الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثال ذلك: قال ابن عبد البر: [وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في الجدة أيضا قول شاذ أجمع العلماء على تركه](1).
ثالثًا: ضوابط في معرفة القول الشاذ:
الأول: أن يكون القول على خلاف النصوص الصريحة الصحيحة.
الثاني: أن يكون القول مسبوقا بإجماع.
الثالث: أن ينفرد به صاحبه، ولم يتابعه عليه أحد، وضعف مأخذه فيه.
الرابع: أن يكون القول لم يجر عليه عمل العلماء وهجروه.
الخامس: أن يكون مخالفا لأصول الشريعة وقواعدها العامة.
ولا يعرف هذه القواعد أو يحكم بها في الأصل إلا العلماء الذين علا كعبهم، ورسخت أقدامهم، وارتفع شأنهم في العلم.
رابعًا: حكاية القول الشاذ:
الأصل في حكاية الأقوال الشاذة التي ليس عليها أثارة من علم، والاشتغال بها وبردها، مضيعة للوقت والجهد، وهو من باب التكلف والخوض فيما لا طائل تحته (2)، وفيه تسويد للصفحات من غير فائدة. إلا أنه متى اشتهر القول الشاذ، وسارت به الركبان، وتعلق به أهل الأهواء، أو خُشي من ذلك، فإن في ذكره وبيان ضعفه، إسقاط له، وإعذار إلى اللَّه تعالى، كالحديث الموضوع.
وهذا هو ظاهر صنيع العلماء في نقلهم للشذوذات التي وقعت، كما أنهم أتوا بأقوال اليهود والنصارى وغيرهم ليبطلوا ما فيها.
يقول الشاطبي (3): [فأما المخالف للقطعي، فلا إشكال في اطِّراحه، ولكن
(1)"التمهيد" لابن عبد البر (11/ 100).
(2)
"ضوابط الدراسات الفقهية"(ص 83).
(3)
إبراهيم بن موسى بن محمد أبو إسحاق الغرناطي الشاطبي، أحد الجهابذة الأخيار، كان له القدم الراسخ في سائر الفنون والمعارف، فقيه مفسر محدث أصولي، صاحب ورع وعفة وصلاح واتباع للسنة، من آثاره:"الموافقات"، "الاعتصام"، "الاتفاق في علم الاشتقاق". توفي عام (790 هـ). "أعلام المغرب العربي"(1/ 132)، "نيل الابتهاج"(ص 46)، "شجرة النور الزكية"(ص 231).
العلماء ربما ذكروه للتنبيه عليه، وعلى ما فيه، لا للاعتداد به] (1).
وعلى هذا متى تبين شذوذ القول، فلا يصح أن يُعَد خلافا في المسألة، ولا يخرق الإجماع المحكي فيها، ولو صدر ممن هو من أهل الاجتهاد، فضلا عن أن يصدر من صاحب هوى، أو متزبب (2).
يقول الشاطبي: [لا يصح اعتمادها خلافا في المسائل الشرعية؛ لأنها لم تصدر في الحقيقة عن اجتهاده، ولا هي من مسائل الاجتهاد، وإن حصل من صاحبها اجتهاد فهو لم يصادف فيها محلا، فصارت في نسبتها إلى الشرع، كأقوال غير المجتهد، وإنما يعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة، كانت مما يقوى أو يضعف، وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل، أو عدم مصادفته فلا، فلذلك قيل: إنه لا يصح أن يعتد بها في الخلاف، كما لم يعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل، والمتعة، ومحاشي النساء، وأشباهها من المسائل التي خفيت فيها الأدلة على من خالف فيها](3).
ويقول القرافي: [كل شيء أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح، لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس، ولا يفتي به في دين اللَّه](4).
ويقول العز بن عبد السلام (5): [والضابط في هذا أن مأخذ المخالفة إن كان في
(1)"الموافقات"(4/ 173). وينظر أيضًا: "الموافقات"(5/ 222).
(2)
هذا مأخوذ من مثل عربي فصيح يقال: [تزبَّب قبل أن يتحصرم] إذا ادعى حالة أو صفة قبل أن يتهيأ لها. ينظر: "المعجم "الوسيط" (1/ 387).
(3)
"الموافقات"(5/ 139).
(4)
"الفروق"(2/ 109).
(5)
عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن بن محمد السلمي الملقب بسلطان العلماء، اشتهر بالعز، ولد عام (577 هـ)، إمام عصره بلا مدافعة، لم ير مثله علما وورعا وقياما في الحق وشجاعة، وقوة جنان، وسلاطة لسان، وولي الخطابة والإمامة بالجامع الأموي، من آثاره:"القواعد الكبرى"، "الترغيب في صلاة الرغائب الموضوعة"، "الفرق بين الإسلام والإيمان". توفي عام (660 هـ). "الذيل على الروضتين"(ص 216)، "طبقات السبكي"(8/ 209)، "رفع الإصر عن قضاة مصر"(2/ 353).