الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها، فلم يخالف إلا اثنان من العلماء، فأين البقية عن مثل هذه المسألة التي تعد من أعيان المسائل.
14] تحريم جهالة الأجل في العقد المؤجل:
• المراد بالمسألة: البيع إذا كان فيه أجل فلا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون الأجل معلوما، فيصح البيع بلا خلاف بين العلماء.
الحالة الثانية: أن يكون الأجل مجهولا، فلا يجوز العقد بإجماع العلماء، سواء كانت الجهالة متفاحشة، وهي: ما كانت متعلقة بوجود العين من عدمها: كهبوب الريح وقدوم زيد ونحوهما. أو كانت الجهالة متقاربة، وهي: ما كان متعلقا بالتأخير والتقديم: كإلى الحصاد والدراس والعطاء ونحوها.
• من نقل الإجماع:
• ابن العربي (543 هـ) يقول في بيان معنى حديث عائشة في طلبها منه صلى الله عليه وسلم شراء الثوبين من اليهودي إلى الميسرة (1): [لم ترد إلى أن تستغني بما يؤتيك اللَّه؛ لأنه أجل مجهول، ولا يجوز بإجماع من الأمة](2).
• الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو باع العين بثمن دين إلى أجل مجهول جهالة متقاربة، ثم أبطل المشتري الأجل قبل محله، وقبل أن يفسخ العقد بينهما لأجل الفساد جاز العقد عند أصحابنا الثلاثة. وعند زفر لا يجوز. ولو لم يبطل حتى حل الأجل، وأخذ الناس في الحصاد، ثم أبطل لا يجوز العقد بالإجماع، وإن كانت الجهالة متفاحشة فأبطل المشتري الأجل قبل الافتراق، ونقد الثمن جاز البيع عندنا، وعند زفر لا يجوز. ولو افترقا قبل الإبطال لا يجوز بالإجماع](3).
• النووي (676 هـ) يقول: [اتفقوا على أنه لا يجوز البيع بثمن إلى أجل مجهول](4).
• الموافقون على الإجماع:
الإجماع المذكور له صلة بمسألتين متقاربتين، وكل منهما وقع فيها الخلاف
(1) سبق تخريجه.
(2)
"عارضة الأحوذي"(5/ 176).
(3)
"بدائع الصنائع"(5/ 178).
(4)
"المجموع"(9/ 412).
بين العلماء، ولذا سيأتي الخلاف في فقرة المخالفين. ومما يذكر هنا أن ابن حزم الظاهري وافق ما حكي من الإجماع في هاتين المسألتين (1).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (2).
• وجه الدلالة: أن البيع إلى أجل يعتبر لونا من ألوان المداينة، واللَّه جل جلاله بين الصفة الصحيحة للمداينة، وهي التي يكون فيها الأجل معلوما (3).
الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر"(4).
• وجه الدلالة: أن من ألوان الغرر الجهالة في الأجل.
الثالث: القياس على السلم: فكما أنه يشترط في الأجل فيه أن يكون معلوما، فكذلك الأجل في البيع، بجامع أن الأجل في كل منهما متعلق بشرط من شروط العقد، وإذا اختل جزء من الشرط كان مظنة لوقوع النزاع والخصام بين المتعاقدين (5).
• المخالفون للإجماع:
هذه المسألة ذات شقين، كل شق وقع فيه الخلاف، وهما على النحو التالي:
الأولى: حكم العقد إذا وقعت فيه جهالة في أجله. وهذه المسألة خالف فيها الحنابلة، فقالوا: إن البيع يعتبر صحيحا والشرط يلغو، ويكون الثمن حالا (6).
واستدل هؤلاء: بأن الجهالة إنما هي في الشرط، دون البيع، فلا تعلق للبيع به، فيبقى العقد صحيحا (7).
الثانية: وهي متفرعة عن الأولى، هل التأجيل إلى الحصاد والدراس والعطاء، يُعد من الأجل المجهول أم من المعلوم؟ وهذه المسألة خالف فيها المالكية
(1)"المحلى"(7/ 367).
(2)
البقرة: الآية (282).
(3)
ينظر: "الأم"(3/ 96)، "المحلى"(7/ 367).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
ينظر: "الأم"(3/ 96)، "المهذب"(9/ 412).
(6)
"كشاف القناع"(3/ 300 - 301)، "مطالب أولي النهى"(3/ 222 - 223).
(7)
"مطالب أولي النهى"(3/ 223).
والحنابلة في رواية عندهم (1)، وهو قول مروي عن أمهات المؤمنين، وابن عمر، وعلي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين (2) وعامر، كل هؤلاء رُوِي عنهم جواز التأجيل إلى العطاء (3).
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:
الأول: عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا، قال عبد اللَّه: وليس عندنا ظهر، قال: فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع ظهرا إلى خروج المصَّدَّق، فابتاع عبد اللَّه البعير بالبعيرين وبأبعرة إلى خروج المصدق بأمر النبي صلى الله عليه وسلم (4).
• وجه الدلالة: أن جَعْل الأجل إلى خروج العطاء ونحوه، كجَعْل الأجل إلى خروج المصَّدق، فهو له وقت معروف عندهم وليس محددا تحديدا فاصلا.
الثاني: أن أوقات العطاء والحصاد والدراس معروفة وليست مجهولة، فيحكم بصحة الأجل إليها (5).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ويظهر -واللَّه أعلم- للباحث أن مراد الكاساني بحكاية الإجماع هنا إنما هي عن علماء
(1)"المدونة"(3/ 196)، "مواهب الجليل"(4/ 492)، الرسالة لأبي زيد القيرواني (2/ 80)، "الشرح الكبير" للدردير (3/ 205 - 206)، والحنابلة نفس المصادر السابقة.
تنبيه: المعتبر عندهم هو وقت الحصاد والدراس والعطاء لا فعله.
(2)
علي بن الحسين بن أبي طالب أبو الحسين زين العابدين، أمه أم ولد اسمها سلامة أو سلافة بنت ملك الفرس وقيل: غزالة، قتل والده وهو مريض وأرادوا قتله لكنهم تركوه لمرضه، لم يخرج من منزله يوم الحرة ولم يقاتل معهم، وكان يقوت مائة أهل بيت بالمدينة في السر. توفي عام (94 هـ). "طبقات ابن سعد"(5/ 211)، "سير أعلام النبلاء"(4/ 386).
(3)
أخرج هذه الآثار: ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 33 - 34)، وضعفها كلها ابن حزم في "المحلى"(7/ 368 - 369).
(4)
أخرجه الدارقطني في "سننه"(261)، (3/ 69)، والبيهقي في "الكبرى"(10309)، (5/ 287). وصحح إسناده البيهقي وابن عبد الهادي. "تنقيح تحقيق أحاديث التعليق"(2/ 520).
(5)
"المدونة"(3/ 196).