الرواية عنه، ولا أعرف هذا الحديث عن غيره]. وقال أيضا: [وليس في هذا حديث يصح]. "الضعفاء" للعقيلي (4/ 160)، "ذخيرة الحفاظ"(2/ 897)، "العلل المتناهية"(2/ 601)، "التلخيص الحبير"(3/ 26)، "المغني عن الحفظ والكتاب"(ص 405).
(5)
سبق تخريجه.
اللغة بمعنى الإعطاء، فلا يقع اسم التسليف حتى يعطيه ما سلفه قبل أن يتفرقا من مجلسهما، وأسماء العقود المشتقة من المعاني، لا بد من تحقق تلك المعاني فيها (1).
الثالث: أن الغاية الشرعية المقصودة في العقود تترتب آثارها عليها بمجرد انعقادها، فإذا تأخر البدلان كان العقد عديم الفائدة للطرفين خلافا لحكمه الأصلي مقتضاه وغايته، ولذا قال ابن تيمية عن تأخير رأس المال في السلم:[فإن ذلك مُنِع منه؛ لئلا تبقى ذمة كل منهما مشغولة بغير فائدة حصلت لا له ولا للآخر، والمقصود من العقود القبض، فهو عقد لم يحصل به مقصود أصلا، بل هو التزام بلا فائدة](2).
• المخالفون للإجماع:
خالف في مسألة الإلزام بتسليم رأس مال السلم في مجلس العقد: المالكية، وقالوا: يجوز التأخير اليومين والثلاثة (3).
واستدلوا على ذلك بدليل عقلي، وهو:
أن التأخير فيه ليس بممنوع لمعنى في العوض، وإنما هو لمعنى في العقد؛ لئلا يكون من باب بيع الكالئ بالكالئ، والمسلَم فيه من شرطه التأجيل، والثمن من شرطه التعجيل، فكما لا يصح السلم بتأخير القبض عن المجلس، ولا بتأخيره اليوم واليومين، ولا يكون بذلك حكم الكالئ، فكذلك الثمن الذي من شرطه التعجيل لا يفسده التأخير عن مجلس القبض، ولا بتأخره اليوم واليومين، ولا يدخل بذلك في حكم الكالئ (4).
النتيجة:
صحة الإجماع في أن السلم يكون صحيحا إذا سلَّم رأس المال في مجلس العقد، أما ما ذكره الطبري من أن ذلك أمر لازم ولا يصح السلم إذا لم يكن في مجلس العقد، فلا؛ لمخالفة المالكية كما سبق.
(1)"الأم"(3/ 95)، "حاشية الرملي على أسنى المطالب"(2/ 122).
(2)
"نظرية العقد"(ص 235)، "عقد السلم في الشريعة الإسلامية"(ص 39).
(3)
"المدونة"(3/ 88)، "الكافي" لابن عبد البر (ص 337)، "الذخيرة"(5/ 3).
(4)
"المنتقى"(4/ 300).