الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} (1).
• وجه الدلالة: أن اللَّه أضاف الديار إلى المهاجرين الذين أخرجوا منها، والإضافة في الأصل تقتضي الملك، فإذا ثبت لهم تملك الديار التي هي من العقار في مكة، فغيرها من باب أولى (2).
الثالث: أن الأصل في الأراضي أنها للتمليك، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا لعارض شرعي: كالوقف، ونحوه (3).
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
42] جواز بيع المحوز من الماء والكلأ والمعادن وتحريم المباح منها:
• المراد بالمسألة: الماء والكلأ والمعادن من الحقوق المشتركة بين الناس، لا يجوز بيعها إذا كانت في الأرض المباحة، بإجماع العلماء. أما إذا حازها أحد إلى إنائه، أو رحله، أو أخذه، فإنه يعتبر قد ملكه، وإذا ملكه فقد حل له بيعه، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع الماء من سيل النيل والفرات، جائز](4).
(1) الحشر: الآية (8).
(2)
ينظر: "المجموع"(9/ 300)، وهذا على القول بأنه يجوز بيع عقار مكة.
(3)
"بدائع الصنائع"(5/ 146) بتصرف.
(4)
"الإجماع"(ص 132). هذا العبارة في ظاهرها مشكلة؛ لأن عامة العلماء على عدم جواز بيع ماء النيل والفرات، قبل حوزه، فالذي يظهر -واللَّه أعلم- أن العبارة فيها سقط، ويشهد لهذا كلام أبي العباس القرطبي فإنه نص على حوز الماء. وقريبا منه ما جاء في "إكمال المفهم" (5/ 237). وقد نقل ابن القطان في "الإقناع" (4/ 1761) عن كتاب "الإيجاز" قوله:[ولا خلاف بين العلماء -إلا من شذ ممن لا يعد خلافه خلافا- بأن رجلا لو اغترف في إناء ماء من دجلة، أن له بيعه وشربه والانتفاع به؛ إذ هو محصور معلوم المقدار، والماء المنهي عنه إنما هو ما كان مجهولا: كالرجل يشتري من الرجل ما يجري في نهره يوما بكذا وكذا درهما، وهو لا يدري كم جريه في النهر، فهذا باطل؛ لأنه بيع وقع على مجهول]. وبعد أن كتبت هذا التعليق خرج كتاب "الإشراف" لابن المنذر كاملا =
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ما يحوزه من الماء في إنائه، أو يأخذه من الكلأ في حبله، أو يحوزه في رحله، أو يأخذه من المعادن، فإنه يملكه بذلك، وله بيعه بلا خلاف بين أهل العلم](1).
• أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [أما بيع الماء: فالمسلمون مجمعون على أن الإنسان إذا أخذ الماء من النيل مثلا، فقد ملكه، وأن له بيعه، وأما ماء الأنهار والعيون والفيافي التي ليست بمملوكة، فالاتفاق حاصل على أن ذلك لا يجوز منعه، ولا بيعه](2).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ما يحوزه من الماء في إنائه، أو يأخذه من الكلأ في حبله، أو يحوزه في رحله، أو يأخذه من المعادن، فإنه يملكه بذلك، بلا خلاف بين أهل العلم](3).
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [أما الماء الذي يكون بالأرض المباحة، والكلأ الذي يكون بها، فهذا لا يجوز بيعه باتفاق العلماء](4).
• شمس الدين الأسيوطي (880 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع الماء من سيل النيل والفرات جائز](5).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية (6).
= ومحققا، فوجدت العبارة كما ذكرت، يقول ابن المنذر:[أما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء فظاهره ظاهر عام، والمراد منه منع بعض المياه دون بعض، يدل على نهيه عن بيع فضل الماء، ويدل أيضا على أن ذلك معناه: إباحة كل من نحفظ قوله من علماء الأمصار أن يبيع الرجل ما أخذه من مثل النيل والفرات في ظرف بثمن معلوم، وغير جائز أن يجمعوا على خلاف سنة رسول اللَّه. . .]. فالحمد للَّه على توفيقه أولا وآخرا. "الإشراف"(6/ 47).
(1)
"المغني"(6/ 146).
(2)
"المفهم"(4/ 441).
(3)
"الشرح الكبير" لابن قدامة (11/ 81).
(4)
"مجموع الفتاوى"(29/ 215).
(5)
"جواهر العقود"(1/ 57). وقد تصحفت فيه كلمة [سيل] إلى [مثل].
(6)
"مختصر اختلاف العلماء"(3/ 139 - 140)، "المبسوط"(23/ 187)، "تبيين الحقائق"(4/ 48)، و (6/ 39).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لأن يحتزم أحدكم حُزمة من حطب، فيحملها على ظهره، فيبيعها، خير له من أن يسأل رجلا يعطيه أو يمنعه"(1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز البيع لمن أخذ الحطب من الفلاة، والحطب من الكلأ المباح الذي لا يملكه أحد، فدل على أن من حاز المباح فقد ملكه، وجاز له بيعه.
الثاني: ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الماء إلا ما حُمِل منه"(2).
الثالث: وهو استدلال بالعرف: يقول ابن قدامة: [وعلى ذلك مضت العادة في الأمصار ببيع الماء في الروايا، والحطب، والكلأ، من غير نكير](3).
• المخالفون للإجماع:
اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال:
القول الأول: لا يملك الماء بحال حتى وإن أحرزه إلى إنائه، وإنما يكون هو أولى به من غيره، وإذا كان لا يملك فلا يجوز له بيعه. وهذه هي الرواية الثانية عند الشافعية، واختارها ابن عقيل من الحنابلة (4).
ويمكن أن يستدل لهؤلاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء، والنهي عن بيعه حتى لا يقع ملكه لأحد، بل يكون حقا مشاعا بين الناس أجمعين.
القول الثاني: لا يجوز بيع الماء بحال من الأحوال، وله أن يملكه إذا أحرزه إلى ساقيته ونحوها، وإذا رده انتفى ملكه له. أما بيع الكلأ فيجوز بيعه مطلقا.
(1) أخرجه البخاري (1470)، (ص 287)، ومسلم (1042)، (2/ 595).
(2)
أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(755)، (ص 381). وقال قبله:[وفيه حديث مرفوع إلا أنه ليس له ذاك الإسناد] ثم ذكره، وهو عنده مرسل.
(3)
"المغني"(6/ 147).
(4)
"الوسيط"(4/ 234)، "تحفة المحتاج"(3/ 518)، "نهاية المحتاج"(5/ 354)، "المبدع"(4/ 22)، "الإنصاف"(4/ 290 - 291).
وهذا رأي ابن حزم من الظاهرية (1).
واستدل ابن حزم على قوله بعدة أدلة، منها:
الأول: عن إياس بن عبد المزني (2) رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء"(3).
• وجه الدلالة: أن الحديث عام في النهي، فلا يفرق بين المحرز وغيره.
الثاني: أما بيع الكلأ، فلأنه مال من مال صاحب الأرض، وكل ما تولد من مال المرء فهو من ماله، كالولد من الحيوان، والثمر، والنبات، واللبن، والصوف (4).
القول الثالث: كراهة بيع الكلأ كله. قال به الحسن البصري وعكرمة (5)(6).
أما الرواية عند الشافعية: فقد حكم عليها النووي بأنها غلط ظاهر (7).
وأما رأي ابن عقيل: فهو خرَّجه على أن النهي عن بيع الماء يمنع التمليك (8)، ولا عبرة بالتخريج إذا خالف الإجماع (9).
(1)"المحلى"(7/ 487 - 490) و (7/ 559).
(2)
إياس بن عبدٍ المزني أبو عوف، نزل الكوفة، له حديث واحد كما قال البغوي وابن السكن. "الاستيعاب"(1/ 127)، "أسد الغابة"(1/ 338)، "الإصابة"(1/ 166).
(3)
أخرجه أبو داود (3472)، (4/ 174)، والترمذي (1271)، (3/ 571)، والنسائي في "المجتبى"(4661)، (7/ 307)، وابن ماجه (2476)، (4/ 111). قال الترمذي:[حديث إياس حديث حسن صحيح].
(4)
"المحلى"(7/ 557).
(5)
عكرمة أبو عبد اللَّه القرشي مولاهم المدني البربري الأصل، الحافظ المفسر، حدث عن جماعة من الصحابة منهم: ابن عمر وابن عباس وابن عمرو وعائشة وغيرهم، قال عنه قتادة:[أعلم الناس بالتفسير عكرمة] توفي عام (104 هـ). "سير أعلام النبلاء"(5/ 12)، "حلية الأولياء"(3/ 326).
(6)
"المحلى"(7/ 559).
(7)
"شرح صحيح مسلم"(10/ 229).
(8)
"المبدع"(4/ 22)، "الإنصاف"(4/ 290).
(9)
ينظر: "صفة الفتوى والمستفتي"(ص 89).