الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على صحة بيع العين الحاضرة التي يراها البائع والمشتري حالة العقد](1).
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [المبيعات على نوعين: مبيع حاضر مرئي، فهذا لا خلاف في بيعه. . .](2).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (3).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر"(4).
• وجه الدلالة: أن العين إذا كانت حاضرة مرئية في مجلس العقد، فإنها تكون قد سلمت من أهم قوادح البيع، وهو الغرر الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
الثاني: أن رؤية المشتري للسلعة حين الشراء أبلغ في معرفتها على حقيقتها، فيكون قد دخل على بينة وبصيرة.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
44] جواز الغرر اليسير وتحريم الكثير:
• المراد بالمسألة: الغرر لغة هو: الخطر والخديعة، وتعريض المرء نفسه أو ماله للهلكة (5).
• وفي الاصطلاح: ما هو مجهول العاقبة، فلا يُدْرى أيكون أم لا؟ (6).
(1)"الإفصاح"(1/ 272).
(2)
"بداية المجتهد"(2/ 116).
(3)
"المبسوط"(13/ 68 - 69)، "تبيين الحقائق"(4/ 24)، "الهداية"(6/ 335 - 336)، "الأم"(3/ 38)، "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع"(3/ 4)، "كفاية الأخيار"(ص 232).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
"القاموس المحيط"(ص 577)، "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 604)، "المحكم والمحيط الأعظم"(5/ 360).
(6)
"الكليات"(ص 672)، "التعريفات"(ص 161)، "أنيس الفقهاء"(ص 221)، "شرح حدود ابن عرفة"(ص 254).
• ويقصد بالمسألة: أن ما جهلت عاقبته من البيوع، فلا يدرى أيقع أم لا؟ فيقال: إن دعت الحاجة إلى ارتكابه، ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، وكان الغرر حقيرا جاز البيع، واغتفر ما فيه من الغرر، أما إذا كان كثيرا فلا يغتفر فيه، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• الجصاص (370 هـ) يقول عند تفسير قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (1): [ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية وإن كان مخرجها مخرج العموم، فقد أريد به الخصوص؛ لأنهم متفقون على حظر كثير من البياعات، نحو: بيع ما لم يقبض، وبيع ما ليس عند الإنسان، وبيع الغرر والمجاهيل](2).
• القاضي عبد الوهاب (422 هـ) يقول: [ولا خلاف أن يسيره لا يمنع صحة البيع، وأن ما تدعوا الحاجة إليه منه معفو عنه، وأن الذي يُمنع ما زاد على ذلك](3).
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [لا يختلفون في جواز قليل الغرر] ويقول أيضا: [وكثير الغرر لا يجوز بإجماع، وقليله متجاوز عنه](4). نقل العبارة الأولى
(1) البقرة: الآية (275).
(2)
"أحكام القرآن"(1/ 640).
تنبيه: نقل الباحث هنا إجماعا عن ابن المنذر نقله عنه ابن القطان من كتاب "الإشراف"، أنقله بنصه حيث يقول:[نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين، وبيع الغرر، وأجمع أهل العلم على أنه لا يجوز]. فعلقت في الحاشية بأنه لم أجد هذا الإجماع في مظانه من كتاب "الإشراف"، ولعله في الجزء المفقود، فلما خرج الكتاب كاملا، فرحت بهذا وأعدت الكرَّة مرة أخرى للكتاب لعلي أجد العبارة، فهُديت إليها، وتبيَّن أنها ليست كما ذكر ابن القطان، وإنما قال ابن المنذر:[وأجمع أهل العلم على أن بيع ثمر النخل سنين لا يجوز، ونهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين، وعن بيع الغرر]. "الإشراف"(6/ 27). فتبين أن العبارة لا تفيد في المسألة معنا، ولعل ابن القطان وقع له لبس في نقلها.
(3)
المعونة (2/ 1032).
(4)
"الاستذكار"(6/ 338)، و (7/ 409)، والعبارة الأولى في المطبوع هكذا [في قليل جواز الغرر]. وهي تصحيف.
ابن القطان (1).
• الباجي (474 هـ) يقول: [معنى بيع الغرر -واللَّه أعلم- ما كثر فيه الغرر وغلب عليه حتى صار البيع يوصف ببيع الغرر، فهذا الذي لا خلاف في المنع منه، وأما يسير الغرر فإنه لا يؤثر في فساد عقد بيع، فإنه لا يكاد يخلو عقد منه](2).
• المازري (536 هـ) يقول: [وقد رأينا العلماء أجمعوا على فساد بعض بياعات الغرر، وأجمعوا على صحة بعضها، واختلفوا في بعضها، فيجب أن يبحث عن الأصل الذي يعرف منه اتفاقهم واختلافهم، فنقول: إنا لما رأيناهم أجمعوا على منع بيع الأجنة، والطير في الهواء، والسمك في الماء، ثم رأيناهم أجمعوا على جواز بيع الجبة وإن كان حشوها مغيبا عن الأبصار، ولو بيع حشوها على انفراده لم يجز. . .، قلنا: يجب أن يفهم عنهم أنهم منعوا بيع الأجنة لمعظم غررها وشدة خطرها، وأن الغرر فيها مقصود يجب أن يفسد العقود، ولما رأيناهم أجمعوا على جواز المسائل التي عددناها قلنا: ليس ذلك إلا أن الغرر فيها نزر يسير غير مقصود وتدعو الضرورة إلى العفو عنه](3). نقله عنه الزرقاني (4).
• ابن العربي (543 هـ) يقول: [ولا خلاف بين العلماء في أن يسير الغرر لغو معفو عنه](5). ولما أورد حديث أبي هريرة - المذكور في مستند الإجماع - قال بعده: [وأجمعت عليه الأمة](6).
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع الغرر. . .، باطل](7). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (8).
ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وبالجملة فالفقهاء متفقون على أن الغرر الكثير في المبيعات لا يجوز، وأن القليل يجوز](9). نقله عنه الشوكاني (10).
(1)"الإقناع" لابن القطان (4/ 1759).
(2)
"المنتقى"(5/ 41).
(3)
"المعلم بفوائد مسلم"(2/ 159 - 160).
(4)
"شرح الزرقاني على الموطأ"(3/ 397).
(5)
"القبس"(2/ 814)، "المسالك في شرح موطأ مالك"(6/ 83).
(6)
"المسالك في شرح موطأ مالك"(6/ 149).
(7)
"الإفصاح"(1/ 302).
(8)
"حاشية الروض المربع"(4/ 350).
(9)
"بداية المجتهد"(2/ 116).
(10)
"السيل الجرار"(3/ 42).
• أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [وبيع الغرر: هو البيع المشتمل على غرر مقصود؛ كبيع الأجنة، والسمك في الماء، والطير في الهواء، وما أشبه ذلك، فأما الغرر اليسير الذي ليس بمقصود، فلم يتناوله هذا النهي؛ لإجماع المسلمين على جواز إجارة العبد، والدار مشاهرة (1) ومساناة (2)، مع جواز الموت وهدم الدار قبل ذلك](3).
• النووي (676 هـ) يقول: [أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير، وأجمعوا على بطلان بيع الأجنة في البطون، والطير في الهواء، قال العلماء: مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده. . . هو أنه إن دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة وكان الغرر حقيرا جاز البيع، وإلا فلا](4). ويقول أيضا: [والأصل أن بيع الغرر باطل. . .، والمراد: ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز عنه، فأما ما تدعوا الحاجة، ولا يمكن الاحتراز عنه؛ كأساس الدار، وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر، وذكر أو أنثى، وكامل الأعضاء أو ناقصها، وكشراء الشاة في ضرعها لبن، ونحو ذلك، فهذا يصح بيعه بالإجماع، ونقل العلماء الإجماع أيضا في أشياء غررها حقير، منها: أن الأمة أجمعت على صحة بيع الجبة المحشوة، وإن لم ير حشوها، ولو باع حشوها منفردا لم يصح. وأجمعوا على جواز إجارة الدار وغيرها شهرا، مع أنه قد يكون ثلاثين يوما، وقد يكون تسعة وعشرين. وأجمعوا على جواز دخول الحمام بأجرة، وعلى جواز الشرب من ماء السقاء بعوض مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء أو مكثهم في الحمام](5). نقله عنه أبو زرعة العراقي (6)،
(1) مشاهرة مأخوذة من الشهر، يقال: شاهر الأجير مشاهرة وشهارا، أي: استأجره للشهر.
ينظر: "المحكم والمحيط الأعظم"(4/ 185)، "تهذيب اللغة"(1/ 275).
(2)
مساناة مأخوذ من السنة، يقال: ساناه مساناة، عامله بالسنة. ينظر:"العين"(4/ 8)، "القاموس المحيط"(ص 1610).
(3)
"المفهم"(4/ 362).
(4)
"شرح صحيح مسلم"(10/ 156).
(5)
"المجموع"(9/ 311). و (9/ 364) وذكر في الموضع الثاني الإجماع على بيع الجبة ونسبه للمازري.
(6)
أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الكردي الرازياني ثم المصري أبو زرعة ولي الدين ابن =
والمباركفوري (1).
• القرافي (684 هـ) يقول: [الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعا: كالطير في الهواء، وقليل جائز إجماعا: كأساس الدار، وقطن الجبة، ومتوسط اختلف فيه: هل يلحق بالأول أو الثاني؟ ](2).
الخرشي (3)(1101 هـ) يقول: [والغرر ثلاثة أقسام: ممتنع إجماعا: كطير الهواء، وسمك الماء، وجائز إجماعا: كأساس الدار المبيعة، وحشو الجبة المغيبة، ونقص الشهور وكمالها في إجارة الدار ونحوها، واختلاف الاستعمال في الماء في دخول الحمام، والشرب من السقاء، ومختلف في إلحاقه بالأول أو بالثاني؟ ](4).
• الصنعاني (1182 هـ) يقول: [قد يحتمل ببعض الغرر فيصح معه البيع، إذا دعت إليه الحاجة: كالجهل بأساس الدار، وكبيع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها، فإن ذلك مجمع عليه. وكذا على جواز إجارة الدار والدابة شهرا، مع أنه قد يكون الشهر ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين، وعلى دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء وقدر مكثهم، على جواز الشراب قي السقاء بالعوض مع الجهالة. وأجمعوا على عدم صحة بيع الأجنة في البطون، والطير في
= الحافظ العراقي، ولد عام (762 هـ) قاضي الديار المصرية، من آثاره:"الإطراف بأوهام الأطراف"، "رواة المراسيل"، "حاشية على الكشاف". توفي عام (826). انظر:"الضوء اللامع"(1/ 336)، "طبقات ابن شهبة"(4/ 80).
(1)
"طرح التثريب"(6/ 105 - 106)، "تحفة الأحوذي"(4/ 356). والجدير بالذكر أن ابن حجر ومثله العيني قد نقلا كلام النووي بنصه، من غير أن يذكرا ما حكاه من إجماع. "فتح الباري"(4/ 357)، "عمدة القاري"(11/ 265).
(2)
"الفروق"(3/ 265 - 266).
(3)
محمد بن عبد اللَّه الخرشي أبو عبد اللَّه، ولد عام (1010 هـ) شيخ المالكية، وانتهت إليه رئاسة المذهب في مصر، أول من تولى مشيخة الأزهر، من آثاره:"شرح كبير على مختصر خليل"، "شرح صغير عليه"، "منتهى الرغبة في حل ألفاظ النخبة". توفي عام (1101 هـ). انظر:"شجرة النور الزكية"(ص 317)، "الأعلام"(6/ 241).
(4)
"شرح مختصر خليل" للخرشي (5/ 69، 75).
الهواء] (1).
• الدردير (2)(1201 هـ) يقول: [(واغتفر غرر يسير) إجماعا (للحاجة). . .، فخرج بقيد اليسارة الكثير: كبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء، فلا يغتفر إجماعا](3).
• عليش (1299 هـ) يقول: [(واغتفر). . . إجماعا (غرر). . . (يسير) للضرورة. . .، فخرج بقيد اليسير الكثير: كبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء، فلا يغتفر إجماعا](4).
• عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما ذكر ما يستثنى من رؤية المبيع مما لا يعد غررا: [ويستثنى ما يدخل تبعا، وما يتسامح بمثله: إما لحقارته، أو للمشقة في تمييزه، أو تعيينه: كأساسات البنيان، والقطن المحشو في الجبة؛ وذلك بالإجماع](5).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (6).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر"(7).
(1)"سبل السلام"(2/ 18 - 19).
(2)
أحمد بن محمد العدوي الخلوتي الدردير المالكي، ولد عام (1127 هـ) كان شيخا على أهل مصر بأسرها في وقته، له مؤلفات محررة، منها:"الشرح الكبير على مختصر خليل"، "أقرب المسالك لمذهب مالك"، "نظم الخريدة السنية في التوحيد". توفي عام (1201 هـ). "شجرة النور الزكية"(ص 359)، "الأعلام"(1/ 244).
(3)
"الشرح الكبير" للدردير (3/ 60). وينظر كلاما نحوه في "الشرح الصغير" للمؤلف (3/ 95).
(4)
"منح الجليل"(5/ 41).
(5)
"حاشية الروض المربع"(4/ 351).
(6)
"المحلى"(7/ 223).
(7)
سبق تخريجه.
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر وهو محمول على الكثير دون القليل، وذلك لاتفاق العلماء على جواز بعض البيوع التي فيها غرر يسير، مما يُحتاج إليه ولا يمكن التحرز منه.
الثاني: أن الغرر لا يسلم منه بيع، ثم إنه لا يمكن الإحاطة بكل المبيع، لا بنظر ولا بصفة، والأغلبُ في العامِّ السلامة، إن لم يكن في تلك كان في آخر؛ لأجل هذا جاز في اليسير دون الكثير (1).
• المخالفون للإجماع:
خالف في هذه المسألة: ابن سيرين فقد ثبت عنه بإسناد صحيح أنه قال: [لا أعلم ببيع الغرر بأسا](2). ورُوي عن شريح أنه كان لا يرى بأسا ببيع الغرر، إذا كان علمهما فيه سواء (3).
ولعلهم يستدلون بالعموم وهو: أن البيع قد توفرت فيه الشروط والأركان، فيبقى على أصل الإباحة.
وأجيب عن قولهما بعدة أجوبة منها:
أولًا: لعله لم يبلغهما النهي الوارد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: لعل مقصودهما ما كان الغرر فيه يسيرا.
ونوقش هذا الجواب: أنه يمنع من توجيه ذلك ما جاء عن ابن سيرين أنه قال: [لا بأس ببيع العبد الآبق، إذا كان علمهما فيه واحدا]. فهذا يدل على أنه يرى بيع الغرر إن سلم في المآل (4).
ثالثًا: أن يقال بأن هذا القول شاذ لا يعتد به؛ لمخالفته الصريحة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها.
(1)"الاستذكار"(6/ 338).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 61 - 62)، وصححه ابن حجر في "الفتح"(4/ 357)، لكن ذكر بأنه أخرجه الطبري.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 62).
(4)
ينظر في هذين الجوابين: "فتح الباري"(4/ 357).