الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: أن المقصود من رؤية المبيع هو العلم بحاله، وإذا كانت أجزاؤه لا تتفاوت غالبا، فلا حاجة لرؤية باقيه.
• المخالفون للإجماع:
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، هما:
القول الأول: المالكية على المشهور عندهم: قالوا: إن المتقوم لا بد من رؤية جميعه، ولا يكفي رؤية بعضه، ويدخل في المتقوم الدور والأراضي (1).
القول الثاني: الشافعية قالوا: إذا كان المبيع مما يستدل برؤية بعضه على باقيه، فيكفي رؤية بعضه، وهذا يدخل فيه الأراضي، أما الدور فقد نصوا على أنه لا بد من رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران والمستحم والبالوعة (2).
ويمكن أن يستدل لمن قال بأنه لا بد من رؤية الجميع: بأن رؤية جميع المبيع والوقوف عليه، أبعد عن الوقوع في الجهالة والغرر، التي يَتْبعها الخصومة والمنازعة.
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ولعل عذر ابن قدامة في هذا أنه لم يذكر المسألة ابتداء، وإنما ذكرها في معرض الاستدلال على مسألة أخرى.
51] فساد بيع حبل الحبلة:
• المراد بالمسألة: هذا البيع من البيوع التي كان أهل الجاهلية يبتاعونها بينهم، وقد اختلف العلماء في تفسيره على عدة أقوال، أشهرها قولان:
القول الأول: هو أن يبتاع الرجل الجزور بثمن مؤجل إلى أن تنتج الناقة، وتنتج التي في بطنها. وهذا هو الذي فسره به ابن عمر راوي الحديث، وهو قول المالكية، والشافعية، فيكون سبب النهي هو: الجهالة في الأجل (3).
(1)"شرح مختصر خليل" للخرشي (5/ 33)، "الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي"(3/ 24).
(2)
"المجموع"(9/ 352)، "الغرر البهية"(2/ 411)، "غاية البيان شرح زيد ابن رسلان"(ص 183).
(3)
ينظر: "المنتقى"(5/ 21)، "التمهيد"(13/ 313)، "التاج والإكليل"(6/ 226)، "المهذب مع المجموع"(9/ 414)، "أسنى المطالب"(2/ 30).
القول الثاني: هو بيع ما سوف يحمله الحمل بعد أن يولد، ويحمل ويلد، وهو نتاج النتاج. وهو قول الحنفية، ومشهور مذهب الحنابلة، فتكون العلة في المنع هي: الجهالة والعدم (1).
وهو وإن كان القول الأول أقوى من الثاني، إلا أن كلا من التفسيرين يجعلان هذا النوع من البيوع الفاسدة والمنهي عنها، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على فساد بيع حبل الحبلة. . . .](2).
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول بعد أن ذكر تفسير حبل الحبلة: [ولا خلاف بين العلماء أن البيع إلى مثل هذا من الأجل لا يجوز، وقد جعل اللَّه الأهلة مواقيت للناس، ونهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن البيع إلى مثل هذا من الأجل، وأجمع المسلمون على ذلك](3).
• الماوردي (450 هـ) يقول: [وأيُّ التأويلين -يقصد بيع نتاج الناقة الحامل أو جعل الأجل في البيع مقدرا بنتاج الناقة- فالبيع فيه باطل؛ لأن حكم البيع في التأويلين متفق عليه، وإن اختلف المراد به](4).
• البغوي (516 هـ) يقول: [والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، أن بيع نتاج النتاج لا يجوز](5).
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول بعد أن ذكر جملة من بيوع الجاهلية، ومنها: حبل الحبلة: [فهذه كلها بيوع جاهلية، متفق على تحريمها](6).
• أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [حبل الحبلة: قد فسره ابن عمر في الحديث، وهذه البيوع كانت بيوعا في الجاهلية، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها. . .، فمتى وقع شيء منها، فهو فاسد لا يصح بوجه، ولا خلاف أعلمه في ذلك](7).
(1)"بدائع الصنائع"(5/ 139)، "تبيين الحقائق"(4/ 46)، "فتح القدير"(6/ 411)، "البحر الرائق"(6/ 80)، "كشاف القناع"(3/ 166)، "مطالب أولي النهي"(3/ 30).
(2)
"الإجماع"(ص 129).
(3)
"التمهيد"(13/ 313).
(4)
"الحاوي الكبير"(5/ 336).
(5)
"شرح السنة"(8/ 137).
(6)
"بداية المجتهد"(2/ 111).
(7)
"المفهم"(4/ 363).
• النووي (676 هـ) يقول: [اتفقوا على أنه لا يجوز البيع بثمن إلى أجل مجهول]. ويقول بعد أن ذكر الخلاف في تفسير حبل الحبلة: [. . . وعلى التقديرين، البيع باطل، بالإجماع](1).
• ابن الشاط (723 هـ) يقول بعد أن ذكر أن الغرر منقسم إلى ثلاثة أقسام من جهة الجهالة: [الأول: كثير ممتنع إجماعا: كالطير في الهواء، ومن ذلك جميع البيوع التي نهي عنها صلى الله عليه وسلم: كبيع حبل الحبلة](2).
• أبو زرعة العراقي (826 هـ) يقول بعد ذكر الخلاف في تفسير حبل الحبلة: [البيع المذكور بالتفاسير الثلاثة الأولى، متفق على بطلانه](3).
• شمس الدين الأسيوطي (880 هـ) يقول: [وأجمعوا على منع بيع حبل الحبلة](4).
• ابن عابدين (1252 هـ) يقول: [اعلم أن البيع بأجل مجهول، لا يجوز إجماعا](5).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية: كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها"(6).
الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر"(7).
• وجه الدلالة: أن من الغرر الجهالة، سواء كانت الجهالة في الأجل، أو في المبيع ذاته، فيدخل فيه النهي عن بيع حبل الحبلة.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
(1)"المجموع"(9/ 412، 416).
(2)
"إدرار الشروق"(3/ 271).
(3)
"طرح التثريب"(6/ 60).
(4)
"جواهر العقود"(1/ 58).
(5)
"رد المحتار"(5/ 82).
(6)
أخرجه البخاري (2143)، (ص 403)، ومسلم (1514)، (3/ 933).
(7)
سبق تخريجه.